عودة لولا: تصفير الإدانات القضائية يمهد طريق ترشحه لرئاسة البرازيل

10 مارس 2021
أفرج عن لولا من السجن عام 2019 (بيدرو فيليلا/Getty)
+ الخط -

"لولا عاد، لولا حرّ". بهذه الكلمات، احتفل أنصار الرئيس البرازيلي الأسبق، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في مدن برازيلية عدة، أول من أمس الإثنين، بقرار القاضي في المحكمة العليا، أدسون فاشين، إلغاء الإدانات الصادرة في حقّ مؤسس حزب العمّال في هذا البلد، والأيقونة السياسية اليسارية الذي تقلّب بين زعامة الحزب والرئاسة والسجن، ثم الحرّية المنقوصة، من دون أن يخفت وهجه منذ عقدين لدى نصف البرازيليين على الأقل. ولكن بعيداً عن توقيت القرار، من زاوية زخم الحنين إلى حقبة جميلة في عهد البرازيل، أقلّه مقارنة مع حقبة الرئيس الحالي، الشعبوي اليميني المتطرف، جايير بولسونارو، والتي تقاطعت مع أزمة وباء خانقة وفساد مؤسساتي يواصل إنقاذ الأخير من المحاسبة، فإن القرار قد أطلق السباق الرئاسي في هذا البلد للعام 2022، مبكراً. ويمكن القول اليوم، إن مرشحين رئاسيين اثنين، من أقصى اليمين واليسار، سيتنافسان في هذه الانتخابات، إذا لم تتبدل بورصة المسارات القضائية مجدداً، وذلك بانتظار خروج مرشح ثالث من العتمة، قد تكون سدّة الحكم في البرازيل من نصيبه بعد عام ونصف العام. ذلك أنه إذا كان القاضي ووزير العدل السابق سيرجيو مورو، هو من حرم لولا في العام 2018 من منافسة بولسونارو، الضابط السابق في الجيش، فإن فاشين، قد أعاد الرئيس الأسبق إلى حلبة الحياة السياسية. لكن كل ذلك، يجري اليوم بإيقاع بعيد جداً عن "النوستالجيا" اليسارية، ووفق توازنات دقيقة، تجازف فيها لوبيات القضاء والأعمال والعسكر، بأخذ البلاد إلى درجة عالية من الاستقطاب.

انتقل النظر في ملف لولا للمحكمة الفيدرالية في برازيليا

وتبدو متشعبة ومعقدة كثيراً، الخلفيات التي حملت القاضي فاشين، وهو ابن المحكمة العليا، على إلغاء الإدانات الصادرة في حقّ لولا، بتهمة الفساد. وقد تكون من جملة الدوافع، امتعاض المؤسسة القضائية من تغول الجيش، بشكل غير مسبوق منذ العام 1985، بدفع من بولسونارو، في الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد. ومع ما يفتح به هذا القرار، من إمكانية أمام لولا، وهو الاسم الوحيد القادر جدّياً في هذه اللحظة الاقتصادية والمفصلية الحرجة، على خلق دينامية جدّية للبحث في مسألة الرئاسة، وربما تحريك العصا ليمين الوسط للاستنفار السياسي، فإن الإبقاء على قضية "عملية غسل السيارات"، أو "لافا جوتا"، المتعلقة بالتحقيق في أكبر قضية لمكافحة الفساد في البلاد، والتي لوحق بها لولا، عالقة في المحاكم، ورهينة الاستئناف، تعني أن شيئاً لم يُحسم بعد. وقد يكون ذلك السبب، وراء فتور ردّ فعل "العمال" على القرار، أو ربما سبب عدم التسرع يكمن في تجنب إغضاب المؤسسة العسكرية، التي كان لها دور كبير في الضغط عام 2018، لمنع لولا من الترشح للرئاسة، إلى جانب سلطة مورو ولوبي القضاء آنذاك. في هذه الأثناء، فإن أداء بولسونارو في أكثر من ملف، ورحيل دونالد ترامب عن السلطة بما مثّله من أول شعبوية في الحكم في أميركا الشمالية، قد سهلّا ربما على خصوم الرئيس البرازيلي الخروج من الظلّ. وبانتظار توحيد صفوفهم، أو إعادة الأخير إلى بيت الطاعة، تعد "ورقة لولا"، جديرة بأن تُرمى على الطاولة.

