في خطوة لا تتناسب مع تحديث المنظومة السياسية في الأردن، سلب قانون الإدارة المحلية الجديد لسنة 2021 (البلديات واللامركزية)، الذي أُقر نهاية أغسطس/آب الماضي من قبل مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب، جزءاً كبيراً من حقوق المواطنين بصناعة القرار، وأعادها إلى النظام البيروقراطي من جديد، مع خروج القانون منزوعاً من الدسم السياسي، بما يسجل تراجعاً إلى الخلف في الطريق الديمقراطي وحق المواطنين في اتخاذ القرار.
واعتبر القانون جميع مجالس المحافظات مُنحلّة من تاريخ نشر القانون بالجريدة الرسمية، مع تشكيل لجان مؤقتة لحين إجراء الانتخابات المقبلة، وذلك لمعالجة الفراغ الواقع، إذ إنه لا توجد جهة لتحل محل مجالس المحافظات التي انتهت ولايتها القانونية في 23 أغسطس الماضي. مع العلم أن موعد الانتخابات البلدية والمحلية المقبلة لم يحدد بعد. وأتاح القانون لوزير الإدارة المحلية، بموافقة مجلس الوزراء، تعيين عضوين إضافيين في كل مجلس محافظة أو مجلس بلدي، ويكون لهما حقوق الأعضاء الآخرين.
ومنح القانون الوزير، حق التحقق من مدى التزام مجالس المحافظات والبلديات بتطبيق القانون، والتفتيش على أي مجلس محافظة أو بلدية من قبل الوزير أو الموظف المختص، واعتبار إعاقة ذلك بمثابة إعاقة موظفي الدولة عن القيام بوظائفهم الرسمية. ويحق للوزير كف يد المجلس عن العمل لمدة لا تزيد عن سنة، وفي هذه الحالة يعيّن الوزير لجنة مؤقتة تقوم مقام المجلس البلدي.
الحجايا: أصبح وزير الإدارة المحلية رئيس البلديات الأوحد في البلاد
والقانون الجديد يُلغي قانوني البلديات رقم 41 لسنة 2015، واللامركزية رقم 49 لسنة 2015، وينظم حقوق وواجبات رئيس البلدية وأعضاء المجلس، والمكافآت التي يستحقونها وإجازات الرئيس، وما يُحظر على الأخير والأعضاء القيام به، والعقوبات التي تتخذ بحقهم بموجب نظام يصدر لهذه الغاية، إضافة إلى معالجة القانون لحالات فقد العضوية أو شغور المنصب.
واشترط القانون الحصول على الشهادة الجامعية الأولى (البكالوريوس) للترشح إلى موقع رئيس البلدية في بلديات الفئة الأولى، وأن يكون الرئيس حاصلاً على الدبلوم لبلديات الفئة الثانية. فيما اشترط القانون أن يكون رئيس البلدية حاصلاً على الثانوية العامة (أي يقرأ ويكتب) لبلديات الفئة الثالثة.
ويُصنّف القانون البلديات ضمن ثلاث فئات: أولى، وثانية، وثالثة. وتضم الفئة الأولى بلديات مراكز المحافظات والبلديات التي يزيد عدد سكانها على 200 ألف نسمة، فيما تضم الفئة الثانية بلديات مراكز الألوية (تتألف المحافظات من ألوية وأقضية) والبلديات التي يزيد عدد سكانها على 50 ألف نسمة ولا يتجاوز 100 ألف نسمة، بينما تضم الفئة الثالثة باقي البلديات.
وجرى أخيراً أيضاً إقرار قانون أمانة عمّان، والذي ينصّ على تعيين أمين العاصمة من قبل مجلس الوزراء وكذلك ثلث أعضاء المجلس، فيما ينتخب سكان العاصمة ثلثي أعضاء المجلس انتخاباً مباشراً، مع تخصيص ما لا يقل عن 25 في المئة من المقاعد للنساء.
وفي سياق متصل، قال رئيس لجنة الإدارة المحلية، المنبثقة عن اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وليد المصري، وهو وزير سابق للإدارة المحلية ونائب سابق لرئيس الوزراء، في تصريحات صحافية أخيراً: "وضعنا خريطة طريق متدرجة واقترحنا الوصول إلى حكم محلي في 2034 عبر إيجاد مجالس أقاليم تنموية وليست جغرافية، بحيث تُنقل الصلاحيات من المركز، وتتولى الحكومة مسائل الداخلية والخارجية والأمن والقوات المسلحة والميزانية، والباقي ينقل وينفذ من قبل مجالس الأقاليم".
وتعليقاً على القانون، قالت رئيسة بلدية لواء الحسا (في محافظة الطفيلة) السابقة، المهندسة رنا الحجايا، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "القانون الجديد لا يلبي الحد الأدنى من طموحات الناس، فقد أعطى صلاحيات كبيرة لوزير الإدارة المحلية على حساب المجالس المنتخبة، في الوقت الذي يفترض أن تكون الصلاحيات أكبر لرئيس البلدية، خاصة أن القانون يؤكد أن البلديات مستقلة مالياً وإدارياً". وبحسب الحجايا، فقد "رسخ القانون السلطة بيد الوزير، ليصبح وزير الإدارة المحلية رئيس البلديات الأوحد في البلاد"، مشيرة إلى أن القانون "دمج بين مجالس البلديات ومجالس المحافظات، والأصل أن مجالس المحافظة مختلفة عن البلدية، وصلاحيات ونطاق عملها مرتبط بالمحافظ وبالتالي بوزارة الداخلية".
