قدّم رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، اليوم السبت، أوراق ترشحه لانتخابات الرئاسة الليبية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وعقيلة صالح عيسى (77 عاماً) من مدينة القبة شرق بنغازي، التي تعتبر المعقل الرئيس لقبيلة العبيدات، أكبر قبائل الشرق الليبي وأكثرها انتشاراً.
تخرّج صالح من الجامعة الليبية في بنغازي عام 1970، وتخصص في القانون والحقوق، ومارس العمل القضائي متدرجاً في العديد من المناصب حتى عيّن مستشاراً لمحكمة الاستئناف في مدينة درنة شرق البلاد، عام 1999.
وإضافة لعمله في سلك القضاء عرف بنشاطه المجتمعي في نظام حكم الرئيس الراحل معمر القذافي منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، وتحديداً ما عرف بـ"القيادات الشعبية"، حتى تم اختياره أميناً للقيادات الشعبية بالجبل الأخضر عام 2007.
طيلة السنوات الأربع الأولى لثورة فبراير لم يعرف لصالح أي نشاط سياسي أو مجتمعي
وإبان اندلاع ثورات الربيع العربي في تونس ومصر، بدأت وفود القبائل المؤيدة للقذافي في التوافد على خيمته في طرابلس لإلقاء بيانات الوفاء والعهد، وظهر عقيلة عبر التلفزيون الرسمي، يوم 7 فبراير 2011، أي قبل عشرة أيام من اندلاع ثورة فبراير، وهو يلقي بيان تعهد للقذافي بالوفاء لنظامه والدفاع عنه، باسم القيادات الشعبية بالجبل الأخضر، وسط جمع غفير من ممثلي قبائل شرق البلاد.
وطيلة السنوات الأربع الأولى لثورة فبراير لم يعرف لصالح أي نشاط سياسي أو مجتمعي، غير أنه ترشح عن منطقته، القبة، للانتخابات البرلمانية الثانية، التي جرت في عام 2014، وانتخب رئيساً لمجلس النواب، إثر انعقاد أولى جلساته في طبرق، أقصى شرق البلاد، في أغسطس من ذات العام.
عقيلة صالح وحفتر
أظهر صالح ميلاً واضحاً لمعسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي كان في طور تكونه وقتها، بعد أشهر من إطلاق أولى عملياته في بنغازي تحت مسمى "عملية الكرامة"، حيث أصدر قراراً بتسمية مليشيات حفتر "الجيش الوطني"، ومنح حفتر رتبة مشير، دون أن يرجعه للخدمة العسكرية، إذ أحيل حفتر للتقاعد الإجباري عام 2013 بقرار من المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق).
وعلى الرغم من الجدل الحاصل وقتها، على خلفية استغلال صالح صلاحية القائد الأعلى للقوات المسلحة الممنوحة لمجلس النواب وإصداره قرارات لصالح حفتر ومعسكره بصفة فردية، إلا أنه استمر في دعمه، وشكّل له واجهة سياسية مكنت الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية من دعمه عسكرياً وسياسياً، حتى بدأت علامات التوتر تظهر في مسار العلاقة بينهما عند محاولة حفتر تهمشيه خلال الاحتفال بالذكرى الثالثة لإطلاق عملية "الكرامة"، في مايو 2017، حيث خصص له مقعداً في آخر منصة الاحتفال، ما أشعره بأن حفتر أراد الانتقاص من مكانته، وهو الذي منحه رتبته ومنح مليشياته صفة الجيش.
وطيلة السنوات اللاحقة وعلى الرغم من إعلانه بشكل صريح تأييده لعدوان حفتر ومليشياته على العاصمة طرابلس، في إبريل/ نيسان 2019، إلا أن التوتر والجفاء طبعا العلاقات بينهما، لكن دون أن يتخلى أي منهما عن الآخر.
