شيع عشرات الآلاف من الفلسطينيين، مساء اليوم الأربعاء، جثامين الشهداء العشرة الذين ارتقوا بعد المجزرة التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانها على مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية.
وخرج شلال بشري هادر يقدر بنحو ثلاثين ألف فلسطيني في وداع شهداء المجزرة الذين كان بينهم مقاومون من مجموعة "عرين الأسود" و"كتيبة بلاطة"، وأدت لإصابة أكثر من مائة آخرين، أكثر من نصفهم بالرصاص الحي.
ووسط الرصاص الكثيف الذي أطلقه عشرات المسلحين وغطى سماء المدينة، والهتافات الغاضبة التي صدحت بها حناجر المشيعين، والدموع التي انهمرت من عيون النساء، كانت كوكبة الشهداء العشرة المحمولين على الأكتاف تخترق الصفوف وتتقدم.
وانطلقت مسيرة التشييع الجماعي من مستشفى رفيديا الحكومي بعد نقل الشهداء من مستشفيات المدينة إليه، وبوقت واحد وتباعا سار الموكب الذي امتد لأكثر من كيلو متر، فيما أغلقت المحال التجارية أبوابها وارتدت نابلس ثوب الحداد.
المشهد كان مختلفا في مركز مدينة نابلس، المعروف بدوار الشهداء، إذ كانت ألوف أخرى بانتظار الشهداء أو "أقمار نابلس"، الذين بدأوا يصلون واحدا تلو الأخر، ومن يصل أولا ينتظر رفاقه من الشهداء لتتم الصلاة عليهم بشكل ثلاثي أو رباعي.
وبعد الصلاة، يطوف المشيعون بالشهيد طواف الوداع لنابلس قبل نقله إلى إحدى المقابر الرئيسية، وما أن يخلي الشهيد مكانه حتى يكون الذي يليه قد وصل، وينتظر من خلفه، وتكون الصلاة هذه المرة رباعية.
كل ذلك، وهدير الرصاص لم يهدأ، والهتافات لم تفتر، تدعو للرد على وحشية الاحتلال الإسرائيلي والانتقام. وردد المشيعون شعارات كان أبرزها "الانتقام الانتقام يا سرايا ويا قسام"، و"بلغوا كلاب الشاباك (جهاز الاستخبارات الإسرائيلي) جاي جاي الاشتباك"، و"حط السيف قبال السيف إحنا رجال محمد ضيف"، في إشارة إلى القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، الذي صار بعد استشهاده رمزاً للمقاومة الفلسطينية.
وكان جثمان المقاومين الرفيقين حسام اسليم ومحمد الجنيدي آخر الواصلين، وسط أمواج بشرية تتسابق في مرافقتهما، بعد أن وضعوا على جثمان كل منهما بارودته التي أوصيا في تسجيل صوتي لهما خلال حصارهما بعدم تركها.
تعليقاً على ذلك، قال الناشط السياسي في حركة فتح، مازن الدنبك، في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه لم يشهد مثل هذه الجنازة في حياته، مضيفا: "هذا أكبر عدد من الشهداء الذين ارتقوا في نابلس في يوم واحد منذ أكثر من عشرين عاما".
وأضاف الدنبك: "هذه الجنازة هي استفتاء جديد على مشروع المقاومة، ومبايعة من المواطنين للشهداء على السير على دربهم"، مشدداً على أن المجزرة "هي الرد العملي لحكومة الاحتلال الإسرائيلي على التفاهمات التي كشف النقاب عنها مع السلطة الفلسطينية. هذه عصابة مجرمة وليست حكومة، فهل نأخذ العبرة ونتوحد وننبذ الخلافات".
وكانت تقارير إعلامية إسرائيلية قد كشفت في وقت سابق أن السلطة الفلسطينية حافظت على قناة اتصال رفيعة المستوى بينها وبين حكومة الاحتلال بزعامة بنيامين نتنياهو، فضلا عن مواصلة التنسيق الميداني معها، رغم إعلانها سابقاً عن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال.
إلى ذلك، أكدت وزارة الصحة الفلسطينية أنه وبحسب البيانات المتوفرة لديها، فإن بداية هذا العام هي الأكثر دموية في الضفة الغربية منذ عام 2000 على الأقل، حيث لم يتم تسجيل هذا العدد من الشهداء (62 شهيداً) خلال الشهرين الأولين في الأعوام الـ22 الماضية.
ونعت مجموعات عرين الأسود شهداء نابلس، وقالت في بيان إن "ستة شهداء من عناصر عرين الأسود وكتيبة بلاطة وكتيبة نابلس، استشهدوا إلى جانب أربعة شهداء من المواطنين".
وأكدت أنها خاضت إلى جانب كتيبة بلاطة "معركة الشرف، معركة الدفاع عن وجودكم جميعًا، معركة البطولة والعزة والكرامة، ويقف معنا الأبطال من المجموعات المقاتلة الأخرى في نابلس يداً بيد لنسطر معًا آيات المجد والفداء"، مشيرة إلى أن "المؤامرة لن تمر ولو على أجسادنا، ولن يمر بيع الدم والأرض والشرف ولو على أرواحنا"، بحسب البيان.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن الشهداء هم: المسن عدنان سبع بعارة (72 عاماً)، والشاب محمد خالد عنبوسي (25 عاماً)، والشاب تامر نمر ميناوي (33 عاماً)، ومصعب منير عويس (26 عاماً)، وحسام بسام إسليم (24 عاماً)، ومحمد عمر أبو بكر (23 عاماً)، والشاب وليد دخيل (23 عاماً)، والمسن عبد الهادي أشقر (61 عاماً)، ومحمد فريد شعبان (16 عاماً)، وجاسر جميل قنعير (23 عاماً)، إضافة إلى المسن عنان شوكت عناب (66 عاماً) الذي أعلنت استشهاده مساءاً متأثراً بإصابته جراء الاختناق بالغاز المسيل للدموع. أما الإصابات فبلغت 101، بينها 5 إصابات خطيرة على الأقل.