فتحي باغاشا (59 عاما)، الذي قدم أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية في ليبيا اليوم الخميس، شخصية جديدة نسبيا على المشهد السياسي، لم يُعرف عنه نشاط سياسي أو دبلوماسي متراكم، كما لم يتول مناصب قيادية بارزة، لتبقى أبرز المسؤوليات الرسمية التي تقلّدها توليه، في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وزارة الداخلية بحكومة الوفاق التي كان يرأسها فايز السراج.
وبعد أن تخرج فتحي باشاغا من الكلية الجوية بمدينة مصراتة، التي يتحدر منها، برتبة ملازم ثان، كطيار مقاتل، عمل في سلاح الجو لعامين، قبل أن يستقيل في 1992، ويلتحق بمجال الأعمال الحرة الذي عرفت به أسرته، ليحقق نجاحات في تجارة التوريد في مجالات مختلفة.
وبرز اسم باشاغا بين الناشطين العسكريين ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي في مدينة مصراتة، إبان ثورة فبراير/ شباط عام 2011، إذ طُلب من قبل المجلس العسكري للمدينة للعمل في مجالات المعلوماتية والطيران، بحكم تخصصه، ولاحقا انخرط في مجالات أخرى في مدينته، منها الهيئة الوطنية للمصالحة، وعضوية مجلس شورى المدينة، قبل أن يعلن عن ترشحه للانتخابات البرلمانية عام 2014، كأحد نواب مصراتة.
ولم تختلف مواقف باشاغا عن مواقف أغلب الشخصيات السياسية والعسكرية في مصراتة بشكل كبير، إذ أعلن، بالإضافة إلى أربعة نواب آخرين عن المدينة، مقاطعة جلسات مجلس النواب الذي صار ينعقد في مدينة طبرق، أقصى شرق البلاد، في أغسطس/ آب من عام 2014. وبعد صدور حكم قضائي من المحكمة العليا ببطلان انعقاد جلسات مجلس النواب في طبرق، في سبتمبر/ أيلول من العام ذاته، أصبح أحد أبرز داعمي وقادة "عملية فجر ليبيا"، التي انطلقت في الشهر ذاته لإخراج مليشيات الزنتان، الموالية لمجلس النواب في طبرق، من مواقعها في طرابلس.
وقد مثّل باشاغا النواب المقاطعين لمجلس النواب المنعقد في طبرق في لجنة الحوار التي شكلتها البعثة الأممية من الأطراف الليبية المتصارعة، بداية من نهاية 2014 وحتى ديسمبر/ كانون الأول 2015، إذ كان أحد الموقعين على اتفاق الصخيرات في المغرب.
ويبدو أن نشاطه الفاعل في الطرف المعادي لتيار مجلس النواب، الذي لم يخف ميله لمعسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر، اجتذب الأنظار. فخلال تكوين المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، رشحه رئيس المجلس، فايز السراج، لرئاسة مجلس الأمن القومي باعتباره أحد الأجهزة الأمنية العاملة على توحيد المؤسسة الأمنية في البلاد، لكنه اعتذر.
وفي أكتوبر 2018، تولى وزارة الداخلية بحكومة الوفاق بتكليف من المجلس الرئاسي، خلفا لعبد السلام عاشور.
وعرف عن باشاغا نشاطه الحثيث في اتجاه تفكيك المجاميع المسلحة التابعة لوزارة الداخلية، وكثيرا ما أثنت بيانات السفارات الغربية على جهوده في هذا الاتجاه، سيما السفارة الأميركية التي رعت زيارتين له لواشنطن للقاء مسؤولين أمنيين بارزين، ولقاءات أخرى في طرابلس، لكن جهوده أفشلها واقع المجاميع المسلحة التي بدأت تعاني من الجهوية، خصوصا مجموعات طرابلس المسلحة، التي فهمت تحركاته في إطار مساعي قادة مصراتة للسيطرة على طرابلس وإقصائها.
وبقيت العلاقات متوترة بين باشاغا والمجاميع المسلحة، خصوصا بعد إيفاد عدد من كبار مسؤولي وزارته إلى بنغازي، في يناير/ كانون الثاني 2019، للقاء نظرائهم في الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب شرق البلاد، والموالية لحفتر، لتوحيد المؤسسة الأمنية.