وظهر ذلك جليا في عديد من المناسبات، منها تحفظ صالح على مسودة الدستور، التي أقرتها الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور في يوليو 2017 وإحالتها لمجلس النواب لطرحها على الشعب للتصويت عليها كدستور دائم للبلاد، لكن صالح أدرجها في محفوظات رئاسة مجلس النواب دون البت فيها، رغم أنها لا تعارض سياساته وتوجهاته بقدر ما تمنح أكثر نصوصها حفتر المرور إلى أي مرحلة سياسية إذا أجريت انتخابات على أساسها.
تمكن صالح من السيطرة على قرار مجلس النواب واستثماره لصالح مصالحه السياسية
وتمكن صالح من السيطرة على قرار مجلس النواب واستثماره لصالح مصالحه السياسية، وواجه أكثر من محاولة للإطاحة به، على الرغم من الأغلبية داخل مجلس النواب التي قادت تلك المحاولات، وأبرزها اجتماعات طنجة المغربية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وغدامس في ديسمبر/ كانون الأول 2020، وصبراته في فبراير/ شباط 2021.
وقبلها ماطل في عديد من المرات في تضمين الاتفاق السياسي، الموقع في ديسمبر/ كانون الأول 2015 في الصخيرات المغربية، في الإعلان السياسي، على الرغم من مشاركة مجلس النواب في مفاوضات الحوار السياسي التي أنتجت الاتفاق، وحافظ بذلك على أهم أوراقه المعارضة لشرعية حكومة الوفاق التي جاء بها الاتفاق السياسي.
خلاف عقيلة صالح مع حفتر
ويعد إعلانه عن مبادرة السلام، في إبريل 2020، علامة فارقة في ظهور الخلاف بشكل معلن بينه وبين حفتر، وتحديداً إثر إعلان حفتر عن انقلاب جديد، سماه بـ"تفويض القوات المسلحة والشعب الليبي" له بقيادة البلاد، و"إسقاط الاتفاق السياسي"، حيث هاجم صالح حفتر، مستغرباً كيف يكون "التفويض لمن له سلطة"، ودون أن يذكر اسم حفتر، أضاف "من يطلب التفويض الآن لا سلطة له"، وكان لافتاً أن انقلاب حفتر جاء بعد أيام من إعلان عقيلة عن "مبادرة السلام"، التي طالب فيها بوقف القتال في جنوب طرابلس، ويبدو أن حفتر استشعر منها انسحاب صالح من حلفه بعد أن بدأت مليشياته تتهاوى في أهم مراكزها في جنوب طرابلس.
استقلال عقيلة عن حفتر
ومن يومها برز صالح كشخصية بدأت تأخذ ملامح الاستقلال في موقفها بعيداً عن تأثيرات حفتر ومليشياته، خصوصاً بعد انكساره في جنوب طرابلس، وبدأ في التجاوب مع اتصالات شخصيات سياسية من غرب ليبيا، على رأسها وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا، والتي انتهت بعقد تحالف بينهما ظهر واضحاً في القائمة التي ترشح فيها صالح وباشاغا في الانتخابات التي نظمها ملتقى الحوار السياسي، في فبراير/ شباط 2021، التي انتخبت خلاله السلطة التنفيذية الحالية.
فيما بدت تأثيرات خسارته تلك الانتخابات الموجّه لمواقفه من رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، الذي فازت قائمته أمام قائمة صالح، ففي أول ظهور له قال صالح "نريد أن نعطي فرصة للحكومة الجديدة ونمنحها الثقة إذا سارت كما نريد نحن وإذا حادت سيكون لنا موقف".
وأضاف "لا نريد أن يقال إننا نبحث عن وظيفة، لم تكن لدي رغبة في الترشح ولم أكن مهتماً بالترشح بل كنت رافضاً حتى عندما كُونت القوائم، ولكن عدداً من أعضاء ملتقى الحوار الوطنيين دفعوا باسمي".
وعلى ضوء ذلك يبقى التساؤل، من دفع الآن صالح للترشح للانتخابات الرئاسية، وهل سيتغير تعاطيه مع الأزمة الليبية وفقاً لخطابه الانتخابي الذي أعلنه ليل الأربعاء الماضي.