يرى مسؤولون فرنسيون، شاركوا في قمة حلف شمال الأطلسي قبل أيام، أن الرئيس الأميركي باراك أوباما غادر ويلز مرتاحاً لتجاوب الحلفاء مع خطته لإنشاء التحالف الدولي ضد "داعش"، وواثقاً من انضمام المزيد من الدول إلى هذا التحالف.
وبرأي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، فإن "داعش" يشكل تهديداً شاملاً وبالتالي لا بد من مواجهة شاملة مع هذا التنظيم كي تؤتي محاربته ثمارها، لذلك اقترحت باريس عقد مؤتمر دولي أمني حول العراق، تلاقى مع الرغبة الأميركية بتشكيل تحالف دولي.
عشر دول أسّست نواة هذا التحالف، من بينها دول إقليمية في طليعتها تركيا، التي عبّر وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو عن الخشية من وقوع الأسلحة التي يتم تسليمها إلى القوات الكردية والعراقية لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، في أيدي حزب العمال الكردستاني. لكن الباب لم يغلق بعد أمام الدول الراغبة بالانضمام إلى هذا الحلف والتي وصل عددها إلى أربعين، وخصوصاً أن معظم دول المنطقة رفعت الصوت ضد الخطر الذي يمثله "داعش" على أنظمتها. ونجحت الولايات المتحدة، بحسب المصادر، في فتح قنوات اتصال مع بعض هذه الدول، وحقّقت تقدماً في مجال التعاون مع إيران.
كذلك تفيد المصادر بأن واشنطن حثّت دول مجلس التعاون الخليجي على حل خلافاتها مع قطر، وتلقت أيضاً بإيجابية زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى السعودية. باريس قادرة من جهتها على المساهمة في توسيع دائرة التحالف الدولي، وخصوصاً أنها تقيم علاقات طيبة مع دول خليجية عدة منها قطر والسعودية. ولكن أمام كل هذه المعطيات، فإن فرنسا تنظر بحذر إلى الانفتاح على إيران، ولا تريد أن تحصل مقايضة على الملف النووي الإيراني مقابل محاربة "داعش". من جهة ثانية، ترى باريس أنه لا يمكن حصر المواجهة في بقعة جغرافية، بل يجب محاربة هذا التنظيم أينما وُجد، وحتى في الأماكن المحتملة لتمدده مستقبلاً، وهي نظرية تقترب من مفهوم الحرب الاستباقية من دون أن يكون هذا الأمر معلناً.
وهذه النقطة بالذات، أي مفهوم الحرب الاستباقية، قد تؤخر الإعلان الرسمي عن هذا التحالف، وتحدّ من فاعليته، وخصوصاً أن بعض الدول ومنها فرنسا، تتحفظ على نقل المواجهة إلى سورية أيضاً، لأن باريس لا تريد أن يصب أي تدخل دولي في مصلحة النظام السوري الذي يحاول فرض نفسه كشريك للأسرة الدولية، بينما لم يحظَ النظام بأي اعتراف دولي بعد إعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد، باستثناء من الدول التي تدعمه، خصوصاً إيران.
والفارق في النظرة إلى النظامين السوري والعراقي واضح بالنسبة إلى باريس، ففي العراق، الانتخابات العامة الأخيرة حظيت باعتراف دولي وتمت في ظروف استوفت الحد الأدنى من حرية الاختيار للناخبين، وجرت العملية الانتخابية بحد أدنى من المفهوم الديمقراطي المعتمد دولياً، في حين أن باريس اعترفت بالائتلاف الوطني السوري ممثلاً للشعب السوري واعتبرت مراراً أن رئاسة الأسد غير شرعية وطالبت بتنحيه وبالتالي فهي لا تعترف به.
ومن الناحية العملية، فإن أي تدخل دولي في أي بلد يحتاج إلى طلب مسبق من حكومة هذا البلد، وهذا أمر متفاهم عليه مع الحكومة العراقية، في حين تعارض فرنسا إجراء أي اتصال مع الحكومة السورية ولا تريد أن يأتي التدخل الدولي إذا ما حصل، تلبية لطلب من هذه الحكومة، وخصوصاً أن الأمر يتطلب اتصالات وتنسيقاً بين ممثلين عن العسكريين المكلفين بإدارة التحالف الدولي وخبراء عسكريين عن الجانب السوري الرسمي، وهذا يعني التخلي عن إجراءات إدراج أعمال الجيش السوري العسكرية واستخدام الأسلحة الكيماوية وقصف المدنيين في خانة الجرائم ضد الإنسانية.
أضف إلى ذلك أن الدول الغربية لا تريد إرسال قوات برية لمحاربة "داعش" بل ستكتفي بتوجيه ضربات جوية، والخوف هو من أن تستفيد قوات النظام السوري من هذا الدعم لتحقق اختراقات وتقدماً ميدانياً في مناطق المعارضة السورية التي توصف بالمعتدلة.
من هذا المنطلق، تتحفّظ فرنسا على الجانب التنفيذي لإنشاء التحالف الدولي، وهي محرجة لأنها من جهة تعي خطر "داعش"، والرئيس فرنسوا هولاند كان من بين الزعماء الذين وصفوا هذا التنظيم بالخطر الأكبر والشامل، وهو في الوقت نفسه لا يلتقي مع النظرية الأميركية التي تريد تعميم المواجهة. وما على باريس الآن إلا أن تنتظر خطة العمل التي سيعلنها أوباما اليوم الأربعاء.