استمع إلى الملخص
- إسرائيل تواجه معضلة في عدم تحقيق أهدافها من الحرب الحالية، مثل إطلاق سراح المحتجزين وتفكيك قدرات حماس، مما يعرضها لحرب استنزاف طويلة الأمد في ظل الضغوط الإيرانية.
- المحللون يرون أن الحسم في لبنان ليس قريباً، وأن أي تسوية يجب أن ترتبط بغزة، مع غياب استراتيجية واضحة واستمرار التوترات مما يهدد بتمديد الصراع.
اعتبرت أوساط إسرائيلية أن إعلان نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، أمس الثلاثاء، تأييد الحراك السياسي الذي يقوم به رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأساسه وقف إطلاق النار في لبنان، بداية لفك ارتباط حزب الله بالحاصل في غزة، بخلاف الخط الذي قاده أمين عام الحزب الذي اغتالته إسرائيل حسن نصر الله. لكن إسرائيل، برأي بعض المعلقين العسكريين والسياسيين، تواجه معضلات أخرى، أساسها عدم تحقيق أهداف الحرب حتى اليوم، وعدم امتلاكها استراتيجية واضحة بشأن المراحل المقبلة، ما يعرّضها لحرب استنزاف طويلة. كما رأى معلقون إسرائيليون أن من الصعب بالنسبة لإسرائيل نفسها فصل غزة عن لبنان، مذكّرين بوجود محتجزين إسرائيليين في القطاع.
واعتبر الصحافي والكاتب في صحيفة يديعوت أحرونوت آفي يسخروف، اليوم الأربعاء، أن أقوال نعيم قاسم "تخرج عن الخط" الذي قاده الأمين العام الراحل حسن نصر الله حتى يوم اغتياله، وهو الربط منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بين جبهتي لبنان وغزة، بحيث أنّ وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل سيكون ممكناً فقط بوقف إطلاق النار في غزة، فيما أعلن قاسم أمس أنّ حزب الله يدعم مبادرة بري.
وأشار الكاتب إلى أن "قاسم لم يذكر غزة ولا الفلسطينيين في كلامه، وهذا هو الخروج الكبير عن الخط المعروف حتى اليوم لحزب الله وإيران"، كما اعتبر أنّ "الحديث لا يدور عن استسلام، ولكنه تغيير عن الخط المعتاد"، وينسجم أيضاً مع نبيه بري نفسه "الذي يمتنع عن ذكر القضية الفلسطينية عندما يتحدث عن وقف لإطلاق النار"، على حد قول الكاتب. لكن هذا التغيير في التوجه "يضع إسرائيل أمام معضلة ليست بسيطة على أقل تقدير، ذلك أن وقف القتال حالياً سيتيح لحزب الله إعادة بناء قدراته ومنظوماته العسكرية التي تلقّت ضربة قاسية. ومن جهة أخرى، فإنّ استمرار القتال سيكبّد إسرائيل ثمناً باهظاً، اقتصادياً وعسكرياً ودولياً، وبطبيعة الحال، عدا عن مقتل وجرح جنود إلى جانب مواطنين يستمرون في الوجود تحت تهديد إطلاق النار. وكل هذا قبل أن يوافق حزب الله على سحب قواته إلى ما بعد نهر الليطاني. وعليه يوجد هنا قرار ليس سهلاً للمستوى السياسي الإسرائيلي بشأن ما يريد فعله"، بحسب يسخروف.
ورغم تحذير يسخروف من أن تعلق إسرائيل في الوحل اللبناني، لفت إلى أنّ "إسرائيل لن تسمح لنفسها بالتوجه إلى وقف لإطلاق النار بدون تسوية سياسية وازنة، قد تذكّر باتفاق الطائف منذ عام 1989 ونهاية الحرب الأهلية اللبنانية، عندها وافقت المنظّمات اللبنانية على التخلّي عن سلاحها باستثناء أصغرها (في حينه) حزب الله". وبرأي الكاتب، "في هذه المرحلة على الأقل لا تتجه هذه الحرب نحو الحسم، والنصر ليس في الأفق"، كما "لا توجد استراتيجية أو هدف واضح بالنسبة لإسرائيل، وهذا الوضع ينطبق على الجنوب أيضاً (قطاع غزة)، وهذه هي قصة إسرائيل في هذه الفترة".
ورأى أنّ الفشل الكبير بالنسبة لإسرائيل يتمثل بعدم امتلاكها استراتيجية، رغم خوضها حرباً متعددة الجبهات، كما وصفها، "ولا توجد خطة خروج، وبدون تحقيق إسرائيل إنجازات سياسية واستراتيجية إلى جانب التكتيكية بما في ذلك في غزة، فإنّ هذه الحرب لن تؤدي إلى شيء، بل ربما إلى العكس، إلى الهزيمة".
