احتشد الآلاف من أهالي محافظة السويداء أمس الأربعاء، في "دوّار المشنقة"، إحدى الساحات العامة في المنطقة، احتفالاً بالقضاء على مليشيا "قوات الفجر" التي يتزعمها راجي فلحوط، والتي تعد أكبر المليشيات المحلية المرتبطة بالأجهزة الأمنية التابعة للنظام بعد اشتباكات دامية قتل وأصيب بها العشرات في حدث غير مسبوق في هذه المحافظة ذات الغالبية الدرزية من السكان.
وقال نسيب ع.، في حديث مع "العربي الجديد": "كان الثمن غالياً جداً، ولكن استعادة الكرامة تستحق أكثر"، مضيفاً: "هذه مجرد البداية. يجب القضاء على كل العصابات التي كانت تظن أنها قادرة على كسر إراداتنا".
من جهته، قال شخص آخر اكتفى بالتعريف عن نفسه بأبو نوفل إنه "يجب محاكمة فلحوط من قبل الفصائل في حال القبض عليه وعدم تسليمه للنظام كي لا يُطلق سراحه". وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد" من "دوّار المشنقة": "فلحوط كان اليد السوداء التي يستخدمها النظام لإرهاب الناس وزرع فتنة بين محافظتي السويداء ودرعا. هذه الأداة قُطعت".
اختطاف واشتباكات مسلحة في السويداء
وبدأ التوتر يوم السبت الماضي بعد مداهمة مليشيا "قوات الفجر" المرتبطة بجهاز "الأمن العسكري" ويتزعمها راجي فلحوط، مدينة شهبا، واختطاف الشاب جاد حسن الطويل، بذريعة تلقيه تمويلاً من الخارج.
وفور انتشار نبأ اختطافه، اجتمع العشرات من عائلة الطويل، وأغلقوا طريق دمشق-السويداء، واحتجزوا ضباطا من قوات النظام، للضغط على فلحوط، الذي ردّ بعمليات خطف عشوائية للمدنيين من أهالي شهبا، ومن عائلة الطويل تحديداً.
بدأ التوتر يوم السبت الماضي بعد مداهمة مليشيا "قوات الفجر" مدينة شهبا، واختطاف الشاب
في ظل هذا الوضع، بدأت ظهر الثلاثاء اشتباكات مسلحة بين فصائل محلية، على رأسها "حركة رجال الكرامة"، ومجموعة فلحوط، لتتحول إلى مواجهات دامية في مقر فلحوط داخل بلدة عتيل، انتهت بمقتل وإصابة أكثر من ثلاثين شخصاً من الفصائل المحلية ومن المليشيا التي سقطت كل مقراتها. وحتى عصر أمس الأربعاء كان فلحوط لا يزال فاراً.
وكان لافتاً انخراط "حركة رجال الكرامة" وهي من أبرز الفصائل المحلية المعارضة للنظام، في الاشتباكات ضد مليشيا فلحوط، التي تعد الأهم لدى النظام في محافظة السويداء. و"حركة رجال الكرامة" تأسست على يد الشيخ وحيد البلعوس في عام 2013، لمنع أجهزة النظام الأمنية من اعتقال الشبان الرافضين لتأدية الخدمة الإلزامية في قواته.
واغتيل البلعوس في عام 2015 في تفجير دامٍ، اتُّهم النظام حينها بالوقوف وراءه، بسبب تعاظم الدور الاجتماعي الذي كان يقوم به هذا الرجل.
وأشار مسؤول الجناح الإعلامي في الحركة، الملقب بـ"أبو تيمور"، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى "أن الحركة كانت مؤازرة لقرار أهالي السويداء باستئصال هذه المجموعة المسلحة، التي أوغلت بالخطف والانتهاكات ضد المدنيين".
وتابع "أن دعم جهة أمنية محددة لمجموعات مسلحة، وتحويلها إلى سلطة أمر واقع، على الرغم من السجل الحافل بالانتهاكات من قتل وخطف وتعذيب، هو سلوك أمني استفز جميع أهالي المحافظة".
