يسود الغضب والاستياء في الشمال السوري، حيث تسيطر فصائل "الجيش الوطني" المعارض، بعد اغتيال ناشط إعلامي بارز مع زوجته من قبل مجهولين، وهو ما أكد مرة أخرى أنّ الفوضى الأمنية هي السمة البارزة للمناطق الخاضعة لقوات المعارضة السورية.
غضب في الباب بعد اغتيال ناشط
وشهدت مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، أمس السبت، عصياناً مدنياً وإضراباً، حداداً واحتجاجاً على اغتيال الناشط الإعلامي والثوري محمد عبد اللطيف، المعروف باسم "أبو غنوم"، وزوجته (الحامل) التي كانت برفقته، مساء الجمعة، برصاص مجهولين وسط المدينة.
وعلمت "العربي الجديد" أن أبو غنّوم كان يستقل دراجة نارية ومعه زوجته، عندما أطلق مسلّحون يستقلون سيارة، النار عليهما بالقرب من الفرن الآلي في مدينة الباب. وكان لعبد اللطيف، الذي يتحدر من بلدة بزاعة المجاورة للباب، دور بارز في تنظيم الاحتجاجات ضد التجاوزات التي تحدث بحق سكّان مدينة الباب من قبل مجموعات محسوبة على فصائل المعارضة السورية.
وتعليقاً على الاغتيال، دعا الفاروق أبو بكر، وهو قيادي في الجيش الوطني في ريف حلب الشمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، المؤسسات التي تحكم المنطقة، إلى "تغيير طريقتها في الإدارة وتنفيذ الأحكام الصادرة بحق المجرمين". وأكد أن فصائل الجيش الوطني، جاهزة لتقديم "كل ما يطلب منا من دعم ومساندة على جميع الأصعدة". وأضاف "نحن عون لهذه المؤسسات التي من المفترض أن تكون لديها خطط لإرساء الأمن".
يغلي الشمال السوري بحراك مدني احتجاجاً على الفساد
وقال أبو بكر إنه "يجب ألّا ننسى أنّ الشمال منطقة حرب ونحن لدينا أعداء كثر يريدون أن تعم الفوضى الأمنية في مجمل المناطق التي تقع تحت سيطرة فصائل الجيش الوطني". ولم ينكر أبو بكر وجود ما سمّاه بـ"الخلل" في بعض المؤسسات التي تدير الشمال السوري و"عدم اكتمال الرؤى، وعدم تطبيق القوانين بشكل كامل وصارم". وبرأيه، فإنّ ذلك "يسهم في زعزعة الأوضاع الأمنية، ما يحول دون فرض السيطرة الكاملة على المنطقة من قبل المؤسسات الأمنية والعسكرية والقضائية".
وعقب الاغتيال، أكد فريق "منسقو الاستجابة" الناشط في سورية، أنّه وثق "منذ بداية عام 2022، أكثر من 22 اغتيالاً ومحاولة اغتيال في مدينة الباب وريفها طاولت ناشطين وعمّالاً إنسانيين وكوادر إعلامية".
ويعد الصحافيون والناشطون الإعلاميون، الهدف الرئيسي لمجموعات خارجة عن القانون تستهدف كل الأصوات التي تنتقد الفساد المستشري في الشمال السوري.
الشمال السوري... بيئة أمنية هشّة
وفي هذا الإطار، أشار الباحث في مركز "الحوار السوري"، ياسين جمول، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن اغتيال الناشط محمد عبد اللطيف "ليس حادث الاغتيال الأول من نوعه في الشمال السوري"، واصفاً البيئة الأمنية في الشمال السوري بـ"الهشة، وغير الآمنة وغير الصالحة لإعادة اللاجئين".
