دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، اليوم الثلاثاء، إلى وقف إطلاق نار إنساني في غزة، وحذّر من انتشار رقعة الحرب، مؤكدا أن هجوم المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول "لم يحدث من فراغ"، قبل أن يستعرض الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ عقود، وذلك خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي على مستوى وزراء الخارجية، لبحث الوضع في فلسطين المحتلة والحرب على غزة.
وبسبب تطور الأوضاع على الأرض والحرب، فقد قررت البرازيل، التي تترأس المجلس لهذا الشهر، عقد هذا الاجتماع الشهري المحدد موعده مسبقاً على مستوى وزراء الخارجية، وحضرته دول ليست أعضاء بمجلس الأمن في دورته الحالية.
ودان الأمين العام عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة حماس، مؤكدا في الوقت ذاته أنها "لم تحدث من فراغ. لقد تعرض الشعب الفلسطيني لـ56 عاماً من الاحتلال الخانق. لقد رأوا أراضيهم تلتهمها المستوطنات.. وتعاني من العنف؛ وخنق اقتصادهم. وتهجير أهلها وهدم منازلهم. وقد تلاشت آمالهم في التوصل إلى حل سياسي لمحنتهم". وشدد على أن الهجمات التي شنتها حماس لا يمكن أن تبرر "العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني".
وتحدث الأمين العام للأمم المتحدة عن وجود أكثر من 600 ألف فلسطيني لجؤوا لمدارس ومرافق الأمم المتحدة في غزة، ووصول مجمل النازحين داخل القطاع إلى أكثر من مليون فلسطيني، واصفاً الوضع بأنه "يزداد خطورة كل ساعة".
وقال غوتيريس إن "القصف المتواصل لغزة من قبل القوات الإسرائيلية، ومستوى الخسائر في صفوف المدنيين، والتدمير الشامل للأحياء ما زال يتصاعد، وهو أمر يدعو لقلق عميق". ونعى العاملين في الأمم المتحدة الذي قتلوا في القصف الإسرائيلي على القطاع، ووصل عددهم إلى 35 على الأقل. وعبر عن قلقه "البالغ إزاء الانتهاكات الواضحة للقانون الإنساني الدولي التي نشهدها في غزة. اسمحوا لي أن أكون واضحا: لا يوجد طرف في نزاع مسلح فوق القانون الإنساني الدولي".
الوضع الإنساني
من جهته، قدم مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، إحاطته أمام المجلس، وبعد التوقف عند هجمات حماس، تحدث كذلك عن الغارات الجوية الإسرائيلية ووصفها بـ"المدمرة"، وقال إنها "أسفرت عن سقوط عدد مذهل من القتلى الفلسطينيين، وعدد كبير منهم من المدنيين. حتى الآن، أبلغت وزارة الصحة في غزة عن مقتل أكثر من 5 آلاف فلسطيني، من بينهم أكثر من 1100 امرأة و2000 طفل، بالإضافة إلى مقتل الصحافيين والعاملين الطبيين، وإصابة أكثر من 15 ألف فلسطيني في القطاع".
ولفت الانتباه إلى وجود مئات آخرين ما زالوا بين قتيل وجريح تحت الأنقاض، بينما تتعثر جهود الإنقاذ وسط الغارات الجوية المستمرة. وتحدث عن تهجير أكثر من مليون فلسطيني خلال أسبوعين.
وعبر وينسلاند عن قلقه من "زيادة أعمال العنف في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية (...) فرضت السلطات الإسرائيلية قيودًا واسعة النطاق على التنقل، وأجرت اعتقالات واسعة النطاق (...) فضلا عن زيادة عنف المستوطنين". وأشار إلى استشهاد 95 فلسطينيًا، من بينهم 28 طفلًا، على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي أو المستوطنين في الضفة.
أما منسقة الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لين هاستينغز، فقالت إن عدد الشهداء في غزة وخلال الأسبوع الأول تجاوز عدد الذين استشهدوا في حرب 2014 التي استمرت 50 يومًا. وأشارت إلى أن النسبة الأكبر من الشهداء، 62 بالمئة، هم من الأطفال والنساء. ولفتت كذلك إلى وجود أكثر من 1500 فلسطيني في عداد المفقودين، ويفترض أنهم تحت الأنقاض. كما أشارت إلى نزوح 1.4 مليون فلسطيني داخليا منذ بدء العدوان الإسرائيلي.
