فوجئ نواب البرلمان المصري، يوم الثلاثاء الماضي، بمشروع قانون جديد محال على نحو عاجل من مجلس الوزراء، لرفع سنّ تقاعد رتبة "الفريق" المنصوص عليه في قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسّلحة، من 64 إلى 65 عاماً، مع توصية من وزير الدفاع، الفريق أول محمد زكي، وهيئة مستشاري مجلس الوزراء والأمين العام لمجلس النواب، أحمد عزت مناع، بسرعة الموافقة على المشروع. وبالفعل تمّ تمرير مشروع القانون على عجالة، دون معرفة السبب الحقيقي لذلك.
تمّ تمرير مشروع القانون بسرعة قياسية في البرلمان المصري
وكعادتها، جاءت المذكرة الإيضاحية المرفقة بالمشروع، مكتظة بالعبارات الإنشائية، دون أي دلالة ذات مغزى، مرجعة المقترح إلى "ما كشف عنه التطبيق العملي، من أن المدة المقررة حالياً للاستمرار في رتبة الفريق، بعد الترقي إليها، لا تسمح لحاملها بالاستمرار بالخدمة على النحو الذي يحقق نقل خبراتهم المكتسبة إلى مرؤوسيهم، وكذا شغل الوظائف القيادية الأعلى، بما يتماشى مع تطور أنظمة الخدمة للقوات المسلحة". ومن دون أي إجراءات أخرى بعد موافقة البرلمان الروتينية والسريعة، أحيل المشروع لرئاسة الجمهورية، ليصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التعديل كقانون رسمياً، بتاريخ 27 مايو/أيار الحالي، أي أن القانون ظهر ونوقش وصدق عليه وصدر خلال 48 ساعة فقط.
والسرعة الفائقة ليست الأمر الوحيد اللافت في هذا القانون. فبعد تعديل سنّ التقاعد لرتبة الفريق فقط، وهي ثالث أعلى رتبة في الجيش المصري، أصبحت هناك مفارقة في جدول سنّ التقاعد في القانون. فتقاعد رتبة اللواء يحصل ببلوغ 58 عاماً، والفريق 65 عاماً، والفريق أول 62 عاماً، والمشير 65 عاماً. أي أن سن تقاعد رتبة الفريق أصبح أكبر من سن تقاعد الرتبة الأعلى منه، التي يشغلها حالياً وزير الدفاع محمد زكي، ومساوياً لرتبة المشير غير المشغولة حاليا، والتي كان السيسي نفسه آخر من تمتع بها قبل ترشحه لرئاسة الجمهورية في 2014.
فما الذي دفع السيسي والمجلس الأعلى للقوات المسلحة للتعديل الذي يصنع هذه المفارقة الغريبة؟ مصادر حكومية رفيعة المستوى كشفت الإجابة لـ"العربي الجديد"، وتتمثل باختصار في اسم الفريق أسامة عسكر، الرئيس الحالي لهيئة عمليات القوات المسّلحة.
تنص المادة 12 مكرراً من قانون التقاعد والترقية والمعاشات للقوات المسلحة، على أنه يجوز لرئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، مدّ الخدمة لسنة واحدة أو أكثر بعد بلوغ سن التقاعد لكل من وزير الدفاع ورئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة الأفرع الرئيسية الثلاثة فقط، بما يعني أنهم مُعفَون من ضرورة التقاعد في السن المحددة، إذا أصدر الرئيس المصري قراراً باستمرارهم في الخدمة.
أصبحت هناك مفارقة في جدول سنّ التقاعد في القانون، بين الرتب العسكرية
وعلى هذا الأساس، تخطى وزير الدفاع محمد زكي سن 65 وهو برتبة الفريق أول، وتخطى رئيس الأركان محمد فريد حجازي الـ67 عاماً وهو برتبة الفريق، كونهما من أصحاب الوظائف التي يمكن لرئيس الجمهورية مدّ خدمتها لما بعد سن التقاعد. وحصل الأمر ذاته مع قائد الدفاع الجوي، اللواء محمد حجازي عبد الموجود، الذي أكمل 58 عاماً، هي سن تقاعد رتبة اللواء، ومدّ له السيسي باعتباره قائداً لفرع رئيسي. أما قائد القوات البحرية المقرب من السيسي، الفريق أحمد خالد حسن، فقد تخطى الـ63 عاماً فقط ولم يبلغ بعد سن التقاعد، والأمر ذاته بالنسبة لقائد القوات الجوية، الفريق محمد عباس حلمي، الذي تخطى 60 عاماً فقط، فلم يبلغ سن التقاعد بعد.
وخارج هذه المجموعة، لا يحظى برتبة الفريق إلا ضابط واحد هو الفريق أسامة عسكر، الذي يكمل غداً في الأول من يونيو/حزيران، الـ64 عاماً، وهو سن التقاعد بالنسبة لرتبة الفريق، قبل تعديل القانون منذ أيام، لتضاف سنة جديدة إلى مسيرته العسكرية بحكم القانون، إذ إنه لا يشغل أياً من الوظائف التي يُسمح بتجاوز سن التقاعد فيها بمجرد إصدار قرار جمهوري.