كان لافتاً انخراط "حركة رجال الكرامة" في الاشتباكات ضد مليشيا فلحوط، التي تعد الأهم لدى النظام في محافظة السويداء
كما كان لافتاً إصدار شيخ عقل الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، تعميماً إلى أهالي السويداء دعاهم من خلاله إلى النفير العام، مطالباً بمشاركة أهالي المحافظة في التصدي للعصابات المدعومة من الأمن العسكري.
نقطة تحوّل في السويداء؟
في المقابل، لم يتدخّل النظام بقواته أو بأجهزته الأمنية الموجودة في محافظة السويداء في سير الأحداث التي بدأت الثلاثاء بالهجوم على مقرات مليشيا فلحوط، ما يؤكد عجز النظام وعدم قدرته على ضبط الأوضاع في هذه المحافظة التي يخشى خروجها عن سيطرته في حال تدخله لصالح المليشيات المتعاونة معه.
ولطالما تعامل النظام بـ"مرونة" مع الاحتجاجات الشعبية التي كانت تخرج في السويداء بين وقت وآخر بسبب سوء الأحوال المعيشية لتفادي اتساع نطاقها وخروجها عن السيطرة في المحافظة التي يريد النظام إبقاءها على الحياد، وعدم انخراط أهلها في أي نشاط معارض له.
وربما عوّل النظام على اتساع نطاق المواجهات بين عائلات المحافظة ما يدفع الأهالي للجوء إليه للحيلولة دون حصول اقتتال ضمن الطائفة الواحدة، ولكن وجود حركة "رجال الكرامة" كما يبدو كان الضمان لعدم الانجرار إلى اقتتال تخوّف منه بعض أبناء المحافظة.
وفي السياق، اعتبر الصحافي نورس عزيز (وهو من أبناء السويداء) أن ما يحدث في المحافظة "نقطة تحول كبيرة ومؤثرة"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "كان هناك تخوف لدى الناس من اقتتال درزي- درزي، في حال التعامل العسكري مع مليشيا فلحوط، ولكن عائلات المحافظة قررت القضاء على الشخص السيئ حتى لو كان ينتمي إلى الطائفة، ونجحت في ذلك، ولم يحدث شيء مما كان البعض يتخوف منه".
وأوضح عزيز أن راجي فلحوط الذي يتزعم "قوات الفجر" كانت له "اليد الطولى" في عموم المحافظة. ولفت إلى أن "جهاز الأمن العسكري أنشأ له مقرات، وزوده بأسلحة إيرانية وعناصر من قوات النظام للخدمة في عصابته، فأحد هؤلاء الذين تم أسرهم الثلاثاء في مقرات فلحوط من منطقة جسر الشغور في محافظة إدلب".
وتابع: "كان فلحوط يأخذ دور الضابطة العدلية في المحافظة وكان السلطة التنفيذية. ما جرى الثلاثاء والأربعاء في السويداء حدث مهم للغاية فكل مقرات هذه المليشيا سقطت بيد الفصائل المحلية".
وأشار إلى أن "موقف شيخ العقل حكمت الهجري كان حاسماً في سير الأحداث التي جرت في السويداء"، مضيفا: أصدر الشيخ الهجري فتوى تدعو للتعامل بالنار مع كل أفراد مليشيا فلحوط.
من جهته، وصف عضو الائتلاف الوطني السوري حافظ قرقوط، في حديث مع "العربي الجديد"، ما جرى في السويداء بـ"انتفاضة الكرامة"، كان في قلبها أهالي مدينة شهبا التي حاول راجي فلحوط التطاول عليها.
وبيّن أن "عصابة راجي فلحوط تدار مباشرة من قبل جهاز الأمن العسكري ولها العديد من المقرات في المحافظة، كما أنها مرتبطة بحزب الله اللبناني"، مضيفاً: "هي من أخطر العصابات وتعتمد على تجارة المخدرات". ورأى أنه من الصعب التكهن بمآلات الأوضاع في محافظة السويداء بعد ما جرى الثلاثاء والأربعاء، ولكن كل الاحتمالات واردة.