قانونيون مصريون: تقليص مدة الحبس الاحتياطي غير كافٍ

23 اغسطس 2024
محاكمة مئات المعتقلين بينهم صحافيون، القاهرة، 8 سبتمبر 2018 (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشكك حقوقيون وسياسيون في جدية الحكومة المصرية في تحسين أوضاع حقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بمدد الحبس الاحتياطي وسياسة "التدوير"، القبض العشوائي، الإخفاء القسري، والتعذيب في السجون.
- أكد المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة أن تعديل قانون الإجراءات الجنائية ليس كافياً لإنهاء "كارثة الحبس الاحتياطي"، مشيراً إلى أن القوانين الحالية تمنح سلطات استثنائية واسعة.
- يرى خبراء أن تقليص مدة الحبس الاحتياطي هو جزء من الحل، لكن المشكلة تكمن في منظومة العدالة المتأثرة بتوغل الأمن الوطني، وليس في غياب النصوص القانونية.

يشكك حقوقيون وسياسيون بجدية الحكومة المصرية في تحسين أوضاع حقوق الإنسان، لا سيما المتعلقة بمدد الحبس الاحتياطي في مصر رغم توجيه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بسرعة تفعيل توصيات الحوار الوطني بشأنها. وترجع تلك الشكوك إلى أن مشكلة حقوق الإنسان في مصر، ليست مرتبطة فقط بمدد الحبس الاحتياطي، بل بسياسة "التدوير"، وهي إدخال المتهم في قضية أخرى بعد انتهاء مدة حبسه في القضية الأصلية، وبذلك يظل محبوساً إلى ما لا نهاية. كما يرتبط واقع حقوق الإنسان في مصر، بالقبض العشوائي على المواطنين، وسياسة "الإخفاء القسري"، إضافة إلى التعذيب في السجون، وغيرها من المشكلات.

وذكر المتحدث باسم الرئاسة المصرية، في بيان أمس الأول الأربعاء، أنه "بعد رفع الحوار الوطني للتوصيات بشأن الحبس الاحتياطي والعدالة الجنائية إلى رئيس الجمهورية، وجّه الرئيس بإحالة التوصيات للحكومة وسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل التوصيات المتوافق عليها، استجابة لمناقشات الحوار الوطني التي تميزت بالتعدد والتخصص". وقال السيسي في البيان إن "استجابتي لتوصيات الحوار الوطني، نابعة من الرغبة الصادقة في تنفيذ أحكام الدستور المصري والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان". وشدّد على "أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي"، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي في مصر "كإجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول لعقوبة، مع تفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطي المختلفة، وأهمية التعويض المادي والأدبي وجبر الضرر، لمن يتعرض لحبس احتياطي خاطئ".

كارثة الحبس الاحتياطي في مصر

بالمقابل علّق المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، وهو مؤسسة قانونية مقرها القاهرة، على توجيهات السيسي، مؤكداً في بيان أمس الأول، أن "تعديل قانون الإجراءات الجنائية، ليس كافياً" لإنهاء ما وصفها بـ"كارثة الحبس الاحتياطي في مصر". وذكرت المؤسسة، مع تسليمها بأهمية تقليل مدد الحبس الاحتياطي، وهو مطلب متكرر ودائم لها ولغيرها من مؤسسات المجتمع المدني المعنية، إلا أنها "تصبح بلا جدوى ولا أهمية طالما ظلت نصوص قانون مكافحة الإرهاب بما تتضمنه من سلطات استثنائية واسعة في موضوع الحبس الاحتياطي في مصر قائمة ومطبّقة ونافذة، خاصة المواد 40-42-43 من هذا القانون، الذي مسّ ولأول مرة في تاريخ القضاء المصري بوحدة القواعد الإجرائية للمحاكمات". وأوضحت أن هذا القانون "سمح بعدم التقيد بقواعد قانون الإجراءات الجنائية المتعلقة بمدد الحبس الاحتياطي، بل ووضع قواعد إجرائية جديدة غير تلك التي ينص عليها قانون الإجراءات الجنائية".

كما أكدت المؤسسة في السياق ذاته أنه لا جدوى من تقليل مدد الحبس الاحتياطي في مصر "طالما أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية لم يتضمن ضمانة واضحة وجازمة تحول دون استمرار ظاهرة تدوير المحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا أخرى لتبرير استمرار حبسهم (والتي تعد نسخة معدلة لظاهرة الاعتقال المتكرر التي عانى المواطنون منها في مرحلة التسعينيات، في القضايا ذات الصبغة السياسية، وراح ضحيتها عشرات الآلاف قبل أن يتم وقف العمل بها)".

