استمع إلى الملخص
- هذا الفيتو هو الرابع خلال عام ضد قرارات تتعلق بغزة، مما يعكس تحفظ الولايات المتحدة، رغم محاولات الدول غير دائمة العضوية التفاوض لتجنب الفيتو.
- أثار الفيتو ردود فعل دولية غاضبة، حيث انتقد مندوب الجزائر وسلوفينيا وفرنسا موقف الولايات المتحدة، مؤكدين على ضرورة وقف إطلاق النار.
حصل مشروع القرار على تأييد 14 دولة وفيتو أميركي
استخدمت واشنطن الفيتو بشأن مشاريع حول غزة 4 مرات خلال نحو عام
رفضت واشنطن بند المطالبة بوقف إطلاق النار غير المشروط في غزة
أفشلت الولايات المتحدة تبنّي مجلس الأمن الدولي لمشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط في غزة بعد أن استخدمت حق النقض "الفيتو". وحصل مشروع القرار، الذي صاغته الدول العشر غير دائمة العضوية في مجلس الأمن، على تأييد 14 دولة وفيتو أميركي. ويحتاج أي مشروع قرار لتبنّيه تأييد تسع دول، شرط ألّا تستخدم أي من الدول دائمة العضوية "الفيتو". ونص المشروع كذلك على المطالبة بإدخال المساعدات الإنسانية الكافية وبشكل عاجل كما إطلاق سراح الرهائن (المحتجزين في غزة).
وهذا هو الفيتو الأميركي الرابع خلال قرابة العام الذي تستخدمه الولايات المتحدة ضد مشاريع قرارات تتعلق بهدن أو وقف إطلاق النار في غزة. وهذه هي المرة الثانية عشرة التي يصوت فيها مجلس الأمن على مشروع قرار بشأن الحرب في غزة، وتمكن من اعتماد أربع قرارات فقط حول غزة منذ سنة، ولم يُنفَّذ أي منها.
وجاءت المبادرة لمشروع القرار من الدول العشر غير دائمة العضوية في مجلس الأمن بدورته الحالية وهي، الجزائر، وسويسرا، وسلوفينيا، واليابان، ومالطا، وكوريا الجنوبية، وموزامبيق، وغويانا، والإكوادور، وسيراليون.
وتفاوضت تلك الدول مع بقية الدول دائمة العضوية لمدة شهر، وحاولت تفادي فيتو أميركي، وخففت لغته، حيث نصت المسودة الأولى على أن المجلس "يقرر أن الوضع في قطاع غزة والتصعيد الإقليمي يشكلان تهديداً للسلم والأمن الدوليين، ويطالب بوقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط والدائم الذي تلتزمه جميع الأطراف". وهي لغة من البند السابع لميثاق الأمم المتحدة، لكن شُطبَت بعد مشاورات مع الجانب الأميركي لتركز على المطالبة "بوقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط والدائم الذي يتعين على جميع الأطراف احترامه". لكن لم يكن هذا كافياً للجانب الأميركي، وطلب ربط وقف إطلاق النار بإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين في غزة كما ألا يكون وقفا غير مشروط لإطلاق النار.
وقامت الدول المفاوضة بأخذ عدد من المطالب الأميركية الإضافية بعين الاعتبار بما فيها عدم الإشارة بشكل مباشر لفتاوي محكمة العدل الدولية المتعلقة بغزة والاكتفاء بذكر عام للمحكمة.
تبرير أميركي ورفض دولي
وعلل نائب السفيرة الأميركية، روبرت وود، تصويت بلاده ضد مشروع القرار قائلا: "لقد صوتنا ضد مشروع القرار لأنه لم يربط بين وقف إطلاق النار الدائم وغير المشروط وإطلاق سراح الرهائن. تتوقف النهاية الدائمة للحرب على إطلاق سراح الرهائن وهذه الأهداف مترابطة". وتجدر الإشارة إلى أن المشروع، وعلى عكس الادعاء الأميركي، ينص على المطالبة بإطلاق سراح الرهائن غير المشروط لكنه لا يربطها بشكل شرطي بالوقف الفوري لإطلاق النار. ورأى المندوب الأميركي أن القرار لو تم تبنيه "كان سيوجه رسالة خطيرة إلى حماس مفادها أنه ما من حاجة للعودة لطاولة المفاوضات... ورفضت حماس الصفقات تلو الأخرى". وتأتي هذه الادعاءات الأميركية وسط إعلان إسرائيل في أكثر من مناسبة وعلى لسان مسؤولين فيها عن عدم رغبتها بوقف إطلاق نار دائم، بل فقط بهدن إنسانية يطلق خلالها سراح مواطنيها دون ضمانات لاستمرار وقف إطلاق النار وبشكل دائم بعدها.
