- وُلد في دمشق ضمن عائلة ذات خلفية دينية وعلمية، وتأثر بالبيئة الثقافية والدينية في سورية، معارضًا الحكم الديكتاتوري ومساهمًا في النقاشات حول هوية البلاد ومستقبلها.
- قاد جماعة الإخوان المسلمين في سورية وواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك الخلافات الداخلية. رغم ذلك، ظل ملتزمًا بمبادئه، معارضًا للحكم الديكتاتوري وداعمًا للثورة ضد نظام بشار الأسد، تاركًا إرثًا من النضال من أجل الحرية والعدالة.
تطوي وفاة عصام العطار أمس الجمعة في مدينة آخن الألمانية عن عمر ناهز 97 عاماً، قضى منها نحو 60 عاماً مبعداً عن بلاده سورية، صفحة رجل غير عادي في الحياة السياسية لسورية المعاصرة، واكب عقود ما قبل الاستقلال وصولاً إلى ثورة السوريين ضد حكم بشار الأسد، وكان في كل المراحل مسانداً لفكرة الحرية ومناهضاً للديكتاتورية. ورغم أن عصام العطار يعد كما ورد في بعض نعواته، قائداً وسياسياً ومفكراً وداعية إسلاميا، إلا أن انتسابه لجماعة الإخوان المسلمين، وزعامته الجماعة لبعض الوقت (1964-1972) ظلّت هي الصفة الأبرز له، ولم يستطع معظم الناس، أو لم يشاؤوا، التعامل معه خارج هذا الإطار.
ولد عصام العطار في مدينة دمشق عام 1927، وهو شقيق نائبة رئيس النظام السوري للشؤون الثقافية والإعلامية، ووزيرة الثقافة السابقة، نجاح العطار، وزوجته بنان الطنطاوي، ابنة الشيخ علي الطنطاوي، التي اغتالتها استخبارات النظام السوري في ألمانيا عام 1981. ترعرع في عائلة دمشقية عريقة من أهل العلم والفقه توارثت التدريس والخطابة في المسجد الأموي في دمشق لقرون. وكان والده الشيخ محمد رضا العطار عالماً ومن رجال القضاء الشرعي والعدلي، ورئيساً لمحكمة الجنايات ومحكمة التمييز، وكان ممن حكم عليهم جمال باشا والي سورية بالإعدام، (أعدموا في 6 مايو/أيار 1916)، لكنه تمكن من الهرب وعاش سنوات بين القبائل العربية في حوران وجبل العرب.
فرضت عليه الإقامة الجبرية بعد انقلاب عام 1963 إلى أن خرج إلى الحج عام 1964 ومُنع من العودة إلى سورية
وكان لنشأة عصام العطار في أسرة علم وتدين، دور في صقل ثقافته الإسلامية، وتكوين لسانه العربي الرصين. تعرّف في قت مبكر من عمره إلى الشيخ مصطفى السباعي، المرشد الأعلى للإخوان المسلمين في سورية، وشارك في النقاشات التي كانت تدور نهاية الأربعينيات ومطلع الخمسينيات مع استقلال البلاد عن فرنسا بشأن هوية البلاد. وحين عقد في دمشق عام 1955 مؤتمر ضمّ كل شيوخ سورية الكبار وكل السياسيين السوريين الإسلاميين، ومنهم محمد المبارك، ومعروف الدواليبي، ومصطفى الزرقا، وكل الجمعيات الثقافية الإسلامية، جرى اختيار العطار أميناً عاماً للمؤتمر، وكان في وقتها منضوياً بالهيئة التشريعية والمكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين. كما كان الخطيب شبه الدائم في مسجد الجامعة مع علي الطنطاوي ومصطفى السباعي وآخرين.
عام 1951، هاجم العطار بشدة حكم أديب الشيشكلي، فأصدر الأخير أمراً باعتقاله، لكنه هرب إلى مصر، وهناك تعرف إلى قادة جماعة الإخوان في مصر ومنهم حسن الهضيبي، كما التقى العديد من الشخصيات مثل سيد قطب، والبشير الإبراهيمي شيخ علماء الجزائر، إضافة إلى أدباء ومفكرين مثل محمد شاكر وعبد الوهاب عزام. وعموماً، كانت الحياة في مصر غنية وكان لها أثر كبير في حياته بعد عودته إلى سورية عام 1954، بسبب تدهور الحالة الصحية لوالده.
