تواصل السلطات الأمنية النمساوية حملتها ضد ما يسمى "الإسلاميين" في البلد بعنوان مثير للجدل "عملية الأقصر"، بإشراف مباشر من وزير الداخلية كارل نيهامر والمستشار سيباستيان كورتز، لتصل إلى استهداف جمعيات رسمية تعمل منذ سنوات في البلد. وتحت ذريعة محاربة "الإرهاب الإسلاموي"، واصلت قوات مكافحة الإرهاب اقتحام منازل ومقار. وبحسب مصادر عربية في فيينا تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن هذه الحملة "باتت تستهدف كل من أبدى تعاطفاً مع حركة حماس وله موقف معارض لحكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي".
في هذه المدينة عاش مسلمون من تونس ومصر وفلسطين وسورية وتركيا ومن دول أخرى، حياة طبيعية، قبل أن يؤدي الهجوم الإرهابي في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي إلى حملات غير مسبوقة فيها. وعلى الرغم من انقسام الجالية المصرية، الأكبر من بين الجاليات العربية، بسبب الانقلاب في 2013، وفض اعتصام ميدان رابعة، والذي اتخذ بسببه البعض موقفاً معارضاً للسيسي، إلا أن "الجميع يستشعر تغييرات لناحية الخطاب والممارسة الأمنية، التي تجري بحجة استهداف الإسلاميين المتطرفين، ليصار إلى استهداف ما يطلقون عليه اسم المؤسسات والمتعاطفين مع جماعة الإخوان والمقاومة في غزة"، وفق ما يقول مهاجر عربي مقيم في فيينا منذ 32 سنة لـ"العربي الجديد". وباستثناء "المسجد الكبير"، الواقع في أحد ضواحي فيينا، والذي موّلته السعودية منذ عقود، يبدو أن المصليات والمساجد الأصغر باتت هدفاً لعملية "الأقصر" التي انطلقت فجر التاسع من الشهر الحالي.
يشارك في العملية الأمنية 930 عنصراً داهموا مواقع في 4 ولايات
يشارك في العملية نحو 930 رجل أمن نمساوياً، داهموا عشرات المقار والمنازل في 4 ولايات، بما فيها فيينا والنمسا السفلى وكارينتين وستايرمارك. واتسعت هذه الحملة إلى أندية وشقق سكنية ومحلات تجارية يملكها أشخاص لا علاقة لهم بالحركتين. ويفيد محمد دوماني، وهو ناشط في نادٍ شبابي، بأنه "بدا غريباً استهداف نادٍ كان يلتقي فيه قبل كورونا عشرات الشبان، ويلعبون الورق والطاولة في نهاية الأسبوع. وهو جزء من أندية اجتماعية زاد مرتادوها بعد اللجوء السوري". ويستغرب كغيره إطلاق اسم "الأقصر" على العملية، واتساعها بحجة "أن حماس والإخوان المسلمين على علاقة بهجوم 3 نوفمبر (الذي قام فيه شخص مسلم من أصل مقدوني)، إذ لم نفهم ما علاقة كل هذا العدد من المساجد والمداهمات بما يشاع عن الحركتين". كما كشف مهاجر مصري مقيم منذ فترة طويلة في المدينة، أن العملية المشار إليها كان من المفترض أن تنطلق باسم "رمسيس" قبل أن يستقر اسمها على "الأقصر".
وبعد نحو أسبوع على الحملة المستمرة، عاد وزير الداخلية كارل نيهامر، وهو من حزب "الشعب" اليميني القومي، لتأكيد أهمية استمرار الحملة الأمنية، بتعاون بين مكتب حماية الدستور، والاستخبارات النمساوية، وقوات مكافحة الإرهاب. واعتبر أن العملية تستهدف "جماعة خطيرة للغاية (وهو يشير إلى الإخوان المسلمين) تسعى إلى إدخال الشريعة الإسلامية لمحاربة الأسس التي يقوم عليها مجتمعنا، وبشكل خاص الحريات التي نفخر بها، وهي عزيزة علينا". وحسب ما نقلت عنه وسائل إعلام، فإن ما يجري هو مواجهة "جماعات تحاول تقويض الديمقراطية".
وتثير العملية الأمنية وإقحام اسمي "الإخوان" و"حماس" فيها، سجالاً، سواء بين المسلمين أو بين يسار ويسار الوسط، كموقف الحزب "الاجتماعي الديمقراطي" المعارض، خصوصاً مع تأكيد مصادر وزارة الداخلية للصحافة المحلية، أنه "على الرغم من كل المداهمات إلا أنه لم يتم العثور على أي شيء يربط تلك المقار والأندية والمنازل بالحركتين، وبشكل خاص بالإخوان المسلمين، فهي أصلاً جماعة لا تعمل على الأراضي النمساوية"، بحسب صحيفة "فيينا".
وفي السياق نفسه، قالت الصحيفة إن محاولة ربط حركة "الإخوان المسلمين" بالعمل الإرهابي تأتي على خلفية "أنها حركة تلقى تعاطفاً بين مسلمي البلد، ومؤيدوها لديهم شبكات قوية ومهنية، وأصبحوا على نحو متزايد على صلة بالنخب الغربية، وبمسلمي القارة الأوروبية". وينتقد مجمع مسلمي النمسا، المستهدف بالحملة الأمنية أيضاً، محاولة ربط مؤسسته بأعمال إرهابية. ونقلت وسائل إعلام محلية، بما فيها موقع التلفزيون النمساوي، استغراب تجمع مسلمي البلد والحزب "الاجتماعي الديمقراطي"، الذي ينشط فيه الكثير من الشباب النمساوي المسلم، اتهامات حكومة اليمين وبعض الصحافة لمؤسسته ومؤسسات شبابية مسلمة بدعم الأعمال الإرهابية. وتضم مؤسسة مسلمي النمسا شخصيات مرموقة في المجتمع، بمن فيهم مدرسون في جامعاتها وعلماء من أصول سورية ومصرية وفلسطينية ومن الدول المغاربية.
