يبرز ملف قانون "النفط والغاز" على طاولات الحوارات السياسية المتعلقة بتشكيل الحكومة العراقية، بين بغداد وأربيل، عاصمة إقليم كردستان شمالي البلاد، لا سيما بعد انسحاب "التيار الصدري" من العملية السياسية، الأمر الذي زاد الأزمة تعقيداً.
ويتزامن فتح ملف القانون حالياً مع قرار المحكمة الاتحادية، منتصف مارس/آذار الماضي، الذي عدّ أنشطة الإقليم النفطية بمعزل عن بغداد مخالفة قانونية. وأدى ذلك إلى تجميد عمل بعض الشركات النفطية الأجنبية انصياعاً للقرار، مثل شركتي "شلمبرغير" و"بيكر هيوز" الأميركيتين لخدمات حقول النفط.
وتعتبر حكومة إقليم كردستان أن بغداد تمارس ضغطاً على الشركات الأجنبية العاملة في مدن الإقليم، فيما تؤكد، في بياناتها الرسمية، أنها ستدافع عن المستحقات المالية للإقليم وحقوقه الدستورية بكل السبل، وما يضمن استحقاقاته بما أفرزته نتائج الانتخابات الأخيرة، وحصصها في الوزارات، في الوقت الذي طعنت المحكمة الاتحادية العليا بإجراءات حكومة الإقليم أحادية الجانب في مجال استخراج وتصدير النفط من حقول النفط هناك بمعزل عن بغداد.
ملف إدارة حقول النفط ورقة تفاوض
وتؤكد مصادر سياسية في إقليم كردستان أن الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني، يضغط حالياً على القوى السياسية والأحزاب المنضوية ضمن تحالف "الإطار التنسيقي"، لوضع ملف إدارة أربيل لحقول النفط والغاز الموجودة في الإقليم ضمن أبرز أوراق التفاوض مع تلك القوى المتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة.
حكومة إقليم كردستان منزعجة من قرارات المحكمة الاتحادية بشأن الملف النفطي الكردي
وينص قانون النفط والغاز في العراق، الذي يراوح مكانه في البرلمان منذ 2005 بسبب خلافات سياسة مع القوى الكردية، على أن مسؤولية إدارة الحقول النفطية في البلاد يجب أن تكون مناطة بشركة وطنية للنفط، يشرف عليها مجلس اتحادي متخصص بهذا الموضوع، أي أن بغداد هي المسؤولة عن النفط في كردستان، وهو ما ترفضه أربيل، وتعتبر أنه إجراء يخالف الدستور.
وتكمن نقطة الخلاف بين بغداد وأربيل إلى الدستور العراقي أيضاً، الذي تحوّل في السنوات الأخيرة إلى مادة جدل واسعة حيال مواده الفضفاضة القابلة للتأويل والتفسير بأكثر من وجه.
وتقول بغداد إن المادة 112 من الدستور منحت الحكومة الاتحادية حق إدارة جميع الموارد الطبيعية، من النفط والغاز والحديد والفوسفات وغيرها. لكن أربيل تتشبث بعبارة وردت في المادة ذاتها، تتحدث فيها عن "الشراكة" بين الحكومة الاتحادية والإقليم في إدارة الموارد الموجودة بمحافظات الإقليم الثلاثة، وترفض من خلالها السلطة المطلقة لبغداد على الملف، وتمنح نفسها الحق في إدارة عمليات الاستخراج والتنقيب الحالية وحتى التعاقد مع الشركات الأجنبية.
ترحيل قانون النفط أربع سنوات
وقالت مصادر مسؤولة من إقليم كردستان، لـ"العربي الجديد"، إن "بعض القيادات والأطراف الفاعلة والمساهمة في حوارات تشكيل الحكومة الجديدة، قطعت وعداً للإقليم بأن قانون النفط والغاز سيُرحّل إلى أربع سنوات جديدة، وهو جزء من طلبات الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل من قوى الإطار التنسيقي".
وأوضحت أن "حكومة الإقليم منزعجة من قرارات المحكمة الاتحادية بشأن الملف النفطي الكردي، ويعتقد المسؤولون في الإقليم أن هناك دفعاً من قبل أطراف سياسية باتجاه توتر جعل المحكمة تصدر قرارات بالضد من الإقليم".
وبحسب المصادر، فإن ملف النفط ومنح الحق لأربيل في إدارته، أو على الأقل الاستمرار بالوضع الحالي، هو الحاضر بقوة في مفاوضات الكتل الكردية مع تحالف "الإطار التنسيقي"، وهناك اتفاق سياسي كردي من مختلف أحزاب الإقليم حول ذلك.
