"فاغنر" في أفريقيا: ماذا تغير بعد بريغوجين؟

09 ديسمبر 2023
متظاهرون في النيجر يرفعون علم "فاغنر"، سبتمبر الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

منذ مقتل زعيم مجموعة مرتزقة "فاغنر" الروسية يفغيني بريغوجين، إثر تحطم طائرته في 23 أغسطس/ آب الماضي، كانت أنشطة هذه المجموعة في أفريقيا محط اهتمام مراقبين وخبراء، الذين يراقبون ما إذا كان تأثير المجموعة قد تراجع في أفريقيا بعد مقتل رئيسها السابق أم أن عملها تواصل بالوتيرة نفسها لكن بزخم إعلامي أقل مما كان في عهد بريغوجين، الذي لطالما اعتمد على البروباغندا الإعلامية إلى جانب العمل العسكري والاستخباراتي في بسط سيطرة مجموعته في أفريقيا.

وهل استغلت المجموعة بتشكيلتها الجديدة الظروف التالية التي طرأت في دول أفريقية كانت "فاغنر" توليها أهمية وتنتظر تبلور الأوضاع فيها لإحكام السيطرة عليها، كما حدث في النيجر ومالي وبوركينا فاسو؟

وكان بريغوجين قد قاد تمرداً في 24 يونيو/ حزيران الماضي، ما تسبب في إحراج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وصف التمرد بأنه "خيانة" و"طعنة في الظهر"، قبل أن يتم التوصل لاحقاً إلى اتفاق يقضي بانتقال "فاغنر" إلى بيلاروسيا. وبعدها بفترة قصيرة قُتل بريغوجين بتحطم مروحية كان على متنها.


مختاري عبدوه: عمل فاغنر بعد غياب بريغوجين أصبح أقل ضجيجاً وأكثر ميلاً للعمل في الخفاء

ويأتي التغيير في مجموعة "فاغنر" في وقت شهدت فيه دول في غرب أفريقيا تطورات عدة، تبدو مناسبة لطموحات "فاغنر" في بسط سيطرتها بشكل أكبر وأكثر سلاسة مما كان سابقاً، أهمها الانقلاب في النيجر ثم التطورات بمالي، بدءاً من انسحاب البعثة الأممية منها فعودة الجيش للسيطرة على إقليم أزواد، شمالي البلاد، ثم القرارات التي اتخذتها بوركينا فاسو وغينيا التي قلصت بشكل كبير الوجود الفرنسي على أراضيهما.

"فاغنر" واستغلال الأحداث في غرب أفريقيا

تثير مجموعة مرتزقة "فاغنر" الروسية جدلاً واسعاً في أفريقيا بعد النجاحات التي حققتها في ظرف وجيز، خصوصاً طرد فرنسا من مستعمراتها السابقة، بعد الاتهامات التي وُجهت لها بأنها "خذلت الأفارقة في قتالهم ضد الإرهابيين في منطقة الساحل" الأفريقي.

ولم يسبق أن اكتسبت أي مؤسسة غير رسمية مثل هذه الأهمية في العمل العسكري بأفريقيا، وبعد تمرد رئيسها ومقتله لاحقاً، برزت شكوك حول مستقبل "فاغنر" خصوصاً في الدول التي باتت تعتمد عليها في التدريب العسكري ومحاربة الجماعات المسلحة.

وأبدى بعض المراقبين تخوفهم من أن يمتد تأثير التمرد الفاشل الذي قامت به "فاغنر" في روسيا إلى أفريقيا، حيث يوجد لديها آلاف من المقاتلين بالإضافة إلى المصالح التجارية، وبعد مقتل رئيسها ظهرت أسئلة حول شكل التحالفات ومستقبل "فاغنر"، وعما إذا كانت ستتوقف عن العمل وما إذا كان هناك مجموعات أخرى ستسعى إلى استغلال هذا الفراغ؟

لكن يبدو أن النموذج الذي طبقته "فاغنر" في ثلاث دول على الأقل بالساحل الأفريقي هي مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، استمر في الصمود على الرغم من المصاعب التي تواجه "فاغنر".