وشدّد جمول على أن "حفظ الأمن يقع اليوم على عاتق الجانب التركي الذي يشرف على كل شي فعلياً في المنطقة، وبالقدر ذاته على فصائل الجيش الوطني؛ فكلاهما لا يمرّ نشاط دون تدخُّل منها أو متابعة". وأوضح أن الشمال السوري الخاضع للفصائل "يغلي بحراك مدني سلمي احتجاجاً على الفساد وسوء الأحوال، وعلى رأسها حراك المعلمين". لكنه لفت إلى "أهمية التنبّه لخطورة الاغتيالات" التي لم يستبعد الباحث "أن يكون لنظام الأسد وحلفائه أو لقوات قسد ("قوات سورية الديمقراطية" الكردية) يد فيها".
كما لم يستبعد جمول ازدياد عمليات الاغتيال في الشمال السوري "حتى تختلط الأوراق وتتداخل الأمور أكثر، وتنقلب الحاضنة على الجيش الوطني وعلى الأتراك"، مذكراً بأن النظام السوري "كانت له مثل هذه الأفعال في بداية التظاهرات السلمية (بداية الثورة السورية في 2011)، لتأليب الناس على الثورة وأهلها".
ودعا جمول فصائل الجيش الوطني المعارضة والإدارة التركية لـ"التنبه لذلك، وحُسن استيعاب الحراك المدني وتقديره وحمايته، وليس مهاجمته كما فعلوا في إغلاق خيمة اعتصام المعلمين". كما دعا إلى "معالجة الثغرات الأمنية التي يتحملون مسؤوليتها ولا يُعفون من أي تقصير فيها". كما رأى أنه "ينبغي على الشارع الثوري ألا يتعجل في اتهام أحد؛ فالمستفيدون من الاغتيالات كثر، فلا تنحرف البوصلة ولا نتراجع عن الحراك السلمي الواعي".
تشهد الباب بين وقت وآخر اشتباكات دامية بين فصائل المعارضة من أجل السيطرة ومدّ النفوذ في المنطقة
من جهته، اعتبر الناشط السياسي معتز ناصر (من أبناء مدينة الباب)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك العديد من الجهات المتهمة في اغتيال الناشط عبد اللطيف". وأضاف: "كان أبو غنام (الاسم الذي عرف به الناشط) ضد كل أعداء الثورة، سواء كانوا داخليين والذين يعيثون فساداً في الشمال المحرر، أو الخارجيين كالنظام وتنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني". وتابع: "لعب أبو غنوم دوراً مؤثراً وكان محركاً مجتمعياً في مدينة الباب، ويقف مع المظلومين ضد الظالمين، لذا كان الهدف من اغتياله خلط الأوراق في المدينة".
وتقع مدينة الباب إلى الشمال الشرقي من مدينة حلب بنحو 40 كيلومتراً، ضمن مناطق النفوذ التركي منذ عام 2017 عقب طرد "داعش" منها في حملة واسعة أطلق عليها اسم "درع الفرات"، وهو الاسم الذي غلب على مجمل الشمال السوري الواقع تحت السيطرة المباشرة من قبل فصائل المعارضة التابعة لأنقرة. وأشار "الشارع الثوري" في الباب عقب اغتيال عبد اللطيف، إلى أن المدينة "باتت مرتعاً تسرح فيه عصابات المخدرات والاغتيالات والمهربين والعملاء، بسبب ما يتلقونه من حماية المفسدين وتغاضي القانون عن القصاص منهم".
ولطالما دعا سكان الباب إلى خروج الفصائل العسكرية من مدينتهم التي تشهد بين وقت وآخر اشتباكات دامية بين هذه الفصائل من أجل السيطرة ومدّ النفوذ في المنطقة التي ترتبط بمناطق النظام و"قسد" بمعابر تدر أموالاً على هذه الفصائل.
ويسيطر فصيل يُدعى "ملك شاه"، على العديد من العقارات العائدة لسكّان في الباب منذ 2017، في ظل عجز الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني السوري المعارض، عن فرض قوانينها على الشمال السوري المحكوم من قبل فصائل متباينة في الرؤية والأهداف.
وتضم الباب، التي تعد من كبريات المدن الخارجة على سيطرة النظام في شمالي سورية، عشرات آلاف النازحين من مختلف المناطق السورية، والذين وجدوا فيها ملاذاً آمناً لهم من القصف والعمليات العسكرية في مناطق سيطرة النظام.