أعادت إطاحة سويلا برافرمان من منصبها وزيرةً للداخلية في بريطانيا، رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون إلى المشهد السياسي، والذي عيّن وزيراً للخارجية في حكومة المحافظين برئاسة ريشي سوناك.
ويأتي عزل وزيرة الداخلية، أمس الاثنين، في ظل الجدل الكبير على الساحة السياسية البريطانية حول التظاهرات الداعمة لفلسطين والرافضة للإبادة الجماعية في غزّة، والتي كان آخرها وأكبرها تظاهرة السبت الماضي. وكانت برافرمان دعت الشرطة البريطانيّة إلى منع التظاهرة، متهمة الشرطة بالانحياز للمتظاهرين الداعمين لفلسطين، الأمر الذي أطلق موجة انتقادات كبيرة ضدها، كون تصريحاتها تساهم في انقسام المجتمع في بريطانيا، وهو ما يخالف دور ووظيفة وزير الداخلية.
جلبير الأشقر: عودة كاميرون إلى المشهد السياسي تحمل بُعدين داخلي وخارجي
وقرر سوناك تعيين وزير الخارجية في حكومته جيمس كليفرلي، وزيراً للداخلية مكان برافرمان، وتعيين كاميرون وزيراً للخارجيّة بدل كليفرلي.
وخدم كاميرون رئيساً للوزراء منذ مايو/أيار 2010 حتّى يوليو/تموز 2016، حيث استقال بعد ثلاثة أشهر من صدور الاستفتاء التاريخي في بريطانيا المؤيد للخروج من الاتحاد الأوروبي. وأعلن، وقتها، عدم رغبته في الإشراف على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأنه سيترك هذا الأمر لغيره، وهو المعروف بأنه كان معارضاً لبريكست.
وبعد استقالته، أصبح كاميرون رئيساً لرعاة خدمة المواطنين الوطنيين. وفي 2017 عُيّن رئيساً لمؤسسة أبحاث الزهايمر في بريطانيا، بهدف معالجة المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالمرض وقيادة حملة لتمويل البحوث الطبية لمعالجة هذه الحالة. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، كلف كاميرون بتدريس السياسة في جامعة نيويورك في أبوظبي.
كاميرون سيركز على دعم الحلفاء
وكتب كاميرون، على منصة "إكس" بعد تعيينه وزيراً للخارجية، أنّه سيركّز في عمله على دعم الحلفاء وتعزيز الشراكات. وقال: "إننا نواجه مجموعة هائلة من التحديات الدولية، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا والأزمة في الشرق الأوسط. في هذا الوقت الذي يتسم بالتغير العالمي العميق، نادراً ما كان من المهم بالنسبة لهذا البلد أن يقف إلى جانب حلفائنا، وأن نعزز شراكاتنا، ونتأكد من أن صوتنا مسموع".
وأضاف: "بريطانيا هي دولة دولية حقاً. يعيش شعبنا في جميع أنحاء العالم وتُتاجر أعمالنا في كل ركن من أركان العالم. إن العمل للمساعدة في ضمان الاستقرار والأمن على الساحة العالميّة أمر ضروري ويصب في مصلحتنا الوطنيّة بشكل مباشر. إن الأمن الدولي أمر حيوي لأمننا الداخلي". ووصف سوناك بـ"القوي والمقتدر ويُظهر قيادة مثالية في وقت صعب" على الرغم من أنه يختلف معه في بعض القرارات الفرديّة.
عودة كاميرون: رسائل للداخل والخارج
واعتبر الباحث جلبير الأشقر، الأستاذ في معهد الدراسات الشرقيّة والأفريقيّة (سواس) في جامعة لندن، لـ"العربي الجديد"، أن عودة كاميرون للمشهد السياسي، تحمل بُعدين، داخلي وخارجي.
وقال: "في البعد الداخلي، جاء اختيار كاميرون لإرضاء تيار الوسط في حزب المحافظين وهو التيار الأكبر تاريخياً، إذ إن سويلا برافرمان تمثل أقصى اليمين في حزب المحافظين، ويسعى ريشي سوناك، وبعد الضرر الذي ألحقته برافرمان، إلى العودة نحو الوسط لإصلاح الأمور بعد أن كان مال نحو اليمين. كاميرون وجه من وجوه الوسط البارزة، وكان ضد بريكست. بوريس جونسون الزعيم السابق للمحافظين أخذ الحزب أكثر نحو اليمين حتى انتصر بريكست. الآن الأمور تعود باتجاه معاكس داخل المحافظين، وسوناك يتكيف مع الأمر".
أمّا عن البُعد الخارجي، فاعتبر الأشقر أن سوناك يشعر بضعف الهيبة البريطانيّة عالمياً، ولمس ذلك خلال جولاته الخارجية. وأضاف: "كاميرون معروف عالمياً أكثر من سوناك، ومن جهة ثانية قد يكون هناك رغبة بتوطيد العلاقات الاقتصادية مع الصين، لأن هذا الأمر كان مشروع كاميرون قبل سنوات، وعمل بهذا الاتجاه حتى تدهورت العلاقات الغربيّة مع الصين.
يبدو أن الأميركيين بدأوا يغيرون العلاقة مع الصين بعد تعقدها أثناء ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وقد يكون هذا أحد الاعتبارات لعودة كاميرون".
وأوضح الأشقر أن خطوة إقالة برافرمان جاءت بعد مواقفها الاستفزازيّة تجاه قسم كبير من الرأي العام البريطاني المؤيد للقضية الفلسطينيّة، وهو قسم لا يُستهان به، ومتنوع من مواطنين من جاليات عربيّة وإسلاميّة وأيضًا من بريطانيي الأصل.