في السياق، رأى الخبير العسكري المالي مختاري عبدوه، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الدول الأفريقية التي لجأت إلى روسيا من أجل الأمن وتثبيت الحكم ومحاربة الإرهاب، لا تزال صامدة وتحقق نتائج جيدة في هذا المجال، على الرغم من الشكوك التي تحوم حول فاغنر بخصوص البقاء في أفريقيا من دون زعيمها بعد تمرد رجاله في روسيا، إذ ساد الاعتقاد في أفريقيا أن الوجود العسكري الروسي في القارة أصبح في مهب الريح".

وأضاف عبدوه أن "عمل فاغنر بعد غياب بريغوجين أصبح أقل ضجيجاً وأكثر ميلاً للعمل في الخفاء التام، من دون البروباغندا التي كانت تميز عمل بريغوجين، فطموحات الأخير الشخصية كانت كبيرة وكان يسعى إلى السيطرة عبر العمل العسكري والاستخباري الفعال والسريع، وأيضاً باستغلال علاقاته الشخصية".

تحليلات
التحديثات الحية

 

 

 

 

ولفت عبدوه إلى أنه "في الأشهر الماضية بعد مقتل بريغوجين كانت هناك استمرارية وفعالية كبيرة في الخطط التي سبق أن وضعتها فاغنر، سواء في مالي التي استعادت السيطرة على بعض المناطق في شمال البلاد، أو النيجر التي استمرت في سياسة رفض الهيمنة الفرنسية".

وأوضح عبدوه أن "خطة فاغنر بفرض واقع جديد بغرب أفريقيا، بعيداً عن سيطرة فرنسا، باتت تتبلور مع توقيع النيجر اتفاقاً عسكرياً مع روسيا، وخروجها مع بوركينا فاسو من مجموعة الساحل الخمس (تضمهما مع تشاد ومالي وموريتانيا)، لتلتحقا بمالي التي سبق أن خرجت من المجموعة بضغط من فاغنر في مايو/ أيار الماضي".

وأشار عبدوه إلى أن المجموعة التي أنشئت بدعم فرنسي لمحاربة التنظيمات المتشددة في الساحل الأفريقي، وكوّنت فرقاً عسكرية لملاحقة المسلحين عبر الحدود، أصبحت الآن منتهية، فموريتانيا وتشاد، الدولتان المتبقيتان في المجموعة، لا يمكنهما أن تحققا بمفردهما أهداف المجموعة.

وأكد عبدوه أن نموذج العمل الذي وضعه بريغوجين في إطار عمل "فاغنر" في الساحل الأفريقي لا يحتاج إلى تعديل الآن، بل للاستمرارية ليحصد نتائج أكثر، مؤكداً أنه "لن يتغير شيء، لأن نموذج العمل الذي أنشأه بريغوجين سيستمر في الوجود ويمكن لأي شخص إدارة أعمال المجموعة".

استمرار عمليات "فاغنر" بغرب أفريقيا

تقدم "فاغنر" خدمات عدة في إطار عملها وخدمة لخططها بأفريقيا، إذ تحمي السلطة القائمة، خصوصاً المجالس العسكرية المشكلة بعد الانقلابات، وتقدم التدريب العسكري والمشورة القانونية لإعادة كتابة القوانين والدساتير. وينتمي المجندون والموظفون في "فاغنر" في أفريقيا إلى الحرس القديم الأفضل تدريباً في الشركة، الذين تم تجنيدهم قبل سنوات واستفادوا من عقود التعدين المربحة في دول القارة.

