مر أسبوعان على إعلان رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي إطلاق مفوضية عليا للمصالحة الوطنية، بدون أن يسمي أعضاء المفوضية، بل تركها جسماً فضفاضاً لا يتناسب مع حجم الإعلان عنها والترحيب المحلي الواسع بها، وفضّل أن ينطلق في رحلات مكوكية للخارج، لتبديد الخلافات وفك الاشتباكات بين الأطراف المتدّخلة في ليبيا.
ويعدّ تشكيل المفوضية العليا للمصالحة من أهم استحقاقات المرحلة الانتقالية وأولويات قادة السلطة التنفيذية، فبدون شكّ هي أساس مهمّ لنجاح الانتخابات الرئاسية والتشريعية نهاية العام الحالي، إذ ستغلق الأبواب أمام عودة الحرب والصراع والتشريد، كما ستفتح الباب أمام التخلص من المجموعات المسلحة في أنحاء البلاد. ومن دون شك تنهي المصالحة حسابات الماضي، وتُدخل البلاد إلى عالم جديد على أكتاف أبناء الوطن من الداخل وليس من الخارج. بالمختصر المفيد جداً، فإنّ عنوان المصالحة الوطنية هو أهم عناوين المرحلة الحالية.
لكن الملاحظ، في الأثناء، تشابك المهمات الأساسية لقادة السلطة الجديدة، وعدم تمكّنهم من وضع رؤية محددة واضحة المعالم لأولويات عملهم السياسي. فقد اختلط العسكري بالاقتصادي والشؤون الخارجية، على حساب المهمات الأساسية المتعلقة بالمواطن والداخل، ولعل أهمها استحقاق المصالحة بين الليبيين. فاتجاه قادة السلطة الجديدة لتكثيف زياراتهم للخارج للبحث عن الدعم، واقتراح الحلول حول الإشكالات القائمة على اتفاقات ليبيا مع عدد من الدول، لا يعكس إلا انقلاباً على مفهوم المصالحة، وفق رأي بعض النشطاء. فالمطلوب المصالحة بين الليبيين، لا المصالحة بين تركيا واليونان ودول حوض المتوسط.
وما من شك في أهمية سعي المنفي ورئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، لتقليل تأثير خلافات تلك الدول على أوضاع البلاد، وخصوصاً في ملفات كبيرة على صلة بالمسار العسكري، ومن بينها قضية إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، لكن في المقابل تبقى الاستحقاقات الداخلية في الفترة الحالية في قائمة الأولويات، خصوصاً مع العلم أن تأثيرات الأطراف الخارجية في أزمة البلاد، تحتاج جهود خفضها عمراً أطول من عمر السلطة الحالية.
لكن آراء ليبية أخرى تبرز في المقابل، وتشير إلى أن المنفي والدبيبة على إدراك تام بأهمية المصالحة، وكونها أساسا للمضي في الاستحقاقات الأخرى، ولكن التفاتهما عن هذا الاستحقاق، تقف وراءه أسباب تتعلق بكيفية إنجاح مصالحة واقعية بدون فتح ملفات كبرى، كملفات المجازر الجماعية ومقابر ترهونة والحرب على طرابلس، وأيضاً ملفات المجموعات المسلحة في طرابلس ومصراته. فدائماً ما تقف ملفات الجرائم الجنائية عقبة أمام أي مصالحة حقيقية.