عمرو هشام: تقليص مدة الحبس الاحتياطي جزء من حل مشكلة حقوق الإنسان بمصر

وفي هذا الصدد، يقول المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، الدكتور عمرو هاشم ربيع، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تقليص مدة الحبس الاحتياطي في مصر لا يحل المشكلة المرتبطة بوضع حقوق الإنسان في البلاد، ولكنه جزء من الحل". ويضيف أن "مشكلة الحبس الاحتياطي لها أربعة أبعاد، وهي المدد والتعويض وسياسة الدمج والتدوير". ويوضح ربيع أن "الحبس الاحتياطي في مصر ليس العقبة الوحيدة، لأن الجهات الحقوقية تشتكي من الإخفاء القسري والقبض العشوائي، مثل ما حصل مع (المتحدث السابق باسم الحركة المدنية الديمقراطية وأحد مؤسسيها) المهندس يحيى حسين عبد الهادي (قبض عليه الشهر الماضي)، وحرية النشر، وحق التظاهر، وأوضاع السجون، وحرية الإعلام، والحريات الأكاديمية".

تلطيف صورة الحكم

بدوره، يقول مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان بهي الدين حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ 23 يوليو/تموز 1952، ومصر لا تحكم بدستور أو قانون أو برلمان أو مجلس وزراء، بل بالإرادة المنفردة للحاكم المستند إلى دعم المؤسسة العسكرية والأمنية"، مضيفاً أن "ذلك الحاكم يحتاج من وقت إلى آخر، لتلطيف صورة الحكم بشكل خاص عندما يكون إزاء مناسبات دولية مهمة نسبياً". ويرى حسن أنه "مع استفحال أزمة مصر الاقتصادية وتجاوز ديونها نسبة 90% من إنتاجها الإجمالي، واحتياج دائني مصر التبرير لشعوبهم دعم الحكم العسكري المستبد، فإنهم يحتاجون من وقت إلى آخر تبريرات ولو ورقية تجعل الرأي العام في بلادهم يبتلع ولو على مضض هذا الدعم الذي يقدم باعتباره إنسانياً للحد من فقر المصريين".

 بهي الدين حسن: احتاج السيسي لاستخدام ورقة لا قيمة لها عنوانها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان

ويوضح أنه "لذلك احتاج السيسي منذ عامين إخراج ورقة لا قيمة لها عنوانها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وتشكيل لجان كرنفالية لما وصفها حسن بـ"اللا عفو الرئاسي"، والـ"لا حوار الوطني"، ثم أخيراً "تعديلات شكلية" على قانون الحبس الاحتياطي في مصر. ويعتبر حسن أن هذه التعديلات "لا تغل أيدي الأجهزة الأمنية، ولا القضاة عن مواصلة قمع المصريين وحبسهم وقتما يرغبون ولأي مدة يرونها مناسبة، على النحو الذي تواصل بعد الاستراتيجية والحوار ولجان العفو الرئاسي".

من الناحية القانونية، يقول مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، المحامي خلف البيومي، في حديث لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن مشكلة السجناء والمعتقلين في مصر ليست في غياب النصوص الدستورية والقوانين المنظمة للحبس الاحتياطي، والظن بذلك أمر خاطئ وغير صحيح". ويعزو ذلك إلى أن "المشكلة في منظومة العدالة بصفة عامة، في ظل توغل الأمن الوطني واستفحاله، مع عدم وجود استقلال حقيقي للقضاء"، مضيفاً: "بالتالي يصبح الحديث عن تحديث نصوص أمرا لن يترتب عليه تحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر".

ويتابع: "كما نعتقد أن الحكومة المصرية بالحديث عن الحبس الاحتياطي، تحاول أن تخفف حدة الانتقادات الموجهة إليها من الخارج، والخروج بتوصيات أقل في الاستعراض الدوري الشامل المرتقب بالأمم المتحدة حول أوضاع حقوق الإنسان". وأضاف البيومي أنه "على الرغم من ذلك، فهذا لا ينفي ولا يمنعنا من أن نبدي رغبتنا في تعديل قانون الحبس الاحتياطي في مصر ووضع حد لتجاوزات بعض الهيئات القضائية، وهو أمر بحال حدوثه فقد يكون مفيداً في المستقبل حال تغير إرادة النظام".

المساهمون