- المحامي الحقوقي ناصر أمين يعتبر التعديلات تحايلًا لزيادة مدد الحبس الاحتياطي، مخالفةً لقواعد العدالة وغير قانونية وغير دستورية.
- على الرغم من النقد، تتسق التعديلات مع مبدأ التقاضي على درجتين في مصر، مع التأكيد على أهمية تطبيق ضمانات المحاكمة العادلة في مراحل القبض والتحقيق والمحاكمة.
قبل أيام انتهت اللجنة الفرعية في مجلس النواب المصري، المشكّلة لصياغة ومراجعة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد المقدم من الحكومة، من إعداد مسودة المشروع تمهيداً لعرضه على لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، ومن ثم عرضه على مجلس النواب في جلسته العامة، من دون النظر إلى مطالب الجماعات الحقوقية في مصر، والتي نادت على مدار سنوات بالعديد من المطالب منها تخفيض مدد الحبس الاحتياطي.
واستعرضت اللجنة الفرعية بمجلس النواب في اجتماعها الأخير، الأحد الماضي، الصياغات النهائية لمواد مشروع القانون، وأبرزها "تخفيض مدد الحبس الاحتياطي في الجنح والجنايات"، إذ وافقت في اجتماعها، يوم 6 مارس/ آذار الحالي، على تخفيض المدد لتكون في الجنح 4 أشهر بدلاً من 6 أشهر، وفي الجنايات 12 شهراً بدلاً من 18 شهراً، و18 شهراً بدلاً من سنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد أو الإعدام.
كما عيّنت وفق تعديلات قانون الإجراءات الجنائية حداً أقصى للحبس الاحتياطي من محكمة جنايات الدرجة الثانية أو محكمة النقض في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد، ليصبح سنتين بحد أقصى، بدلاً من عدم التقيّد بمدة.
لكن الخطير أنّ التعديلات أفقدت القانون "إلغاء الحد الأقصى للحبس الاحتياطي في بعض الجرائم" و"إعطاء المحكمة الحق في عدم سماع الشهود"، كذلك أفقدت المحكوم عليه، الحق بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر، وأن يطلب تشغيله خارج السجن بدلاً من تنفيذ العقوبة.
سلسلة من التعديلات على قانون الإجراءات الجنائية في مصر
وخلصت اللجنة إلى نتائج عملها حول مشروع القانون في ظل غياب دور الحوار المجتمعي حوله، ومن دون النظر إلى المطالبات الحقوقية المزمنة، ورؤيتها حول هذا القانون، لضمان محاكمات عادلة، وذلك بعد سنوات من استنزاف أعمار المتهمين في الحبس الاحتياطي من دون مبرر، إذ يعد قانون الإجراءات الجنائية الحلقة الأولى والأهم لضمان عدالة المحاكمة.
وخضع قانون الإجراءات الجنائية لمراحل من التعديلات على مدار سنوات، طمست ملامحه الأولى، بالالتفاف على نصوصه التي كانت عليه قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. لتأتي مسودة القانون الصادرة أخيراً، قبل عرضه للمناقشة العامة في مجلس النواب، لتلتف ثانية على تلك النصوص ولا تحقق الحد الأدنى حتى مما كان عليه سابقاً.
وأجرى المشرّع المصري، ممثلاً في رئيس الجمهورية ومجلس النواب، 6 تعديلات منذ 2011، على قانون الإجراءات الجنائية، وذلك في أعوام 2013 و2014 و2015 و2017، إلى جانب تعديل القانون الخاص بطرق الطعن أمام محكمة النقض (2016 و2022)، والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقانون الإجراءات الجنائية.
لتكون أحدث التعديلات من قبل اللجنة الفرعية في مجلس النواب المصري، المشكلة لصياغة ومراجعة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد المقدم من الحكومة في 6 مارس/آذار الحالي.