وعادة ما تستقبل المؤسسة شخصيات سياسية عربية للتحدث أمام الشباب والالتقاء ببرلمانيين لشرح توجهات الشارع العربي، ومن بينهم الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي وغيره من الشخصيات العربية. واضطر "الاجتماعي الديمقراطي" لنفي ادعاءات الصلات بين الحزب والمنتمين إليه بجماعة "الإخوان المسلمين". وهي ادعاءات يطلقها اليمين المتشدد في البلد، وبعض العرب، ومن بينهم من ينتمي إلى تيار ديني مدعوم سعودياً وإماراتياً. وتثير مواقف الأخيرين استغراب قدماء المهاجرين، باعتباره تياراً "يؤدي دور المحرض على المسلمين بحجة الإخوان المسلمين".
وكان تجمع الشباب المسلمين في النمسا قد نفى أن تكون له أو لأغلبية الشباب من أصول مسلمة أي علاقة بجماعة "الإخوان المسلمين"، "ولا يهتم هؤلاء بوجود أي تنظيمات لتعبر عنهم"، بحسب بيان نشرت مقتطفات منه الصحافة في فيينا، مؤكدين حقهم بمقاضاة من يربطهم بأي تيار إسلامي. ويحاول المستويان السياسي والأمني في البلد ربط بعض الجمعيات القائمة بمنظمة "فيدرالية المنظمات الإسلامية في أوروبا"، التي تتخذ من بروكسل مقرا لها، وباعتبارها مؤيدة لتيار "الإخوان المسلمين". وتعتمد بعض التغطيات الصحافية المتهة لمسلمي النمسا بالانضمام لـ"الإخوان" على الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط بيترا رامسوار، إذ نقلت الصحافة عنها أن "تنظيم الإخوان يمكن أن يكون على علاقة بالإرهاب، فهو منظمة مصنفة إرهابية في دول في المنطقة"، مضيفة أن "تهديد هذه المنظمة التي لها وجه معتدل لديها أفكار إسلامية متطرفة عن هدف تأسيس دولة إسلامية". ووجهت هذه الخبيرة اتهامات لدول بعينها في دعم الجماعة ونخبها في الاغتراب. وعلى الرغم من ذلك، حاولت رامسوار الظهور باتزان حين أكدت أنه ثمة خلافات بين تنظيم "داعش" وجماعة "الإخوان"، "ولكن نشاط الأخيرة كان يمهد الطريق للأولى".
تدعم تيارات دينية عربية الخطوة النمساوية
ويقود تيار اليمين المتشدد، بمن فيهم رئيس حزب "الحرية النمساوي" نوربرت هوفر وهاينز شتراخه، الذي يطل بتصريحات متشددة بعد أكثر من عام ونصف على فضيحة "إبيزا" الإسبانية وتسجيل فيديو سري له يبدي فيه رغبته في العمل مع روسيا وتلقي أموال منها، هجوماً على مسلمي البلد، مقترحاً أخيرا ربط سوار إلكتروني بمن يُشَك بأنه "راديكالي إسلامي" بقصد وضعه تحت المراقبة. هذا بالإضافة إلى حملة تشهير وتحريض بحق شخصيات ومؤسسات مسلمة في البلد تأسست منذ سنوات طويلة. وهو ما تبدى في تشهير هوفر بمؤسسة تحمل اسم "صندوق أنس الشقفة"، متهماً المؤسسة بأنها ذراع لـ"الإخوان المسلمين"، وهو صندوق يشارك في مجلس إدارته عدد من الشخصيات السياسية النمساوية السابقة، واتهمها هوفر بأنها تؤيد "الإخوان"، بمن فيهم عضو البرلمان الأوروبي السابق عن "الاجتماعي الديمقراطي" هانس سوبودا، وشخصيات استشارية أخرى في المؤسسة.
ورد الشقفة، الذي شغل سابقاً منصب رئيس تجمع مسلمي النمسا، على تلك الاتهامات نافياً بالمطلق أي علاقة بين مؤسسته و"الإخوان المسلمين". وشدّد على أن "الهيئة مستقلة تماماً ونشاطها معروف في البلد، ولديها أهداف تتعلق بدعم وتخطيط برامج الحوار الثقافي السنوي الذي ترعاه المؤسسة".
ويتهم مقيمون عرب في البلد بعض السفارات العربية بـ"تحريض" حكومة اليمين بزعامة كورتز على المصريين والسوريين والتونسيين بشكل خاص، إضافة إلى محاولة ربط اسم حركة "حماس" بالإرهاب في أوروبا. ومنذ أن انطلقت الحملة الأمنية لم يعثر على ما يؤكد صلات أي من الموقوفين أو مقار المداهمة بالإرهاب أو على أسلحة، وهو أحد مبررات إطلاق قوات مكافحة الإرهاب بكامل العتاد لمداهمة منازل ومقار للمسلمين. وعلى عكس دول أوروبية، كألمانيا وفرنسا ودول اسكندنافيا، لا تضم النمسا ضواحي خاصة بالمهاجرين، بل هم موزعون في مجمعات سكنية مختلطة.