وأشارت هاستينغر إلى أن إسرائيل دمرت قرابة 42 بالمئة من الوحدات السكنية في القطاع، إما كلياً أو جزئياً، خلال الأسبوعين الماضيين. وتحدثت عن استمرار انقطاع الكهرباء بشكل كامل. وحذرت من أن "المستشفيات على حافة الانهيار بسبب نقص الكهرباء والأدوية والمعدات والكوادر المتخصصة والأضرار والدمار (...) يضطر الأطباء إلى العمل دون تخدير. منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، قُتل 16 من العاملين في المجال الصحي في غزة وأصيب 30 آخرون أثناء أداء واجبهم".
المالكي يتحدث عن امتداد العدوان
إلى ذلك، تحدث وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، عن ازدواجية المعايير الدولية ودور مجلس الأمن الدولي "الذي من المفترض أنه أسس لمنع نشوب الصراعات وصون الأمن والسلم الدوليين". وتحدث عن "استعمار فلسطين وتشريد شعبها"، وأكد أن الأمن والسلم الدوليين يمران من "بوابة تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، وليس بالقفز عنها وتجاهل معاناته".
وتحدث عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي واستيطانه الاستعماري وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من استهداف وقتل للمدنيين والعاملين في القطاع الصحي وغيرهم، كما تصريحات المسؤولين الإسرائيليين "التي تدعوا للتطهير العرقي والإبادة الجماعية وتصف الشعب الفلسطيني بأطفال الظلام وتارة بالحيوانات البشرية لإباحة قتلهم".
وتطرق إلى الحصار المستمر على الشعب الفلسطيني في غزة منذ نحو 16 عاماً، بما فيها "تجويع الشعب ومنع دخول المياه والدواء والغذاء والوقود واستهداف المدنيين في الضفة، بما فيها القدس واستهداف الأماكن المسيحية والمسلمة المقدسة". وتساءل: "كم من الضحايا الفلسطينيين والأطفال يجب أن يسقطوا حتى يتطلب الأمر من مجلسكم الموقر الدعوة لوقف هذا الجنون منفلت العقال؟".
ورأى المالكي أن "الحرب ضد المدنيين من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة هي امتداد للعدوان الذي يشنه هذا الاحتلال على شعبنا لاستدامة استعماره واحتلاله أرضنا". وقال "إن السلام والأمن لا يمكن أن يتحققا بمحو غزة أو تحويلها إلى جهنم أو تقليص مساحتها، أو بتسليح الآلاف من المستعمرين الإرهابيين لمواصلة إرهابهم واعتدائهم على أبناء شعبنا في القدس والضفة الغربية".
وتحدث عن كتابة أطفال فلسطين في غزة أسماءهم على أياديهم "كي لا يغدوا جثثا مجهولة الهوية ويدفنوا في مقابر جماعية، فقد أبادت إسرائيل عشرات العائلات من سجل السكان في عمل انتقامي ضد الأطفال والنساء والمدنيين". وتحدث عن انتقام إسرائيل من "الشعب الفلسطيني الصامد الذي يرفض الاحتلال ومشروعة الاستعماري، وما زال يطالب بحقوقه بالحرية والاستقلال والعودة".
من جهته، شدد وزير خارجية الولايات المتحدة، أنتوني بلينكن، على ما أسماه حق "الدول في الدفاع عن نفسها". وتطرق لمسودة مشروع قرار وزعتها الولايات المتحدة على الدول الأعضاء، وتهدف إلى إدانة حركة حماس، كما تشدد على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
ولا تتطرق المسودة الأميركية لحق الشعوب المحتلة في الدفاع عن نفسها، ولا تطالب حتى بوقف لإطلاق النار. كما لم يشجب الوزير الأميركي مقتل المدنيين الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال، وتحدث عن شجب مقتل المدنيين عموما. كما كرر عددا من الادعاءات الإسرائيلية حول استخدام حماس للفلسطينيين كـ"دروع بشرية"، دون أن يتطرق إلى استهداف المدنيين الفلسطينيين العشوائي من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، واستشهاد أكثر من خمسة آلاف فلسطيني خلال الأسبوعين الأخيرين، من بينهم أكثر من ألفي طفل.
وحذر بلينكن من انتشار رقعة الحرب، ودعا جميع الدول إلى توجيه "رسالة حازمة موحدة لأي طرف، دولة أو غير ذلك، من فتح جبهة جديدة، أو استهداف حلفاء إسرائيل، كالولايات المتحدة". ثم هاجم إيران وحذرها من تبعات التدخل، وتحدث عن ضرورة منع انتشار حرب على نطاق واسع.