بعد أيام من اعترافه بوجود قوات إريترية في تيغراي، وبارتكاب فظائع في الإقليم، أعلن رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد، أمس الجمعة، أن أسمرة ستسحب قواتها من تيغراي، التي دعمت عبرها القوات الإثيوبية في حملتها العسكرية ضد "جبهة تحرير تيغراي"، فيما كانت منظمات إنسانية وأممية تكشف عن مزيد من الفظائع التي ارتكبت في الإقليم. إذ إنه بالإضافة إلى قيام عناصر مسلحة باغتصاب النساء، تم إجبار رجال على اغتصاب نساء من عائلاتهم تحت التهديد بالعنف، كما تم تدمير مخيمين في المنطقة بشكل كامل.
الأمم المتحدة: أجبر رجال على اغتصاب نساء من عائلاتهم
وقال أبي أحمد، في بيان أمس الجمعة، "خلال محادثاتي مع الرئيس (الإريتري) أسياس أفورقي لمناسبة زيارتي لأسمرة (الخميس الماضي)، وافقت الحكومة الإريترية على سحب قواتها إلى خارج حدود إثيوبيا". وكان أحمد اعترف، الثلاثاء الماضي، للمرة الأولى منذ انطلاق الحملة العسكرية على تيغراي في نوفمبر/تشرين الثاني بوجود قوات إريترية في الإقليم. واتهم، في البيان أمس، "جبهة تحرير تيغراي" بإطلاق صواريخ على أسمرة "ما دفع الحكومة الإريترية إلى دخول إثيوبيا لمنع المزيد من الهجمات وحماية أمنها القومي". وأضاف أن الجيش الإثيوبي سينتشر في المناطق التي كانت تتمركز فيها القوات الإريترية، خصوصاً على الحدود.
وقال حزب المعارضة "سالساي وياني تيغراي"، أمس الجمعة، إن أي اتفاق لانسحاب الجنود الإريتريين "لا فائدة منه بدون وجود هيئة تنظيمية دولية للإشراف على الأمر والتحقق منه". وكتب مسؤول الشؤون الخارجية في الحزب هايلو كيبيدي، في تغريدة، "إنه مستوى آخر من الخداع، وهي لعبة يمارسونها منذ فترة طويلة". وأضاف "اسحبوا كل القوات وشكلوا فريقاً دولياً للمراقبة. يجب ألا ينخدع العالم مجدداً".
وزادت واشنطن من ضغوطها، أخيراً، مع إيفاد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسيناتور كريس كونز إلى إثيوبيا، منذ أسبوع، حيث أجرى محادثات مع أبي أحمد. وأوضح كونز، أمس الأول، أن رئيس الحكومة الإثيوبية رفض دعوة أميركية لوقف إطلاق النار من جانب واحد في تيغراي، ورفض كذلك مزاعم عن تطهير عرقي هناك، وهو ما كان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أعلنه أخيراً. وعلى الرغم من إشادة كونز بإعلان أبي أحمد معاقبة أي جنود يرتكبون انتهاكات، فإنه أضاف "لكن رئيس الوزراء قطع تعهدات من قبل ولم يفِ بها. لذلك أعتقد أن من الضروري أن نظل على تواصل". وقال كونز إن أبي نفى أن يكون هناك تهجير قسري لسكان تيغراي، وأن رئيس الوزراء أخبره بأنه "لم ولن يحدث تطهير عرقي". وأضاف "لقد قاوم بشدة أي محاولة من جانبي لوصف هذا بأنه صراع عرقي، وأصر على أنه نزاع ضد جبهة تحرير تيغراي باعتبارها طرفاً وحزباً سياسياً شارك في هجوم على القوات الاتحادية".
وبعد اعتراف أبي أحمد بحدوث فظائع في الإقليم، واصلت منظمات طبية وأممية الكشف عن عمليات قتل واغتصاب وتدمير مخيمات للاجئين، فيما أعلنت لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية، التي أنشأتها الحكومة، ومكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في بيان الخميس الماضي، أنهما اتفقتا على إجراء تحقيق مشترك في الانتهاكات في إقليم تيغراي المحاصر. وأشارتا إلى أن نشر المحققين سيبدأ في أقرب وقت ممكن، لفترة أولية مدتها ثلاثة أشهر.