تحايل لزيادة مدد الحبس الاحتياطي
واعتبر رئيس مؤسسة "دعم العدالة بالمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة" في مصر، المحامي الحقوقي ناصر أمين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "ملامح المشروع الذي تم طرحه، تحايل واضح للنصوص غير الدستورية التي نظمت الحبس الاحتياطي خلال الفترة الماضية"، كما أنه "تحايل واضح على تخفيض مدد الحبس الاحتياطي، وإتاحة الفرصة لزيادتها مرة أخرى".
أمين: تمديد فترة الحبس الاحتياطي غير قانوني وغير دستوري
وأضاف أنه "لم ينظر إلى الطلبات التي قدمت للحوار الوطني والتي كانت تطالب بالرجوع إلى قانون الإجراءات الجنائية، وتحديداً إلى تعديلات القانون عام 2006، والتي لا تزيد فيها فترة الحبس الاحتياطي في الجنايات عن 12 شهراً، وفي بعض الحالات التي تكون فيها العقوبة السجن المؤبد أو الإعدام تصل إلى الحبس الاحتياطي 18 شهراً كحد أقصى، إلا أنها لم تؤخذ أيضاً في الاعتبار".
وتابع أمين أن "الإصرار على تمديد وزيادة فترة الحبس الاحتياطي، وحتى عدم الأخذ بما جاء في الحوار الوطني، هو تحايل مرفوض، لأن جهات التحقيق إذا أرادت أن تمد حبس متهم لمدد طويلة، ما عليها إلا أن تضيف مواد اتهام فقط تصل عقوبتها إلى المؤبد أو الإعدام، ومن ثم يمكنها مد الحبس لمدد طويلة عن طريق التحايل على التعديلات".
واعتبر أن هذا الأمر "غير قانوني وغير دستوري ويخالف قواعد العدالة، والتي تنص على أن إجراء الحبس الاحتياطي هو إجراء احترازي احتياطي مؤقت، الغرض منه هو حفظ الأدلة وإتاحة الفرصة للتحقيق وليس للتنكيل".
استعجال الحكومة في تعديل قانون الإجراءات الجنائية
من جهته، قال عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، عمرو هاشم ربيع، لـ"العربي الجديد"، إن "الحوار الوطني لم يُصدر توصيات أصلاً بشأن مسألة الحبس الاحتياطي، إذ لم تُعقد لها جلسة من الأساس"، مضيفاً أنه "حتى لو عقدت الجلسة فليس معنى ذلك أن الحكومة كانت ستأخذ بتوصياتها".
ربيع: كان على الحكومة أن تطلب جلسة للحوار الوطني للعمل على التعديلات
وتابع ربيع أن "النقد الذي يمكن أن يوجه للحكومة في هذا الإطار، هو أنها مستعجلة في تعديل القانون، وكان عليها أن تطلب جلسة للحوار الوطني للعمل على التعديلات، أو أن يأتي تكليف من الرئيس (عبد الفتاح السيسي) وترفع النتائج للحكومة"، مضيفاً أن الأخيرة استبقت الحوار الوطني، لأنها متأكدة أنه "لن ينعقد في رمضان".
ولفت إلى أنه "كان لا بد من تكليف من الرئيس مثلما حدث في قانون التعليم، عندما أرسلوا لنا مشروع القانون الذي وضعته المفوضية (التعليم)، وطلبوا منا مناقشته".
بدوره قال المحامي الحقوقي، ومدير مركز "الشهاب لحقوق الإنسان"، خلف البيومي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "التعديلات الأخيرة على قانون الإجراءات الجنائية، تتسق مع المبدأ المعمول به في مصر، وهو التقاضي على درجتين".
واعتبر أن التعديلات "خطوة جيدة ولكن تحتاج لتطبيق صحيح"، موضحاً أنه "لا يصح أن تكون الدرجة الثانية من درجات التقاضي أمام دائرة جنايات مغايرة، ولكن بنفس درجة المحكمة التي أصدرت الحكم".
وأضاف: "عموماً ضمانات المحاكمة العادلة ليست فقط تمكين المتهم من الطعن على الحكم، فهناك ضمانات من قبل عملية القبض وعند التحقيق الابتدائي معه، وضمانات أثناء المحاكمة وبعدها، وللأسف ما زالت معظم تلك الضمانات مُهدرة".