والعلاقة بين السيسي وعسكر متميزة للدرجة التي دفعت من قبل الأول لاستحداث وظائف بعينها للثاني، مثل قيادة منطقة شرق القناة ومكافحة الإرهاب من يناير/كانون الثاني 2015 إلى ديسمبر/كانون الأول 2016، حين تم إبعاد عسكر، الذي كان أصغر من يحمل رتبة الفريق في ذلك الوقت، إلى منصب جديد أيضاً استُحدث له خصيصاً، لكنه مكتبيّ، هو مساعد وزير الدفاع لشؤون تنمية سيناء.
وفي خريف 2017، ثارت شائعات عن إبعاد لعسكر من مناصبه وتجريده من سلطاته بسبب مخالفات مالية، لكن المصادر أكدت أنه كان قد خضع للتحقيق فقط في ادعاءات تتعلق بتلك المخالفات، وأسندت إليه لفترة أعمال إدارية أقل أهمية، مثل مسؤول مشروعات الجيش في المنطقة المركزية.
وفي ديسمبر 2019، أي بعد ثلاثة أشهر من تظاهرات سبتمبر/أيلول الضخمة وتصاعد الحديث عن فساد المشروعات العسكرية على لسان المقاول محمد علي، قرّر السيسي تصعيد أسامة عسكر مرة أخرى إلى منصب مميز، هو رئيس هيئة العمليات في القوات المسلحة، في خطوة غير معتادة، وتتمثل في أن يعود قائد عسكري يحمل رتبة الفريق إلى وظيفة مهمة بعدما أُبعد بالفعل. وجاء ذلك إلى جانب احتفاظ عسكر بملف تنمية سيناء في القوات المسلحة.
العلاقة بين السيسي وعسكر متميزة لدرجة دفعت الأول لاستحداث وظائف بعينها للثاني
ووفقاً للمصادر، فقد أعاد السيسي عسكر لهذا المنصب الكبير، بعدما رصد استياء واسعاً داخل الجيش من انتشار الشائعات والمعلومات عن الفساد المالي لبعض القيادات، وبصفة خاصة في الهيئة الهندسية والاستخبارات الحربية، ليس بعدما أثار محمد علي ذلك في مقاطع الفيديو الخاصة به فحسب، بل كذلك بسبب معلومات متداولة على نطاق واسع، اعتبرها شباب الضباط إهانة للعسكرية المصرية. وربط بعضهم بين ظهور تلك المعلومات وبين الأقاويل التي مسّت الفريق أسامة عسكر تحديداً بعد إبعاده من منصبه العسكري، والحديث عن تورطه في وقائع فساد وعدم الرد عليها رسمياً، رغم ثبوت عدم صحتها، بحسب المصادر، بعد تحقيقات موسعة فتحت بواسطة رئيس الأركان السابق وصهر السيسي، الفريق محمود حجازي.
وأوضحت المصادر أنه في الوقت الذي كانت بعض وسائل الإعلام تتحدث عن تحديد إقامة عسكر ومحاكمته عسكرياً، كان الأخير يتولى بالفعل الإشراف المالي والإداري على العديد من المشاريع بتكليف مباشر من السيسي ووزير الدفاع. وعلى رأس هذه المشاريع، مشروع جامعة الملك سلمان وغيره مما ينفذه الجيش في جنوب سيناء، الأمر الذي استدعى في تلك اللحظة تدخل السيسي لإعادته لمنصب رفيع في الجيش، بهدف إعادة اللُّحمة للقوات المسلحة وإسكات الحديث المتصاعد، سواء عن توابع الفساد المالي أو عدم ردّ الاعتبار لعسكر، الذي يحظى بشعبية كبيرة في الجيش بسبب خدمته الطويلة في الجيش الثالث الميداني وسلاح المشاة.
ولم يكتف السيسي بإعادة عسكر لمنصب كبير، بل منحه سلطات واسعة بالفعل، زادت بمرور الوقت في إطار تنظيم العلاقة بين الجيش والمؤسسات الحكومية المدنية، والإشراف على المشروعات المرفقية والخدمية في محافظات سيناء والقناة والدلتا تحديداً.
وبحسب المصادر، أصبح عسكر في العامين الأخيرين صاحب الكلمة الأولى والأهم في مجال التعاون بين المحافظين والمحليات والهيئة الهندسية، وملف مخالفات البناء الذي أسنده السيسي للجيش خلال الحملة الرسمية الكبرى بشأنها في 2020. كما ترأس خلال الشهرين الماضيين اللجان المشتركة بين الجيش والمحليات، لمراجعة شروط البناء وقيود الارتفاعات القصوى في القرى والمدن الإقليمية.
كما يشرف عسكر على المشروع القومي لإقامة التجمعات البدوية في سيناء، والذي يهدف إلى تطوير عمراني وسكني متكامل الخدمات والمرافق من طرق ومحاور وإمدادات طاقة وشبكات ري لزراعة واستصلاح الأراضي، ويتضمن تطوير الطرق والمحاور الرئيسية لمدينة العريش، وتطوير الطرق والمحاور بشرم الشيخ، وجامعة الملك سلمان بفروعها الثلاثة.