وأشار المندوب الأميركي إلى أن هناك عددا من الإشكاليات الإضافية في نص مشروع القرار بالنسبة لبلاده من ضمنها عدم إدانته لحركة حماس على عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. ويشار هنا إلى أن الولايات المتحدة استخدمت الفيتو في الـ18 من أكتوبر العام 2023 ضد مشروع قرار نص على إدانة لحماس وعملية 7 أكتوبر، وعللت الولايات المتحدة استخدامها الفيتو في حينه لأن المسودة لم تنص على "حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها".
من جهته، وصف مندوب الجزائر للأمم المتحدة، عمار بن جامع، ما جرى باليوم الحزين لمجلس الأمن والأمم المتحدة والمجتمع الدولي. وقال إن مشروع القرار "سعى إلى كسر الصمت الذي ساد مجلس الأمن منذ تبنيه القرار الأخير قبل خمسة أشهر... لم يكن النص مثاليا، ولكن مثل الحد الأدنى الذي كان من المفترض أن يوحدنا". وتحدث عن مطالب بلاده المستمرة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن وفرض العقوبات على من يتحدى الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي". وأضاف: "قدمنا عددا من التنازلات، ولكن عضواً واحداً اختار أن يعرقل أي تحرك... الرسالة للإسرائيليين واضحة: يمكنكم أن تستمروا بعقابكم الجماعي ضد الشعب الفلسطيني مع إفلات كامل من العقاب. وللشعب الفلسطيني فالرسالة واضحة ومفادها أن الأغلبية العظمى من العالم تتضامن مع محنتكم، ولكن للأسف البعض (الولايات المتحدة واستخدامها الفيتو) لا يأبهون بمعاناتكم". وتساءل المندوب الجزائري: "أليس كافيا أن أكثر من أربعة وأربعين ألف فلسطيني قتلوا في غزة وأغلبهم من النساء والأطفال؟... كم عدد القتلى الذي تنتظرونه لكي نفرض وقف إطلاق النار؟ أليس كافيا أن عدد اليتامى فاق السبعة عشر ألف طفل؟ غزة تحولت إلى مدينة اليتامى بعد أن كانت تعرف بمدينة الأطفال".
إلى ذلك، شددت نائبة مندوب سلوفينيا، أوندينا دروبيك، على ضرورة أن يتحمل مجلس الأمن مسؤوليته لوقف الحرب. وقالت: "إننا نخذل جيلاً كاملاً من الأطفال في غزة. لقد فقدوا عائلاتهم، ومجتمعاتهم، ومدارسهم، وطفولتهم. وهذه حرب يستطيع المجلس ويجب عليه أن يوقفها من خلال المطالبة الموحدة والصريحة بوقف إطلاق النار. وهذه هي الخطوة الأولى نحو التوصل إلى حل شامل للصراع. وهي الخطوة الأولى نحو منح هؤلاء الأطفال مستقبلاً".
وقال المندوب الفرنسي، نيكولا دوريفير، إن الرد الوحيد على الوضع والظروف الحالية التي تشهدها غزة، كان يجب أن يكون وقفا دائما وفوريا لإطلاق النار. وعبر عن أسفه لعدم تبني القرار، مشددا على ضرورة أن يتحرك المجلس.
ومن جهته، قال المندوب الروسي، فاسيلي نبنزيا: "تدعي الولايات المتحدة أنها تعمل لصالح المنطقة لكنها صوتت ضد مشروع قرار أيدته كل الدول في المجلس... من غير المقبول أن تقف في وجه هذا الطلب وتحول دون إنقاذ الأرواح في الأزمة الإنسانية التي نشهدها". وشدد على أن ما تشهده غزة وفلسطين لم يبدأ في السابع من أكتوبر بل نتاج عقود من الظلم تجاه الشعب الفلسطيني.