واستمر الغموض يلفّ حقيقة مواقف باشاغا، حتى إن أطرافا موالية لمعسكر حفتر اتهمته بالولاء لتيار الإسلام السياسي، وتحديدا حزب العدالة والبناء، لكن مواقفه اللاحقة أثبتت العكس، فضلا عن أن خطاباته لم تحمل أية بصمات حزبية أو أيديولوجيا معينة.
وأثناء إعلان حفتر عدوانه على العاصمة طرابلس في إبريل/ نيسان 2019، تأخر باشاغا في التعبير عن موقفه، لكن مواقفه اللاحقة جاءت في سياق معارضته لأي عمل مسلح ورفضه استمرار الحروب.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ندد بدعم روسيا لمليشيات حفتر، كما نشط في اتجاه لجوء حكومة الوفاق إلى توقيع اتفاق عسكري أمني مع تركيا لدعم قواتها، في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته أيضا، لكن علاقته بقوات الحكومة التي تقاتل تحت مسمى قوات "عملية بركان الغضب" بقيت متوترة، خصوصا بعد قراره حلّ كتيبة الإسناد الأولى في مدينة الزاوية، التي تعد أحد مكونات قوات "بركان الغضب"، على خلفية اتهامه لها بالإساءة إلى الطيار التابع لمليشيات حفتر، عامر الجقم، الذي أسرته قوة الإسناد بعد سقوط طائرته قريبا من الزاوية، في ديسمبر/ كانون الأول 2020.
وإثر دعمه لـ"إعلان السلام" الذي تلاه رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، في إبريل/ نيسان 2020، مع بداية انكسار مليشيات حفتر، بدأت بوادر ميل باشاغا لسياسات عقيلة صالح.
وقد صرح باشاغا، حينها، بأن "مشروع حفتر انتهى"، ودعا أنصاره إلى عدم المراهنة عليه.
ورغم خطاباته المعارضة للاحتكام للسلاح، تصدى بواسطة مجموعة مسلحة تابعة لوزارته لمسلحين أطلقوا الرصاص على عدد من المظاهرات التي عمّت طرابلس خلال أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول العام الماضي، ما دفع المجاميع المسلحة في طرابلس إلى الضغط على رئيس الحكومة فايز السراج لإصدار قرار، في أغسطس/ آب 2020، بوقف باشاغا عن العمل وإحالته للتحقيق، على الرغم من أنه كان في مهمة عمل بالخارج، لكن الأخير، ورغم إعلانه الامتثال لقرار الحكومة، قرر الاستعراض وسط طرابلس برفقة عدد كبير من السيارات المسلحة التابعة لوزارة الداخلية.
ولاحقا، تعرض موكب باشاغا، في فبراير/ شباط 2021، لوابل من الرصاص، أثناء مروره بمنطقة جنزور، ما اعتبرته وزارة الداخلية وقتها "محاولة اغتيال"، وأتُّهمت بالعملية العديد من الجهات المسلحة في طرابلس، لكن ملف القضية تغاضت عن متابعته وسائل الإعلام، المنشغلة وقتها بمتابعة مسار أعمال ملتقى الحوار السياسي الذي أشرف على إعداد القوائم الانتخابية للسلطة التنفيذية الجديدة.
في الوقت ذاته، أظهر باشاغا ميلا أكثر إلى عقيلة صالح، واستقبلته القاهرة في أكثر من زيارة، ليظهر حلفه الجديد جليا عندما أعلنت البعثة الأممية المشرفة على انتخابات ملتقى الحوار السياسي عن قوائم المترشحين، حيث كان باشاغا في قائمة واحدة مع عقيلة صالح، وصعدت لمراحل التنافس الأخيرة، مقابل قائمة رئيس المجلس الحالي محمد المنفي، ورئيس الحكومة الحالي عبد الحميد الدبيبة، التي فازت في تلك الانتخابات في مارس/ آذار الماضي.
ومنذ تسليمه لمنصبه لخالد مازن وزيرا للداخلية في الحكومة الحالية، لم يبد باشاغا أي نشاط سياسي معلن، باستثناء أنباء تتداولها وسائل إعلام محلية ودولية بشأن استمرار اتصالاته بعدد من العواصم الفاعلة في الملف الليبي، كالقاهرة وباريس، حيث كان متوقعا أن يعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما تمّ اليوم بتقديمه لأوراق ترشّحه.