انخراط عصام العطار بالحياة السياسية
بعد عودة الحكم البرلماني للبلاد مع الإطاحة بحكم الشيشكلي عام 1954، استعادت الحياة السياسية في سورية نشاطها مرة أخرى، وكانت جماعة الإخوان في طليعة القوى السياسية المتصدرة للمشهد، إلى جانب القوميين والشيوعيين والأحزاب التقليدية الأخرى. وأغرت السيولة السياسية والحزبية المتشكلة آنذاك بعد سنوات من القمع في ظل حكم الانقلابيين، جماعة الإخوان، للاندفاع في خوض غمار الانتخابات، ورفع تطلعاتها، لكن كانت للعطار نظرة ثاقبة آنذاك، ونصح الجماعة بعدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية عام 1957، مقدراً أن الظروف لم تنضج بعد لهذه الخطوة. غير أن قرار الجماعة بقيادة المراقب العام مصطفى السباعي كان غير ذلك، فكان أن مني الإخوان بخسارة كبيرة، وتحقق ما حذّر منه العطار، من أن القوى الأخرى لن تسمح بفوز الإخوان، حتى لو اضطرت للتزوير والتلاعب بالنتائج. وشكلت نتائج تلك الانتخابات صدمة للسباعي الذي أصيب بالشلل إثر ذلك، وصار العطار القائم الفعلي بشؤون المراقب العام للجماعة في ظلّ مرض السباعي الشديد.
رفض الانضمام إلى أي من التشكيلات السياسية المعارضة بعد ثورة 2011
واستجاب العطار، ومعظم قادة الجماعة، لطلب الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بحلّ الأحزاب كشرط لقيام الوحدة بين مصر وسورية عام 1958، فحلّت الجماعة نفسها. لكن العطار لم يتردد في التحذير من عواقب الطريقة البوليسية للحكم التي اعتمدها عبد الناصر في سورية، محذراً الأخير من أن الأساليب الديكتاتورية ستكون وبالاً على الوحدة. وعلى الرغم من مآخذه على الحكم القمعي خلال عهد الوحدة، إلا أن العطار رفض التوقيع على وثيقة الانفصال التي حشد لها القوميون والشيوعيون والاشتراكيون أمثال أكرم الحوراني وصلاح الدين البيطار، قائلاً في خطبة له في حينه على منبر مسجد الجامعة: "إن الوحدة أكبر من أخطائها".
رفض الحكم الديكتاتوري وإبعاده عن سورية
بعد الانفصال، دعا معروف الدواليبي المكلف بتشكيل الحكومة، عصام العطار، للمشاركة فيها، غير أن العطار رفض ذلك لأنها حكومة غير ديمقراطية ولن تعمر طويلاً. وفعلاً، أطيح بعد أشهر حكم الرئيس ناظم القدسي، وتم اختيار 13 شخصية لاستلام الحكم، كان من بينها عصام العطار الذي أعلن رفضه للانقلاب، وطالب بإعادة رئيس الجمهورية القدسي مع التهديد بتحركات شعبية، فاستجابت سلطة الانقلاب لمطلبه، وأفرجت عن القدسي وسمحت بعودته إلى رئاسة الجمهورية، إلى أن جرت إطاحة الأخير مجدداً عام 1963 على يد مجموعة من الضباط البعثيين في ما سُمّي "ثورة الثامن من آذار (مارس)" التي صادرت الحرّيات السياسية ودشنت لقيام سلطة الحزب الواحد في سورية، والعمل تحت "قانون الطوارئ" منذ عام 1963، حتى إعلان إيقاف العمل به شكلياً بعيد اندلاع الثورة السورية ضد النظام الحاكم عام 2011.
بعد انقلاب عام 1963، واستلام ضباط البعث السلطة، كان الناس يتطلعون لموقف العطار الذي خاطب عشرات الآلاف في أول خطبة عقب الانقلاب من على منبر مسجد الجامعة رغم محاصرة المسجد بعشرات الدبابات، قائلاً: "أعلن أنني أرفض أي ضربٍ من ضروب الحكم الديكتاتوري الاستبدادي، والطغاة الماضون سقطوا طاغيةً بعد طاغية تحت أقدامنا ونحن على هذا المنبر، وسيذهب الطغاة الجدد كما ذهب الطغاة القدماء". عندها فرضت عليه سلطة الانقلاب الإقامة الجبرية إلى أن خرج إلى الحج عام 1964 ومُنع من العودة إلى سورية، ولم يدخلها بعد ذلك، فعاش بقية حياته متنقلاً بين المنافي، ليحط الرحال في مدينة آخن الألمانية.
وبعد وفاة مصطفى السباعي عام 1964، اختير العطار ليحل مكانه مراقباً عاماً لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، وسط محاولات للطعن به من جانب بعض أجنحة الجماعة على أسس مناطقية بين دمشق وحلب وحماة، واتهامات له بالاستبداد والتفرد بالقرار، لتبلغ الخلافات ذروتها عام 1972، وكان قرار الجماعة بعزله عن قيادتها، وتعيين الشيخ عبد الفتاح أبو غدة مراقباً عاماً لـ"الإخوان"، ليغدو العطار من وقتها خارج صفوف الجماعة.
وعلى الرغم من مسارعة عصام العطار إلى تأييد ودعم الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد عام 2011، إلا أنه رفض الانضمام إلى أي من التشكيلات السياسية المعارضة، وحاول فتح طريق لمبادرات تجاه النظام لحقن الدماء، والاستجابة للحلول السياسية، وهو ما أثار حفيظة العديد من قادة "الإخوان" والناشطين في المعارضة، لكن النظام لم يستجب لأي من هذه المبادرات.