ويؤكد مراقبون أن مرتزقة "فاغنر" يساعدون المجالس العسكرية في الدول الأفريقية التي حدثت فيها انقلابات على تثبيت حكمها ومحاربة الجماعات المتشددة والتخلص من النفوذ الفرنسي، وذلك في مقابل الاستفادة من عقود التعدين في مناجم الذهب والألماس واليورانيوم ومعادن أخرى.


يحيى نداري: الحفاظ على فاغنر من دون بريغوجين سيسمح للنفوذ الروسي بالتوسع أكثر

وفي الوقت الذي يتساءل فيه خبراء عن مستقبل هذه المليشيا وهل ستبقى رأس الحربة للتوسع الروسي الجديد في أفريقيا، رأى الباحث السنغالي يحيى نداري أن روسيا لا يمكنها أن تتخلى عن خدمات "فاغنر" بأفريقيا، لأنها أنشأت بفضل هذه المجموعة علاقات أمنية وسياسية وإعلامية وتجارية مهمة ومتعددة الأبعاد.

وأضاف نداري في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مجموعة فاغنر أقامت علاقات وثيقة مع المجالس العسكرية الحاكمة في الدول التي شهدت انقلابات عسكرية، إذ شاركت في تدريب الجنود وفي عمليات مكافحة الجماعات الإرهابية، كما مكّنت عمليات فاغنر الأنظمة العسكرية من دعم سلطتها، وهي تنشر الاستراتيجية نفسها في كل دولة عبر حملات مبنية على رفض القوى الاستعمارية السابقة وتقديم عروض أمنية مقابل استغلال الموارد الطبيعية، خصوصاً المعادن، والدفاع عن مصالح روسيا".

واستبعد الباحث أن تتم تصفية "فاغنر" حالياً أو في وقت قريب، لأنها تخدم المصالح الدبلوماسية والاقتصادية لروسيا، قائلاً إن "الحفاظ على فاغنر من دون بريغوجين سيسمح للنفوذ الروسي بالتوسع أكثر وبسرعة في أفريقيا، وطالما أن النجاح حليف المجموعة فمن المرجح أن تستمر في العمل".

وعن الاختلاف في عمل "فاغنر" في عهد بريغوجين وبعده، قال الباحث السنغالي: "فاغنر كانت في عهد بريغوجين تعمل بسرعة وبشكل أكثر فعالية.. تستغل الأحداث وتدمج الصراعات التقليدية والأدوات المختلفة في سياقات أفريقية متعددة وتكتيكات متنوعة لا يمكن أن تستخدمها مؤسسات حكومية، كما أن العلاقات الشخصية المهمة التي أنشأها بريغوجين ساعدته، وهو ما تفتقر إليه إلى حد ما فاغنر حالياً وستفتقده أكثر بعد فترة، لأن تلك العلاقات تتطلب مستوى من البراعة أكبر من الذي يتمتع به الآن قادة فاغنر".

وأضاف نداري أنه "إذا قارنّا الأنشطة التي قامت بها مجموعة فاغنر في الساحل الأفريقي قبل مقتل رئيسها وبعده، سنجد أنها خفّت بشكل كبير واقتصرت على المناطق التي سبق أن ظهرت بها فاغنر، كما أن مقارنة بسيطة بين نشاط مجموعة فاغنر خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي وأنشطتها في الفترة نفسها من هذا العام، تُظهر أن النشاط العسكري تراجع كثيراً وانتقل من العمليات الاستباقية والهجمات المخطط لها إلى مواجهة الهجمات ومحاولة استعادة السيطرة على أراضي المجموعات المتمردة في شمال مالي وغرب النيجر".

واعتبر نداري أن مكاسب "فاغنر" في أفريقيا هي نتاج الفترات السابقة من عمل المجموعة، مشيراً إلى أن التطورات التي عرفتها دول عدة في غرب أفريقيا، أحدثت بدورها تغييراً في العمليات التي قامت بها مجموعة "فاغنر"، ما أدى إلى اختلاف جذري في أنشطة المجموعة.