وقال: "هناك تحول في الرأي العام بعد أن فرضت مشاهد المجازر في غزة نفسها، وهناك بداية تحول لدى القادة الأوروبيين تجاه الموقف من الحرب المستمرة، وقد يكون هناك رغبة للانضمام إلى ما بدأه (الرئيس الفرنسي إيمانويل) ماكرون في فرنسا، بالمطالبة بوقف إطلاق النار، بعد أن شعروا بتورطهم في الدعم غير المشروط لإسرائيل التي لم يعد هناك سيطرة عليها وعلى رئيس حكومتها (بنيامين) نتنياهو، ما قد يزيد من تفجّر الأوضاع في المنطقة العربية والعالميّة، وهم لا يرغبون بذلك، خصوصاً في ظل الحرب في أوكرانيا".
وأوضح الأشقر أن هناك قلق أوروبي وأميركي بالنسبة للأهداف التي يُعلن عنها في إسرائيل، مثل "إعادة احتلال غزة، ونكبة جديدة ومشاريع إعادة استيطان في غزة"، معتبراً أنه تبين من مشروع تصفية حماس أنه لا يمكن أن يجري هذا الأمر من دون حرب إبادة، وهو أمر تخشاه عدة دول في حال استمر بهذا الشكل.
خلفية عزل برافرمان
ويأتي عزل برافرمان، بعد مقال نشرته في صحيفة "التايمز" الأسبوع الماضي، ضد الشرطة البريطانية. واتّهم العديد من السياسيين البريطانيين برافرمان بإشعال فتنة، في ظل الجدل الذي أُثير حول تظاهرة السبت الماضي، وخروج المئات من اليمين المتطرف إلى شوارع لندن في محاولة للاعتداء على المتظاهرين، بالإضافة إلى اعتدائهم على عناصر من الشرطة.
واعتقلت الشرطة البريطانيّة السبت الماضي 86 شخصاً من جماعات اليمين المتطرف والشعبوي. ووجدت بحوزة عدد منهم، بحسب بيان الشرطة، سكاكين ومواد حارقة. كما اعتقلت عدداً قليلاً جداً من المتظاهرين ضد الحرب على غزة بتهم الإخلال بالنظام.
وكان سوناك قد تعرض إلى ضغوط بسبب تصريحات وزيرته. ووصف المجلس الإسلامي في بريطانيا، في بيان، تصريحات برافرمان بالعنصرية "التي تغذي الصحافة اليمينيّة وتخلق مناخاً مناسباً لمزيد من الانقسامات والعنف بهدف إسكات الأصوات المطالبة إنسانياً بوقف إطلاق النار في غزة".
وكانت برافرمان كتبت، في مقالها: "لا أعتقد أن هذه المسيرات مجرد صرخة إنسانية لمساعدة غزة. إنها مجرد ادعاءات بالسيادة والأسبقية لمجموعات معينة، وخاصة الإسلاميين، من النوع الذي اعتدنا على رؤيته في أيرلندا الشمالية. أعتقد أن كبار ضباط الشرطة يميلون لكفة المتظاهرين عندما يتعلق الأمر بالمسيرات". يُذكر أيضاً أن برافرمان هددت بتجريم التلويح بالعلم الفلسطيني مع بداية الحرب الإسرائيليّة على غزة وانطلاق التظاهرات في بريطانيا المنددة بالحرب.
كليفرلي: كوزير للداخلية أنا ملتزم تماماً بإيقاف قوارب الهجرة غير الشرعية كما وعدنا
وتأتي تصريحات برافرمان ضد الشرطة وتظاهرات دعم غزّة بعد أيام من تصريحات لها حول المشردين، أثارت موجة انتقادات حادة ضدها، إذ قالت إن العيش بلا مأوى هو "خيار لنمط عيش".
كما كانت صرحت مراراً ضد اللاجئين في بريطانيا، مع العلم أنها ابنة لمهاجرين من كينيا. وشهدت فترة خدمتها وزيرةً للداخلية تشدداً لترحيل اللاجئين ووضعهم في مراكز لجوء. واستعارت في خطابها الأول بعد تعيينها وزيرة للداخلية، عبارة مارتن لوثر كينغ الشهيرة: "لدي حلم"، قائلة إنها تحلم باللحظة التي ستحلّق فيها أول طائرة محمّلة باللاجئين إلى رواندا، ضمن الخطة المثيرة للجدل التي أعلنت عنها حكومة المحافظين قبل عام.
وقال كليفرلي، في تصريح للصحافيين بعد تعيينه وزيراً للداخلية: "عملت بشكل وثيق جداً مع زملائي في وزارة الخارجية، في اتخاذ إجراءات صارمة ضد الهجرة غير الشرعية، وتقليل عدد القوارب الصغيرة التي تصل، والآن بصفتي وزيراً للداخلية، أنا ملتزم تماماً بإيقاف القوارب كما وعدنا، ولكن التأكد أيضًا من أن الجميع في المملكة المتحدة يشعرون بالأمان أثناء ممارسة أعمالهم اليومية مع العلم أن الحكومة موجودة لحمايتهم".
وعما إذا كان يريد أن ينأى بنفسه عن بعض اللغة الاستفزازية التي استخدمتها برافرمان، قال كليفرلي: "حسناً، أنوي القيام بهذه المهمة بالطريقة التي أشعر أنها الأفضل لحماية الشعب البريطاني ومصالحنا".