وأعلنت المفوضية العليا للاجئين، أمس الجمعة، أن مخيمي شيميلبا وهيتساتس للاجئين في تيغراي "دمرا كلياً"، بعدما تمكنت الهيئة التابعة للأمم المتحدة من التوجه إلى الموقع، للمرة الأولى، منذ اندلاع المعارك في نوفمبر الماضي. وقال المتحدث باسم المفوضية بوريس شيشيركوف، خلال مؤتمر صحافي في جنيف، إن فرق الأمم المتحدة "وجدت أن المخيمين دمرا كلياً، وجميع المنشآت الإنسانية تعرضت للنهب والتخريب"، مؤكداً بذلك ما أظهرته صور عبر الأقمار الصناعية في فبراير/شباط الماضي.
مخيما شيميلبا وهيتساتس للاجئين في تيغراي دمرا كلياً
وذكرت منظمة "أطباء بلا حدود"، أمس الأول، أن موظفيها شاهدوا جنوداً إثيوبيين يقتلون أربعة مدنيين بالرصاص في تيغراي. وأوضحت أن موظفيها كانوا يتنقلون في سيارة تحمل بوضوح علامة المنظمة بين مقلي عاصمة إقليم تيغراي ومدينة أديجرات الثلاثاء الماضي، عندما صادفوا ما بدا أنها تبعات كمين نصب لقافلة من الجيش الإثيوبي. وأضافت أن الجنود الإثيوبيين أوقفوا سيارة المنظمة وحافلتي نقل صغيرتين كانتا تسيران خلفها. وتابعت "أجبر الجنود ركاب الحافلتين بعد ذلك على الترجل، وتم فصل الرجال عن النساء وسمح لهن بالرحيل. وبعد ذلك بقليل تم قتل الرجال".
وأعلنت الأمم المتحدة، أمس الأول، أن خمس عيادات طبية في تيغراي سجلت أكثر من 500 حالة اغتصاب، منبهة إلى أنه نظراً للوصمة المرتبطة بالأمر، ونقص الخدمات الصحية، فإنه من المرجح أن يكون العدد الفعلي للحالات أعلى من ذلك بكثير. وقالت نائبة منسق مساعدات الأمم المتحدة في إثيوبيا وفاء سعيد، في إفادة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، "قالت نساء إنهن تعرضن للاغتصاب من عناصر مسلحة، كما روين قصصاً عن اغتصاب جماعي واغتصاب أمام العائلات، وإجبار رجال على اغتصاب نساء من عائلاتهم تحت التهديد بالعنف".
وأوضحت أنه تم تسجيل 516 حالة اغتصاب على الأقل في خمس منشآت طبية في مقلي وأديجرات وووكرو وشاير وأكسوم. وقالت سعيد "بالنظر لحقيقة أن معظم المرافق الصحية لا تعمل، إضافة إلى الوصمة المرتبطة بالاغتصاب، فمن المتوقع أن تكون الأعداد الفعلية أعلى من ذلك بكثير". وأضافت "معظم النازحين فروا بلا أي شيء سوى الملابس التي يرتدونها. بشكل عام هم في حالة صدمة، ويروون قصصاً عن الرحلة الصعبة التي قطعوها بحثاً عن الأمان. بعضهم تحدث عن السير لأسبوعين، وبعضهم الآخر لمسافة 500 كيلومتر". وتابعت "من بين من سافروا معهم، ذُكر أن بعضهم قُتلوا، لا سيما الصغار. وورد أن أناساً ضُربوا، وتعرضت نساء للاغتصاب".
وقال السفير الإثيوبي لدى الأمم المتحدة تاي أتسكي سيلاسي، لوكالة "رويترز"، إن حكومة بلاده تأخذ مزاعم العنف الجنسي "بجدية بالغة"، وإنها نشرت مهمة لتقصي الحقائق. وأضاف "إثيوبيا لا تنتهج مطلقاً سياسة التسامح إزاء الجرائم الجنسية، وأي شخص تثبت مسؤوليته عن هذه الأعمال الحقيرة سيحاسب إلى أقصى حد يسمح به القانون".
(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس)