كان محمد خير الله، العمدة المسلم لبلدة بروسبكت بارك بولاية نيوجيرسي الأميركية، على بعد دقائق فقط من البيت الأبيض بدعوة من إدارة الرئيس جو بايدن بمناسبة عيد الفطر، قبل أن يتلقى مكالمة وصفها بـ"المهينة"، تبلغه بأنه "غير مسموح له بالدخول" إلى الحفل.
الرفض المفاجئ الذي تلقاه خير الله من البيت الأبيض جاء رغم إعلام المسؤولين بتأكيد حضوره، ولم يُعط خير الله أي سبب لرفض البيت الأبيض أو "الخدمة السرية" المسؤولة عن الأمن، كما أنها لم تكن المرة الأولى التي يواجه فيها العمدة المسلم إجراءات غير مبررة من سلطات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة.
خير الله كان رجل إطفاء سابق متطوع قبل أن يتحول إلى سياسي محلي، وقال إن أول حادث من هذا القبيل حصل عام 2019، عندما كان عائداً إلى الولايات المتحدة من إسطنبول، حيث قابله عناصر إنفاذ القانون على باب طائرته وأخبروه بأنه تم اختياره "عشوائياً" لفحص أمني إضافي.
وشمل الفحص الأمني آنذاك مصادرة هاتفه أثناء عملية التفتيش وإجباره على خلع ما يرتديه حتى ملابسه الداخلية. وحصل خير الله على الجنسية الأميركية عام 2000، وانتخب عمدة بلدته عام 2001 بعدما أمضى 14 عاماً يعمل رجل إطفاء متطوعا في مجتمعه.
ممارسات مهينة
وصف خير الله، في مقابلة مع "الأناضول"، طرده من فعالية البيت الأبيض بأنه "كان أمراً مهيناً"، وبعد موقف مسؤولي البيت الأبيض، تواصل خير الله مع مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية "كير" (أكبر مركز إسلامي في الولايات المتحدة) من أجل الحصول على الدعم اللازم.
وأبلغ خير الله مسؤولي المركز الإسلامي أن اسمه "موجود في قائمة مراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي"، التي سربت على الإنترنت على خلفية خلل تقني في خادم إنترنت خاص بإحدى شركات الطيران الأميركية.
وتضمنت القائمة، التي نشرها موقع "ديلي دوت" الإخباري لأول مرة، مجموعة من الأسماء من قاعدة بيانات الولايات المتحدة الخاصة بمن يتم فحصهم للتأكد من عدم صلتهم بأي نشاطات إرهابية وقائمة المحظورين من الطيران (السفر جواً).
وفي السياق، قالت دينا سيد أحمد، المتحدثة باسم مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية في نيو جيرسي، إن "حوالي 1.5 مليون شخص مدرجون في هذه القائمة، غالبيتهم أسماء عربية وإسلامية"، وأوضحت سيد أحمد لـ"الأناضول" أن قائمة مراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي يعود تاريخها إلى عقدين من الزمن، تقريباً عام 2003.
وقال خير الله: "نريد أن يقوم مسؤولو إنفاذ القانون بعملهم، نريد منهم حماية الأمة ولا أحد يريد منعهم، لكن هذه قائمة غير مفهومة"، وأردف: "بطريقة ما قرر شخص ما أن أكون في هذه القائمة، يجب أن تكون هناك شفافية، عندما يكون هناك شخص ما في تلك القائمة يجب أن يتم إخباره وإبلاغه بحقيقة الأمر".
سياسات غامضة
لا يزال خير الله لا يدري كيف انتهى به المطاف في قاعدة البيانات المذكورة، لكن لديه بعض التخمينات.
يعتقد أنه كان من الممكن إضافته عام 2019 كشكل من أشكال الانتقام السياسي بعد أن كان "ناقداً صريحاً" للرئيس السابق دونالد ترامب، أو نتيجة لرفضه أن يصبح مخبراً بعدما اتصل به أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي خلال فترة "الحرب الأهلية" في سورية.