وأضافت الحجايا أن "الأشخاص القائمين على صناعة القوانين، تنقصهم الإرادة الحقيقة لتحقيق اللامركزية، وفاقد الشيء لا يعطيه"، معتبرةً أن "هناك تناقضات في القانون". ورأت أن القانون "فيه بنود غير منطقية عندما ينصّ على إقامة البلديات للمستشفيات، فيما أغلب البلديات مواردها المالية محدودة جداً". ولفتت إلى أن "لجنة الإدارة المحلية في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، رئيسها وزير سابق لمرات عدة ولم يحدث أي تغيير يذكر".
وأشارت الحجايا إلى أن "مجلس النواب خاض حوارات ماراثونية مع مختلف القطاعات في المملكة لتبادل المقترحات والملاحظات، لكنه لم يعدل أي شيء في القانون سوى اسمه بدلاً من قانون البلديات واللامركزية أصبح قانون الإدارة المحلية فقط لتلافي أي إشكالات قانونية، من دون إعطاء صلاحيات أكبر للرؤساء والأعضاء المنتخبين". ورأت المتحدثة نفسها أن "الجريمة الكبرى في القانون هي غياب صلاحيات رئيس البلدية، وهذا أمر غير سهل، وعدم منحه الصلاحيات، يعني وجود علامة استفهام كبيرة".
واعتبرت الحجايا أن "وضع مجالس البلديات والمحافظات معاً في بوتقة واحدة، تحت إدارة وزارة الحكم المحلي على الرغم من أن مجالس المحافظات كانت تتبع في الأصل وزارة الداخلية، يؤدي إلى تداخل الصلاحيات، فيما يسمح القانون لوزارة الداخلية بالتهرب من إشراك الشعب في قراراتها، والتعامل معها على أنها وزارة أمنية، مع أن التوجهات الحديثة توظف دورها في إطار التنمية المحلية". وأشارت إلى أن القانون الجديد "غير قادر على إيجاد الرقابة الحقيقية على عمل البلدية، وبالتالي علينا ألا نتفاءل بأن يكون لدينا حكم لامركزي قبل عام 2034، وربما في ذلك الوقت لن يتحقق هذا الأمر أيضاً".
بدوره، رأى أستاذ القانون في جامعة العلوم الإسلامية في الأردن، حمدي قبيلات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قانون الإدارة المحلية عادة هو نوع من المشاركة السياسية على المستوى المحلي، وربما أشبه بالتدريب على العمل السياسي للمرشحين والناخبين"، مضيفاً أن "البعد الديمقراطي موجود، فهناك اعتبارات سياسية وليس التنظيم المحلي وتقديم الخدمات فحسب، وهو أحد أهداف برنامج اللامركزية في الأردن لتعزيز المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار".
قبيلات: قانونا الإدارة المحلية وأمانة عمّان بوضعهما الحالي، لا يلبيان الطموحات
لكن قبيلات أشار إلى أن "قانوني الإدارة المحلية وأمانة عمّان بوضعهما الحالي، لا يلبيان الطموحات، وهناك مآخذ عليهما، إذ ما زال هناك إصرار حكومي على تعيين أمين عمان (عمدة العاصمة) وثلث الأعضاء من قبل مجلس الوزراء، وهذا ينتقص من الديمقراطية على المستوى المحلي، ويشكك في قدرة السكان على اتخاذ القرار الصحيح، ويعني أن الحكومات تمارس الوصاية عليهم". وتابع: "أما في البلديات، فالانتقاص جاء من خلال تشكيل مجالس المحافظات، فالقانون نص على أن تتشكل المجالس من أعضاء منتخبين وآخرين معيّنين بحكم المناصب، وهو ما يعني انتقاصاً من فعل المشاركة السياسية، والأصل أن يكون المجلس منتخباً بطريقة مباشرة. كما أن القانون يمنح الوزير حق تعيين أعضاء في هذه المجالس".
ورأى قبيلات أن "القانونين فيهما هيمنة كبيرة من السلطة المركزية على السلطات المحلية، مما يضعف البعد السياسي لهذه المجالس، ويجعلها تابعة للإدارة المركزية، في الوقت الذي تعلن فيه الأدبيات الحكومية إعطاء صلاحيات أوسع للسلطات اللامركزية". وتابع: "الوزير يهيمن على أكثرية التفاصيل بحكم القانون، ولا سيما لناحية قرارات الحل والرقابة والتفتيش، وتعيين أعضاء إضافيين، وهذا ينتقص من المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار".
وحول اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، قال إنّ "تشكيل لجنة فرعية في لجنة تحديث المنظومة السياسية للإدارة المحلية يكشف غياب التنسيق عند صانع القرار الأردني، ففي الوقت الذي كان القانون في أروقة مجلس النواب، تم تشكيل هذه اللجنة الفرعية. ومخرجات هذه اللجنة كان يجب أن تمر في القنوات الدستورية، لكن الآن مخرجاتها بلا قيمة مع صدور القانون الجديد، إذ لم يكن هناك أدنى تنسيق بين اللجنة الملكية ومجلس النواب، وما ستخرج به اللجنة لن يكون أكثر من توصيات خاصة والبساط سحب من تحت أقدامها بإقرار القانون".