استمع إلى الملخص
- يعبر العديد من السوريين في الشمال عن رفضهم لفتح المعبر، معتبرين أنه يخدم مصالح النظام ويخفف الحصار عنه، بينما يرى آخرون أنه يمكن أن يعزز التجارة ويوفر فرص عمل جديدة.
- معبر أبو الزندين ليس الوحيد، حيث توجد معابر أخرى مثل ميزناز والترنبه، ويُتوقع فتح طرق استراتيجية مثل "إم 4" لتعزيز التقارب بين أنقرة ونظام الأسد.
افتُتح معبر أبو الزندين رسمياً، أول من أمس الأحد، وهو المعبر الرابط بين مناطق سيطرة النظام السوري والمعارضة في ريف حلب، شمالي البلاد. وعُدّت الخطوة تطبيقاً عملياً لتفاهمات تركية روسية من أجل تهيئة مناخات مناسبة لإنجاح التقارب بين أنقرة والنظام السوري، الراغب في فتح كل الطرق والمعابر لإنعاش اقتصاده المتهالك. ومرت شاحنات من خلال معبر أبو الزندين من الشمال السوري إلى مناطق سيطرة النظام، رغم الرفض الشعبي الواسع والمتزايد لفتح هذا المعبر، باعتبار أن هذه الخطوة هي لمصلحة النظام. وكان من المفترض إعادة فتح المعبر المغلق منذ عدة سنوات أواخر الشهر الماضي، إلا أن الاحتجاجات الشعبية ورفض بعض الفصائل حالت دون ذلك. وحسم الجانب التركي موضوع المعبر، الخميس الماضي، في اجتماع مع ممثلي فصائل المعارضة السورية الذين وافقوا على إعادة فتح المعبر باستثناء ممثل الجبهة الشامية، أكبر فصائل المعارضة في ريف حلب الشمالي. وحاولت مجموعات محلية إعاقة استمرار فتح المعبر، أمس الاثنين، عبر قصفه بقذائف الهاون، في وقت قرر فيه سوريون معارضون الاعتصام في مدينة الباب للتعبير عن رفضهم إعادة فتح المعبر. وقال مصدر في "الجيش الوطني" إن عدة قذائف صاروخية مجهولة المصدر سقطت في محيط المعبر من دون وقوع أي خسائر بشرية أو مادية.
ياسين جمول: إعادة فتح معبر أبو الزندين انتصار سياسي للنظام
فتح معبر أبو الزندين
وعبّر عدد من السوريين في الشمال السوري عن رفضهم خطوة فتح معبر أبو الزندين التي من شأنها "تخفيف الحصار عن النظام"، وفق إبراهيم س. (53 عاماً)، الذي قال لـ"العربي الجديد": نطالب العالم بعدم الانفتاح على النظام ونحن نفتح المعابر لإنقاذ اقتصاده المنهار. وأبدى خشيته من استغلال النظام هذا المعبر لـ"إغراق الشمال السوري بالمخدرات"، مضيفاً: فصائل المعارضة تثبت في كل مرة أنها تابعة بالمطلق للجانب التركي وتخدم مصالحه فقط. من جانبه، رأى حسين م. (40 عاماً)، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه كان الأولى "فتح الجبهات لا المعابر"، مضيفاً: فتح المعبر يعني بقاء الحال في الشمال السوري على ما هو عليه. إنه تكريس لمناطق النفوذ التي يستفيد من وجودها أمراء الحرب.
ورحّبت وسائل إعلام النظام بافتتاح المعبر، ورجحت صحيفة الوطن التابعة للنظام السوري أن تلي هذه الخطوة سلسلة خطوات أخرى قد تشمل طريق "إم 4" الرابط بين حلب واللاذقية، والعابر مناطقَ سيطرة المعارضة و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) شمال غربي سورية. ولم تستبعد الصحيفة أن تكون المرحلة النهائية لهذا الاتفاق فتح الطريق من تركيا حتى الأردن لعبور الشاحنات التجارية مروراً بالأراضي السورية.
وعزز إعادة فتح معبر أبو الزندين مسار التقارب بين أنقرة ونظام الأسد الذي أخذ، خلال العام الحالي، زخماً أكبر في ظل تكهنات بقرب عقد قمة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورأس النظام السوري بشار الأسد برعاية روسية. وبدا أن الجانب الروسي أراد من فتح معبر أبو الزندين تهيئة مناخات مناسبة لاستمرار مسار التقارب بين الجانب التركي ونظام الأسد، في خدمة لرؤية موسكو في حلّ سياسي للقضية السورية يُبقي رأس النظام السوري بشار الأسد في السلطة. ولطالما حاول الجانب الروسي خلال السنوات الماضية فتح المعابر بين مناطق المعارضة والنظام، للتخفيف من تبعات العقوبات الدولية المستمرة منذ أكثر من عقد على اقتصاد النظام المتهالك، الذي بات شبه عاجز عن توفير أدنى مقومات الحياة لنحو تسعة ملايين سوري تحت سلطته.