ووُلد خير الله في سورية قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة مع والديه في التسعينيات، وعمل في الأيام الأولى للحرب في سورية في تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين هناك، مع الاستمرار في العمل كرئيس لبلدية بروسبكت بارك.
ومتذكراً حديثاً سابقاً مع أحد عملاء التحقيقات الفيدرالي، قال خير الله: "قلت له يا صديقي ليست لدي المعلومات التي تريدونها، ليست لدي اتصالات مع الجماعات الإرهابية، أنا أذهب إلى هناك لأغراض إنسانية".
وشغل خير الله منصب رئيس بلدية بروسبكت بارك لنحو عقدين بعدما خدم في مجلس المدينة منذ 2001، بعد عام واحد فقط من حصوله على الجنسية الأميركية.
ردود فعل غاضبة
أثار قرار منع خير الله من دخول البيت الأبيض ردود فعل غاضبة من زملائه السياسيين في نيوجيرسي، بمن فيهم السيناتور بوب مينينديز وكوري بوكر والنائب بيل باسكريل، الذين كتبوا رسالة مشتركة إلى الخدمة السرية والبيت الأبيض يطالبون فيها بتزويد الجمهور بملابسات منع رئيس البلدية من الدخول.
ودعت الرسالة مسؤولي البيت الأبيض إلى "تزويد خير الله بالأسباب الموضوعية وراء رفض استقباله، والشروع في مراجعة وضعه حتى يتمكن في المستقبل من حضور الفعاليات وتمثيل ناخبيه في بيت الشعب (في إشارة إلى البيت الأبيض)".
وكتب المشرعون إلى مدير الخدمة السرية كيمبرلي تشيتل، والسكرتير الاجتماعي للبيت الأبيض كارلوس إليزوندو: "العمدة خير الله هو موظف حكومي مخلص، وصديق مقرب وأطول عمدة مسلم خدمة في نيوجيرسي، ويفخر بخدمة مجتمعه لأكثر من 17 عاماً".
من جانبه، قلل خير الله من أهمية ضرورة اعتذار المسؤولين عن منعه من دخول البيت الأبيض، مؤكداً أن قضيته غير مهمة في مخطط الأمور الأكبر، واعتبر أن القضية التي يجب معالجتها "هي القائمة نفسها وسريتها"، موضحاً أن "هناك آخرين يعانون ولا يملكون قدرتي عن الكشف عما تعرضت له".
وتساءل العمدة المسلم: "كيف يتم إدراج الأشخاص في هذه القائمة؟ كيف يمكنهم مسح أسمائهم إذا تم إدراجهم سابقاً؟ لا يمكنك فقط وضعهم في قائمة سرية ومن ثم مضايقتهم طوال الحياة بشكل عام".
مسيرة ملهمة
تطوع خير الله في الإطفاء انطلاقاً من أن الولايات المتحدة منحته "فرصاً هائلة"، ولهذا السبب قرر رد الجميل لمجتمعه المحلي والمجتمع ككل.
وقال لـ"الأناضول" إنه تطوع في هذا المجال كونها وظيفة "كان يحلم بها عندما كان طفلاً، لكن لم يكن قادراً على متابعتها إلا بعد تقديم التماس إلى الحكومة المحلية لتعديل القواعد من أجل السماح لغير المواطنين بأن يصبحوا رجال إطفاء".
ولفت إلى أن هذه المبادرة "كانت بوابته إلى السياسة المحلية" عام 2001 رغم الصعوبات التي عانى منها المسلمون في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وأوضح خير الله أنه "لم يكن 2001 عاماً جيداً للمجتمع المسلم بسبب ما حدث في 11 سبتمبر، ولكن ثبت لي أن المشاركة المحلية تظهر حقاً من هم الأشخاص المسلمون ومن هم العرب حقاً".
وأردف: "تمكنت من الفوز في نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، وأصبح ما قبل ذلك تاريخاً". ومنذ ذلك الحين، تمكن خير الله من الفوز بخمس انتخابات على منصب عمدة بلدة بروسبكت بارك.
(الأناضول)