فصائل مسلحة ترفض تمرير صفقة مع أربيل
وأشارت إلى أن بعض الفصائل المسلحة، مثل "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله"، أبرز الرافضين لأي صفقة جديدة مع أربيل تتعلق بملف النفط، فيما لا تمانع بقية الأطراف في "الإطار التنسيقي" عقد تسوية تنهي الأزمة السياسية الحالية، بما فيها الجزء المتعلق بموضوع النفط.
من جهته، قال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل عماد باجلان، لـ"العربي الجديد"، إن إقليم كردستان يسعى إلى "ضمان حقوق الأكراد"، في تأكيد منه على دخول ملف النفط والغاز بصلب حوارات تشكيل الحكومة المقبلة. وأضاف باجلان أن "طرح الطاقة أو الاقتصاد وغيرها مما يتعلق بالاستحقاقات من قبلنا، ليس خطأ".
وتحدث عما وصفه بـ"إرادة سياسية تسعى إلى بثّ الاتهامات ضد إقليم كردستان، مثل سرقة النفط العراقي، والتطبيع مع إسرائيل، ورعاية مصالح أجنبية مشبوهة. وتدعم هذه الأكاذيب ماكينات إعلامية ممولة من أموال العراقيين"، واصفاً موقف أربيل في أزمة النفط والغاز بأنه "نابع من قلب الدستور وينسجم مع طبيعة القوانين العراقية".
على كردستان تسليم حصص النفط للحكومة الاتحادية
لكن عضو "الإطار التنسيقي" محمد الصيهود أشار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "قانون النفط والغاز مُعطل منذ العام 2005، أي أن إقليم كردستان عليه أن يخضع للقوانين العراقية، وأن يسلّم الحصص من النفط إلى الحكومة الاتحادية، ناهيك عن كونه مجبر، وفق القانون، على تسليم التعويضات للسنوات الماضية".
بعض الفصائل المسلحة ترفض أي صفقة جديدة مع أربيل تتعلق بملف النفط
وأضاف أن "هذا القانون من أولويات مجلس النواب في المرحلة المقبلة، لذلك لا يمكن القبول بتسوية سياسية تؤدي إلى ترحيل القانون، حتى لو دعمت بعض الأطراف السياسية في الإطار التنسيقي هذه التسوية في سبيل تشكيل الحكومة الجديدة".
وأكد الصيهود أن "الغلبة حالياً لقوى الإطار التنسيقي الرافضة قانون النفط والغاز المعمول به في كردستان، وأن معظم القوى السياسية تريد أن تستمع لشروط الإطار، وليس لشروط الكيانات السياسية على الإطار، وهناك أولويات بضمنها منع خرق القوانين من قبل حكومة الإقليم".
محمد الصيهود: الغلبة حالياً لقوى الإطار التنسيقي الرافضة قانون النفط والغاز المعمول به في كردستان
من جهته، قال المحلل السياسي أحمد الشريفي إن "تشكيل الحكومة في الوضع الحالي والجمود الحالي بعد انسحاب التيار الصدري، جعل قوى الإطار التنسيقي تقبل بأي شرط في سبيل تشكيل حكومة مقبولة من جميع الأحزاب والمكونات. بالتالي فإن الإطار مستعد للتضحية بقانون النفط والغاز خلال الحكومة المقبلة في سبيل تسيير الأمور السياسية، وبكل تأكيد فإن القوى الكردية تريد أن تستمر في المضي بقانونها الخاص بالنفط والغاز".
ورأى الشريفي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحوارات الحالية بين القوى السياسية ليست نهائية، لكن طرح ملف القوانين، التي تعتبرها حكومة الإقليم مضرة بها، يهدف إلى معرفة وجهات النظر بذلك، وقد لا ترتبط بشكل مباشر بالضمانات لتشكيل الحكومة، لأن كل شيء مرتبط بالخطوات المستقبلية للصدر، وأن الإقليم يفكر جدياً في منع بغداد من التأثير على عمليات إنتاجه للنفط والغاز وتصديره إلى الخارج".
يُشار إلى أن إقليم كردستان ينتج يومياً ما بين 400 و420 ألف برميل نفط، يُصدر أغلبه عبر الأراضي التركية، وتبقى نسبة قليلة منه للاستهلاك المحلي، فيما أكد مجلس وزراء الإقليم، خلال اجتماع مؤخراً، وجود "ضغوطات غير عادلة على المستثمرين الدوليين في قطاع النفط والغاز في الإقليم"، داعياً إلى إلغائها.