في السياق، كشف باحث اقتصادي مقيم في الشمال السوري، فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "فتح المعبر يعتبر مصدر دخل مهماً للنظام من خلال فرض الرسوم الجمركية على البضائع التي تمر عبره"، مضيفاً: يمكن أن يسهم في دعم اقتصاد المناطق التي يسيطر النظام عليها من خلال تدفق السلع والخدمات. بيد أنه أوضح أن المنافع "متبادلة"، مشيراً إلى أن المناطق المحررة (الشمال السوري) قد تستفيد من الرسوم التي تفرضها على البضائع المارة عبر المعبر من مناطق النظام. وتابع الباحث: "التجار في كلا الجانبين يمكن أن يستفيدوا من تدفق السلع والبضائع عبر المعبر، ما يعزز التجارة المحلية ويوفر فرص عمل جديدة، فضلاً عن أن فتح معبر أبو الزندين قد يسهل حركة الأشخاص والسلع، ما يتيح للسكان المحليين الوصول إلى البضائع والخدمات التي قد تكون غير متوفرة في مناطقهم". ورأى أن "فتح المعبر قد يؤدي إلى انخفاض أسعار بعض السلع في المناطق المحرومة نتيجة لتوفرها بشكل أكبر، ما يخفف من الضغوط الاقتصادية على السكان". وأوضح الباحث أن "معبر أبو الزندين يعتبر شرياناً حيوياً لحركة البضائع والأشخاص بين المناطق التي يسيطر عليها النظام والمناطق المحررة، ما يعزز النشاط الاقتصادي"، لافتاً إلى أن المعبر نقطة استراتيجية للتحكم في تدفق الموارد والسلع، وهو ما يجعله محل اهتمام من قبل الأطراف المتصارعة.
سقطت قذائف هاون مجهولة المصدر في محيط المعبر أمس الاثنين
معابر أخرى تنتظر دورها
بدوره، شدّد الباحث السياسي ياسين جمول، في حديث مع "العربي الجديد"، على أنه "لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد، لا سيما في واقع شديد التعقيد كالواقع السوري، الذي خرج من قبضة السوريين وصار كرة يتقاذفها اللاعبون الإقليميون والدوليون". ورأى أن معبر أبو الزندين لن يكون الأخير الذي يفتح بين مناطق النظام والشمال السوري"، مضيفاً أن فتح المعابر مع مناطق سيطرة نظام الأسد فيه منافع كثيرة للنظام الذي تشهد مناطق سيطرته أوضاعاً اقتصادية سيئة جداً. وتابع جمول: يكفي للناظر مشهد الشاحنات الكثيرة، التي كانت تنتظر العبور أول من أمس الأحد، ليعرف ما فيها من التنفيس عن مناطق سيطرة النظام المجرم. واعتبر جمول أن إعادة فتح معبر أبو الزندين انتصار سياسي للنظام، مضيفاً: نحن في قوى الثورة والمعارضة خضعنا لرغبة الدول والجيران في ذلك، وافتُتح المعبر رغم معارضة شريحة ليست قليلة من الحاضنة. ولم ينفِ جمول وجود جوانب إيجابية على الشمال السوري من افتتاح المعابر، بيد أنه رأى "أن السلبيات أكثر، والمخاوف مما سيأتي من شرور الأسد أكبر"، مضيفاً: "يكفي أنه يرسّخ الشرخ في قرار قوى الثورة والمعارضة، وأن قراراً مصيرياً كهذا يأتي موافقةً لرغبة الآخرين ولا ينبع من منطق ثوري صحيح".
ولمناطق النظام ارتباط مع مناطق المعارضة من خلال العديد من المعابر، ومنها معبر أبو الزندين في ريف حلب الشمالي الشرقي قرب مدينة الباب، وميزناز في ريف حلب الغربي، ومعبر الترنبه القريب من بلدة سراقب في ريف إدلب الشرقي. كما ارتبطت مناطق فصائل المعارضة السورية في الشمال مع مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بمعابر عدة، أبرزها عون الدادات والحمران. ويقع معبر أبو الزندين بالقرب من مدينة الباب، شمال شرق مدينة حلب، وهو من أهم المعابر التجارية التي كانت تربط بين الشمال السوري ومناطق النظام قبل إغلاقه في عام 2020، مع معابر أخرى، بقرار من الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني السوري المعارض. واقتصر استخدام تلك المعابر على عمليات تبادل الأسرى بين النظام والجيش الوطني السوري المعارض على فترات متباعدة بضمانة روسية - تركية، وبإشراف الصليب الأحمر الدولي والأمم المتحدة. وبيّنت مصادر في المعبر أن الشمال السوري يحتاج إلى الأدوية وقطع غيار السيارات، مشيرة إلى أن مناطق النظام تحتاج المواد الغذائية من الشمال، لأن القمح من المواد الذي صدرت أوامر بمنع توريدها للنظام.