بدوره، شدد نائب المندوب الفلسطيني للأمم المتحدة، ماجد بامية، على أنه "لا يوجد مبرر أو عذر لاستخدام الفيتو ضد وقف الحرب". وقال: "كان من شأن وقف إطلاق النار حماية كل الأرواح وهو الخطوة الأولى نحو حل أي شيء.. استمعنا مرارا وتكرارا لخطابات حول رفض التهجير والتجويع والتدمير والتصعيد الإقليمي... ولكننا نجد اليوم أنفسنا مجددا أمام أكثر من 44 ألف قتيل فلسطيني، وهؤلاء فقط من شملتهم الإحصائيات، ولكنها لم تشمل عددا كبيرا من الذين سنجدهم ربما في المقابر الجماعية أو تحت الأنقاض... ناهيك عن المجاعة التي تلوح بالأفق، كما الحرب في لبنان ضد شعبه وسيادته. ما الذي تعنيه بيانات الرفض في الوقت الذي يتم تقديم الحماية لإسرائيل؟". وشدد على ضرورة ألا يعتاد العالم على "مقتل الفلسطينيين ومأساتهم". وحمل الدبلوماسي الفلسطيني إسرائيل المسؤولية "عن قتل المدنيين الفلسطينيين وتجويعهم بشكل متعمد".
نص مشروع وقف إطلاق النار في غزة الذي أفشلته واشنطن
ومن أهم ما جاء في نص المشروع تأكيده بداية على القرارات السابقة التي قام مجلس الأمن بتبنيها حول غزة بما في ذلك القرارات 2712 و2720 (2023) و2728 و2735 (2024)، كما أكد "أهمية محاسبة المسؤولين عن جميع انتهاكات القانون الدولي، وإذ يستنكر جميع الهجمات ضد المدنيين والأهداف المدنية، وكذلك جميع أعمال العنف والأعمال العدائية ضد المدنيين، وجميع أعمال الإرهاب، وإذ يذكّر برفضه لأي تهجير قسري للسكان المدنيين، بمن فيهم الأطفال، في انتهاك للقانون الدولي بما في ذلك القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وإذ يذكّر بأن أخذ الرهائن محظور بموجب القانون الدولي".
وأكد مشروع القرار كذلك ضرورة "احترام محكمة العدل الدولية ووظائفها، بما فيها ممارسة اختصاصها الاستشاري..."، كما أعرب عن "انزعاجه العميق إزاء الوضع الإنساني الكارثي المستمر في غزة، بما في ذلك الافتقار إلى خدمات الرعاية الصحية الكافية وحالة انعدام الأمن الغذائي التي تخلق خطر المجاعة وخاصة في الشمال، وتأثيرها الخطير على الأطفال والنساء وغيرهم من المدنيين". وأشار كذلك لمقتل العاملين في المجال الإنساني. وأعاد التأكيد على التزام مجلس الأمن "برؤية حل الدولتين، مع قطاع غزة كجزء من الدولة الفلسطينية، وحيث تعيش دولتان ديمقراطيتان، إسرائيل وفلسطين، جنباً إلى جنب في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، بما يتفق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وفي هذا الصدد يؤكد أهمية توحيد قطاع غزة مع الضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية".
ونص المشروع على التذكير "بالمسؤولية الأساسية لمجلس الأمن عن دعم السلام والأمن الدوليين ويطالب بوقف إطلاق نار فوري وغير مشروط ودائم من جانب جميع الأطراف؛ ويكرر كذلك مطالبته بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن". كما كرر مطالبته "بأن تمتثل الأطراف لالتزاماتها بموجب القانون الدولي في ما يتعلق بالأشخاص الذين تحتجزهم".
وطالب "بالسماح الفوري للسكان المدنيين في قطاع غزة بالوصول إلى الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي لا غنى عنها لبقائهم، مع رفض أي جهد لتجويع الفلسطينيين، ويطالب كذلك بتسهيل دخول المساعدات الإنسانية على نطاق واسع إلى قطاع غزة وفي جميع أنحائه بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق وتسليمها إلى جميع المدنيين الفلسطينيين الذين يحتاجون إليها، بمن في ذلك المدنيون في شمال غزة المحاصر، والذين هم في حاجة ماسة إلى الإغاثة الإنسانية الفورية، تحت تنسيق الأمم المتحدة".
ونص المشروع كذلك على دعوة "جميع الأطراف إلى الامتثال الكامل للقانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي". كما طالب جميع الأطراف "بتنفيذ جميع أحكام قرار مجلس الأمن 2735 (2024) بشكل كامل ودون قيد أو شرط ودون تأخير...". كما أكدت المسودة أن "وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تبقى العمود الفقري للاستجابة الإنسانية في غزة، ويدعو جميع الأطراف إلى تمكين الوكالة من تنفيذ ولايتها كما اعتمدتها الجمعية العامة، في جميع مناطق عملياتها".