وفيما استنفر قطاع الأعمال، تزامناً مع القرار، لا تزال شعبية لولا محورية وسط هذه المناورة السياسية – القضائية الجديدة. ونشرت صحيفة "أو إستادو دي سانت باولو"، يوم الأحد الماضي، استطلاعاً لشركة "أيبيك"، يظهر أن 50 في المائة من البرازيليين سيصوتون بالتأكيد، أو قد يصوتون للولا، في الانتخابات المقبلة، فيما حصل بولسونارو على 38 في المائة. وتشير تقارير عدة إلى أن حدّة الاستقطاب بين الرجلين ستحكم الحياة السياسية في البلاد خلال الأشهر المقبلة، مع انطلاق السباق بشكل عام، "قبل موعده"، ما سيقلص أي مساحة لمرشح ثالث. ورأى المحلل السياسي توماس ترومان، في حديث لموقع "أميركاز كوارترلي"، أن "هناك مجازفة بأنه عندما ستنطلق الحملة الرئاسية رسمياً في يونيو/حزيران من العام المقبل (موعد الانتخابات العامة مقرر في أكتوبر/تشرين الأول 2022)، قد يكون الرجلان متعادلين جداً في التوقعات، بحيث لن يعود هناك وقت لبروز مرشح ثالث". كما أشار ترومان، في حديث آخر لصحيفة "ذا غارديان"، إلى أن "الأمر إذا ما حصل، فسيكون كما أن بيرني ساندرز (السيناتور التقدمي في الولايات المتحدة) يتنافس مع (الرئيس الأميركي السابق) دونالد ترامب". لكن الصحافي بريان وينتر، رأى في حديث مع "أميركاز كوارترلي" أن "اسم لولا لم يعد يثير حماساً قوياً، إذ إن الشباب البرازيلي، لا يعي تماماً مرحلة رئاسته، وهو لا يكن له القدر الكبير من الحب".
وفي حيثيات القرار الذي شكّل قنبلة سياسية خلال اليومين الماضيين في البرازيل، فقد أمر القاضي في المحكمة العليا البرازيلية، أدسون فاشين، أول من أمس، بإلغاء الإدانات الصادرة في حق لولا دا سيلفا بتهمة الفساد، ما يسمح للأخير بالترشح للانتخابات الرئاسية في 2022 ومنافسة جايير بولسونارو. واتخذ فاشين قراره، بحجة أن محكمة كوريتيبا (جنوب البلاد) التي حكمت على لولا في أربع قضايا، "غير مخولة" البتّ في هذه الملفات، التي أصبح النظر فيها من صلاحية محكمة فيدرالية في العاصمة برازيليا. وبانتظار صدور الأحكام، استعاد الرئيس اليساري السابق حقوقه السياسية. وعلى المحكمة العليا مجتمعة أن تنظر أيضاً في قرار فاشين. كما أن المدعي العام البرازيلي، أوغوستو آراس، يمكنه أن يقدم التماساً أمام المحكمة العليا المجتمعة في جلسة عامة، وهو ما أكدت مواقع برازيلية عدة أنه بدأ فعلاً يفكر به. ولكن بالنظر إلى المسار المعقد للنظام القضائي في البرازيل، فإن قلّة من المتابعين يتوقعون أن إعادة محاكمة لولا، قد تنتهي قبل موعد الرئاسيات في أواخر العام المقبل.
وتعليقاً على القرار، كتب "حزب العمّال" البرازيلي، الذي أسّسه دا سيلفا عام 1980، على "تويتر": "لولا بريء". إلا أن قادة الحزب اختاروا الحذر، خشية من مستجدات في المسار القضائي الذي يحبس أنفاس البرازيليين منذ سنوات. وكتبت رئيسة الحزب، غليسي هوفمان، على "تويتر": "ننتظر التحليل القانوني لقرار القاضي فاشين، الذي أقرّ بتأخر خمس سنوات، أن سيرجيو مورو ما كان ينبغي أن يحاكم لولا".
من جهته، قال بولسونارو لمحطة "سي أن أن البرازيل"، إن القاضي فاشين "لطالما كانت له روابط قوية مع حزب العمال". وأضاف: "لقد فوجئنا جميعاً بالقرار، لكن في النهاية المجتمع يدرك برمّته لصوصية الحكومة اليسارية". كما انتقد حلفاء لبولسونارو، إلغاء الإدانات الصادرة في حق لولا. وفي هذا الإطار، رأى النائب اليميني بيبو نونيس من الحزب الاجتماعي الليبرالي (وهو الحزب الذي أوصل بولسونارو إلى الحكم قبل أن يؤسس الأخير حزبه "التحالف من أجل البرازيل")، أن القرار "مشين". وكتب النائب في الحزب نفسه كورونيل تادو في تغريدة: "لولا مرشح! علينا الآن أن نتحمل حماسة الشيوعيين". من جهته، قال جوا أمودو، مؤسس حزب "نوفو" اليميني: "أجد أنه من السخيف أن كل هذه القرارات (الإدانات القضائية) يجري نقضها بعد حوالي أربع سنوات، إنه إهدار لمصادر الدولة المالية، ويخلق شكاً قضائياً"، معتبراً أن القرار "يفيد خصوصاً لولا وبولسونارو". أما في الجوار البرازيلي، فقد رحّب الرئيس الأرجنتيني اليساري ألبرتو فرنانديز، بقرار المحكمة العليا، معتبراً في تغريدة على "تويتر"، أن "العدالة تحققت".

50 في المائة من البرازيليين سيصوتون للولا بالانتخابات

وكان لولا (75 عاماً) أمضى سنة ونصف السنة في السجن بعد إدانته بتهمة الفساد، بين إبريل/نيسان 2018 ونوفمبر/تشرين الثاني 2019، وأفرج عنه بقرار بالإجماع للمحكمة العليا، لكنه منع من الترشح للانتخابات. وعند إدخاله السجن، كان الزعيم اليساري، الذي ترأس البلاد بين عامي 2003 و2011، الأوفر حظاً للفوز بالانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في أكتوبر/تشربن الأول 2018 بحسب نتائج استطلاعات الرأي.
وحكم على لولا في 2018 بداية بـ12 سنة سجناً، لحصوله على شقة من ثلاث طوابق من شركة هندسة متورطة في "عملية غسل السيارات" الشهيرة، وتقلصت فترة السجن لاحقاً إلى 8 سنوات و10 أشهر. وفي 2019، حكم على لولا بـ12 سنة سجناً إضافية، بعد إدانته بتهمة تلقي رشى من شركات بناء على شكل أعمال تحديث لمنزل ريفي يمتلكه في أتيباي. وترتبط التهم الموجهة إلى لولا بتلقي الرشى، بشركات محددة، لترجيح فوزها في مناقصات متعلقة خصوصاً بشركة النفط البرازيلية "بيتروبراس".
وكانت إدانات لولا قد تعرضت للانتقادات خلال الأشهر الأخيرة في البرازيل، مع التشكيك في حياد القضاة والمدعين العامين، بعدما كشف موقع "ذي إنترسبت برازيل" تبادلاً للرسائل بين المعنيين وبينهم القضاة. وكان بولسونارو قد استخدم قضية الفساد الشهيرة، التي تورطت فيها وجوه عمّالية، في حملة انتخابات الرئاسة في 2018. وفي إطار آخر، ارتفع جدال في الأشهر الأخيرة في البلاد، حول ما إذا كان الرئيس الشعبوي سيسلم سلمياً السلطة إذا ما خسر في انتخابات 2022، وموقف الجيش من ذلك. لكن المؤسسة العسكرية أكدت أنها لن تكون متواطئة في أي سيناريو يقوّض الديمقراطية، في استعادة لمشهد مماثل في الولايات المتحدة، مع فوز جو بايدن وخسارة دونالد ترامب. من جهته، كان لولا قد نفى لصحيفة "ذا غارديان" في إبريل الماضي، عزمه خوض الرئاسيات مجدداً، لكنه رأى أن بولسونارو يقود البرازيل إلى المذبحة. وأكد أن "اليسار سيحكم البلاد في 2022". ومن الأسماء المطروحة أيضاً للترشح للرئاسة بعد عام، حاكم ساو باولو، جوا دوريا، ومقدم البرامج لوسيانو هوك، والوزير السابق سيرو غوميز، وأسماء أخرى من اليمين.
(العربي الجديد)

المساهمون