رحّبت أحزاب سياسية وقوى مدنية بالقرارات السياسية التي أعلن عنها الرئيس عبد المجيد تبون الليلة الماضية، والمتعلقة خاصة بحل البرلمان وتعديل الحكومة والعفو عن 60 من ناشطي الحراك الشعبي، لكن بعض القوى السياسية ظلت متحفظة تترقب استكمال المشهد بإقرار التعديل الحكومي وصدور قانون الانتخابات وكيفية تعاطي السلطة مع مظاهرات الاثنين المقبل، لتتخذ موقفها بشأن مجمل هذه التطورات.
وعُدّ قرار الرئيس عبد المجيد تبون حل البرلمان استجابة متأخرة لمطالب الحراك الشعبي منذ انطلاقته الأولى في 22 فبراير/شباط 2019، ولمطالب الكثير من الأحزاب السياسية، التي تعتبر هذا المجلس هو الأسوأ في تاريخ البرلمانات في الجزائر، في سبيل التوجه نحو إنشاء برلمان جديد يتماشى مع طبيعة المرحلة ومطالب إعادة شرعنة المؤسسات النيابية المنتخبة.
ويضع هذا القرار، الذي يستتبع بإجراء انتخابات، مجمل الأحزاب السياسية في الجزائر في موقع ربح سياسي، إذ تمثل الانتخابات النيابية المقبلة فرصة لها، وعلى وجه التحديد تلك التي ظلت على الهامش السياسي بسبب مواقفها من السلطة في مرحلة ما قبل الحراك الشعبي (22 فبراير 2019)، لكسب مكان في الخريطة السياسية والمنافسة على موقع متقدم في المشهد الوطني، كحزب "جيل جديد"، ويمنح فرصة للقوى التي ظلت تشارك في الاستحقاقات الانتخابية لتأكيد حجمها وقياس وزنها الشعبي، بعدما ظلت تشكو من التزوير المستمر للانتخابات، والذي كان يحد من حصتها النيابية في المجالس المنتخبة، كحركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية، كما يوفر فرصة كبيرة للأحزاب الناشئة والائتلافات المدنية للتقدم إلى الساحة والمنافسة في هذا الاستحقاق، بالاستفادة من عوامل جديدة تخص إدارة العملية الانتخابية التي نقلت بالكامل إلى هيئة دستورية مستقلة.
يضع هذا القرار، الذي يستتبع بإجراء انتخابات، مجمل الأحزاب السياسية في الجزائر في موقع ربح سياسي
لكن أربعة أحزاب كانت تمثل الحزام السياسي للسلطة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفيلقة، وخاصة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، إضافة إلى الحركة الشعبية الجزائرية (منشق عن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) وتجمع أمل الجزائر (منشق عن حركة مجتمع السلم)، هي أكثر الأحزاب خسارة من قرار الرئيس حل البرلمان وإجراء انتخابات نيابية. فإضافة إلى أن هذه الأحزاب ستفقد كتلها النيابية، التي حصلت عليها إثر التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات بفعل تدخل الإدارة والأجهزة الأمنية في سيرها، فإنها غير مستعدة تماما للمنافسة الانتخابية في التشريعات المقبلة، بسبب الملاحقة الشعبية التي تتعرض لها منذ انطلاق الحراك الشعبي والمطالبات بحلها، خاصة بالنسبة لجبهة التحرير الوطني، بسبب تبنيها، برفقة الأحزاب الثلاثة الشريكة لها، ترشيح الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفيلقة لولاية خامسة.
وإضافة إلى ذلك، تواجه أحزاب الموالاة هذه صدًّا من قبل السلطة السياسية الجديدة، إذ تبرأ الرئيس تبون مبكرا منها، ونشرت الرئاسة، في يناير/كانون الثاني 2020، بيانا تعلن فيه عدم وجود أية علاقة للرئيس بها، وتولد عن كل كما سلف الإبعاد والتحييد الذي تعرضت له على المستوى السياسي، لكونها تمثل واجهات منظومة الحكم السابقة، إذ جرى إقصاؤها في سبتمبر/أيلول الماضي من جولات الحوار الوطني، كما أقصيت مرتين من سلسلة لقاءات أجراها الرئيس عبد المجيد تبون مع قادة الأحزاب السياسية في يناير 2020 والأسبوع الماضي. ويصعب هذا الواقع على هذه الأحزاب، إضافة إلى مشكلاتها الهيكلية الداخلية والهروب الجماعي لكوادرها من صفوفها باتجاه أحزاب أخرى أو الانضمام إلى مشاريع أحزاب جديدة، من قدرتها على المنافسة الانتخابية، خاصة بعد رفع الإدارة يدها عنها.