إسرائيل لم تحقق أهداف الحرب
الصحافي المختص في شؤون الأمن القومي في الصحيفة ذاتها رونين بيرغمان كتب تحت عنوان "سنة بدون استراتيجية"، نقلاً عن مسؤول أمني كبير لم يسمّه، أنّ "إسرائيل خرجت للحرب في غزة من أجل تحقيق هدفين؛ إطلاق سراح المخطوفين (المحتجزين الإسرائيليين في غزة)، وتفكيك قدرات حماس. وبعد عدم نجاحها بتحقيق أي من هذين الهدفين، أضافت هدفاً آخر على الجبهة الشمالية، وهو إعادة جميع السكان بأمان إلى بيوتهم، وليس واضحاً كيف ستفعل ذلك".
وقال بيرغمان إنه سيكون من الصعب على إسرائيل التراجع عن توجيه ضربة إلى إيران، معتبراً في الوقت ذاته أنّ "إيران تضغط على حزب الله للقبول بوقف لإطلاق النار، وهو الأمر الذي رفض الحزب وأمين عامه الراحل نصر الله الموافقة عليه". ونقل الكاتب عن مصدر أمني كبير إشارته لافتقاد دولة الاحتلال استراتيجية في الحرب الحالية، وأن "الجميع يعتادون الأمر"، بحيث تقود "الفجوة بين القدرات العسكرية والاستخباراتية إلى عدم القدرة على ترجمتها إلى سياسات واتفاقيات وترتيبات".
الحسم ليس قريباً مع حزب الله في لبنان
من جهته، أعرب المحلل العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هارئيل عن اعتقاده بأنّ الحسم ليس قريباً في لبنان، وأنّ أي صفقة مقبلة يجب أن ترتبط بغزة وإعادة المحتجزين الإسرائيليين في القطاع، وقال: "حتى بعد الفشل والمذبحة، وبعد التعافي التدريجي للجيش الإسرائيلي، والأضرار التي لحقت بحماس في قطاع غزة، وبعد سلسلة الضربات المبهرة التي تلقّاها حزب الله في الشهر الأخير، فإننا لسنا قريبين من حسم الحرب. ولا يبدو أنّ التسوية النهائية وشيكة في الوقت الحالي. ومن الممكن أيضاً أن يكون أعداء إسرائيل، الذين تخيّلوا قبل بضعة أشهر فقط خطة لتدميرها، يستعدون الآن لحرب استنزاف طويلة الأمد، يأملون فيها أن يساعدهم الثمن الذي ستتم جبايته من السكان المدنيين في إسرائيل واقتصادها بالإضرار بمكانتها لسنوات مقبلة".
واعتبر أنّ "السؤال هو عما إذا كان الضغط العسكري الذي تمارسه إسرائيل الآن سيكون كافياً لإقناع الإيرانيين وحزب الله بتقليص الخسائر والسعي لإنهاء القتال، حتى بالثمن الذي سيسمح لإسرائيل بتحقيق إنجازين رئيسيين: قطع العلاقة التي أنشأها نصر الله بين إنهاء القتال في غزة ووقف إطلاق النار في لبنان، وإعادة 60 ألف إسرائيلي من سكان الحدود الشمالية إلى منازلهم. أحد المخاطر من وجهة النظر الإسرائيلية هو تطور حرب الاستنزاف على مدى سنوات عديدة. إن إطلاق صاروخ أو صاروخين يومياً باتجاه المركز (منطقة تل أبيب) يكفي لتشويش الحياة هنا والأداء الاقتصادي لفترة طويلة".
ورأى هارئيل أنّ "الضرر الذي لحق بحزب الله هائل"، خاصة في أعقاب اغتيال نصر الله، "ومن المحتمل أن يمر وقت طويل قبل أن يجد الحزب زعيماً بمكانته. في المقابل، تبحث إسرائيل الآن عن عنوان: من صاحب القرار في لبنان ومن يجب الضغط عليه لإبرام صفقة، تنتهي الحرب؟"، كما رأى أنّ "مثل هذه الصفقة يجب أن ترتبط بطريقة أو بأخرى بالجنوب (غزة)"، مذكّراً بأنه "في الأسابيع الأخيرة أهملت الحكومة كلياً المختطفين".
واعتبر أن "لا إيران ولا حزب الله يرتجفان الآن، في انتظار الضربة الإسرائيلية الساحقة. قد تظل الأمور معقّدة للغاية، بالتأكيد، عندما يتعلق الأمر بدولة ضخمة تستثمر منذ عقود مئات المليارات من الدولارات في الحملة التي تشنها ضدنا. ويحاول (بنيامين) نتنياهو الآن تأسيس سردية مفادها أنّ الحرب التي فوجئت بها إسرائيل تحت مسؤوليته هي في الواقع حرب الانبعاث. هذا لا يتماشى حقاً مع الحقائق، فعندما يتحسّن النشاط العسكري، يصطدم بعدم القيام بأي خطوة سياسية من جانبه (أي نتنياهو)".