في مقابل ذلك، توجد كتلة ثالثة من أحزاب المعارضة الديمقراطية،كحزب العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية، والتي تعتبر نفسها ضحية للتزوير في مجموع الانتخابات السابقة، لكنها لا تملك كثيراً من عوامل المنافسة الانتخابية، وكانت مستفيدة على الصعيد السياسي من عامل "المظلومية"، وعلى هذا الأساس يبقى قرار حل البرلمان وتنظيم انتخابات مسبقة بالنسبة لها مشكلة سياسية، ليس فقط على صعيد موقفها بالمشاركة من عدمها في الانتخابات المقبلة، كونها عارضت المسار الانتخابي منذ 2019 والتزمت بخيار الحراك الشعبي الذي يرفض الاعتراف بشرعية الرئيس تبون من جهة؛ ومن جهة أخرى لكونها أحزابا محدودة على الصعيد الشعبي والميكانيزمات الانتخابية، وخريطتها الانتخابية محصورة في مناطق محددة. ولعل ذلك ما يفسر إرجاء مجمل هذه الأحزاب الإعلان عن أي موقف إزاء قرارات الرئيس تبون إلى غاية استكمال كامل المشهد المرتبط بها، وخاصة الخروج الفعلي لمعتقلي الحراك الـ60 الذين قرر الرئيس تبون عفوا بشأنهم، والاتجاه الذي سيأخذه تعديل الحكومة ونص قانون الانتخابات الجديد وكيفية تعاطي السلطة مع المظاهرات التي دعت إليها مكونات الحراك يوم الاثنين المقبل، عشية الاحتفاء بالذكرى الثانية للحراك الشعبي.
وفي سياق ردود الفعل حول قرارات الرئيس تبون الأخيرة، نشر رئيس البرلمان، الذي بات في حكم "الرئيس السابق"، سليمان شنين، تغريدة على حسابه الرسمي على "تويتر"، شكر فيها الرئس تبون على دعمه له خلال فترة رئاسته المجلس، ودعاه إلى مواصلة مسار الإصلاح والتغيير.
وقال القيادي في حركة مجتمع السلم نصر الدين حمدادوش، في تصريح صحافي، إن "خيار الحركة منذ انتخابات مايو 2017 كان الذهاب إلى انتخابات تشريعية مسبقة، لاعتقادنا بأن التشريعات التي انبثق عنها البرلمان الحالي مزورة ولم تعكس الإرادة الحقيقية للشعب"، فيما نشر رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة بيانا وصف فيه الخطاب بالإيجابي، "خاصة ما يتعلق بتثمين منجزات الحراك الشعبي وحل البرلمان وتعديل الحكومة"، كما ثمّن بن قرينة قرار الرئيس الإفراج عن عدد من معتقلي الحراك بعفو رئاسي.
واعتبر القيادي في جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف أن قرار حل البرلمان، وإنهاء العهدة التشريعية الثامنة، يصب في صالح مطلب رفعه حزبه منذ إجراء انتخابات 2019. وقال في بيان نشره: "لقد طالبنا مرارا ومنذ 2017 بذهاب هذا المجلس الذي جاء بالشكل الذي يعرفه الجميع، هذه العهدة النيابية ليست كالعهدات التي سبقت، فقد كانت مليئة بالأحداث الخاصة، وانتهاء المجلس بهذا الشكل هو دليل على أنه فاقد للشرعية والمشروعية". ومن جهتها، باركت جبهة المستقبل قرارات الرئيس تبون واعتبرتها "دلالة على الانطلاقة الحقيقية لوضع معالم الجزائر الجديدة"، كما ثمنت قراره إجراء تعديل حكومي خلال الساعات القادمة والعفو عن المعتقلين.
ووصفت منظمة المجاهدين (كبرى المرجعيات الثورية) قرار الرئيس حل البرلمان بأنه "خطوة إيجابية"، مشيرة إلى أن "الإعلان عن انتخابات برلمانية مسبقة خطوة تؤدي إلى مجلس منتخب يمثل فعاليات المجتمع الجزائري وخال من أصحاب المال الفاسد"، كما ثمنت المنظمة "قرار العفو الشامل عن الشباب الموقوفين".