قصف المعيصرة الكسروانية... تحريض طائفي وأهداف أخرى

25 سبتمبر 2024
من الغارة الإسرائيلية على المعيصرة أمس (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استهداف المعيصرة وتاريخ العدوان الإسرائيلي: في اليوم الثالث للعدوان الإسرائيلي على لبنان، استهدفت غارات جوية بلدة المعيصرة في قضاء كسروان، وهي المرة الأولى التي يستهدف فيها الاحتلال بلدة سكانية في هذا القضاء منذ 1948.

- الأهمية الجغرافية والسياسية للمعيصرة: تقع المعيصرة على مقربة من وادي يبدأ من أفقا وينتهي عند نهر إبراهيم، وتحيط بها بلدات شيعية. أظهرت الانتخابات تأييد سكانها لحزب الله وحركة أمل، ولم تتأثر العلاقات بين شيعة المعيصرة والمسيحيين حتى خلال الحرب اللبنانية.

- إيواء المهجرين ومحاولات التحريض الطائفي: استقبلت المعيصرة المهجرين اللبنانيين من الجنوب وساهمت في تأمين مراكز إيواء لهم. العدوان الإسرائيلي يهدف إلى إثارة تحريض طائفي بين المسيحيين والشيعة وتحويل المنطقة إلى منطقة غير مستقرة أمنياً.

في اليوم الثالث للعدوان الإسرائيلي على لبنان، استهدفت غاراته الجوية، اليوم الأربعاء، بلدة المعيصرة التي ترتفع عن سطح البحر نحو 650 متراً، والواقعة على بعد أكثر من 120 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، في قضاء كسروان، شمالي بيروت. اللافت هنا أنها المرة الأولى التي يستهدف فيها الاحتلال بلدة سكانية في هذا القضاء ذات الغالبية الساحقة من اللبنانيين المسيحيين، أي منذ نشوء إسرائيل في عام 1948. مع العلم أن الاحتلال استهدف قضاء كسروان، أمس الثلاثاء، في غارات طاولت الجرود العالية الواقعة بين هذا القضاء وقضاء جبيل، وهي جرود متصلة جغرافياً بمنطقة البقاع، شرقي لبنان. بالنسبة إلى المعيصرة، الواقعة على الأطراف الشمالية لقضاء كسروان، فهي بلدة ذات غالبية شيعية، وتضم نحو 4 آلاف شخص، في قضاء كسروان، ذات غالبية مسيحية، مارونية خصوصاً، بعدد سكان يتجاوز المائة ألف شخص.

أهمية المعيصرة 

وفي المقلب الشمالي للبلدة، لجهة قضاء جبيل، يقع وادي يبدأ من أعالي بلدة أفقا على سلسلة الجبال الغربية للبنان، وينتهي على التقاء نهر إبراهيم مع ساحل البحر المتوسط. وعلى امتداد هذا الوادي في جبيل تقع بلدات شيعية، يتجاوز عدد سكانها الـ25 ألفاً، فيما يبلغ عدد سكان قضاء جبيل المسيحيين أكثر من 62 ألفاً. وأظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية، خصوصاً في أعوام 2005 و2009 و2018 و2022، تأييد سكان المعيصرة والقرى الجبيلية، حزب الله بالدرجة الأولى، وحركة أمل، بقيادة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بالدرجة الثانية.

المعيصرة بلدة يقطنها مواطنون شيعة وسط مناطق بغالبية مسيحية
 

كما أن مسؤول المنطقة الخامسة في حزب الله (منطقة جبل لبنان والشمال) محمد عمرو، متحدر من المعيصرة، وقيل إن الغارة اليوم استهدفته، بينما لم يكن في المنزل. لكن سكان المنطقة، حتى ممن يعارضون الخط السياسي لحزب الله بالكامل، يعرفون تماماً أن لا وجود لبنية عسكرية ثقيلة لحزب الله في تلك المنطقة. هذه الخصوصية الدينية ـ السياسية لم تؤثر بالعلاقات بين شيعة المعيصرة، واستطراداً شيعة كسروان وجبيل مع المسيحيين. حتى إنه في فترة الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990)، جرى تحييد قضاءي كسروان وجبيل عن الاقتتال المذهبي، بموجب ميثاق عنايا (بلدة في جبال جبيل) الموقع في 21 سبتمبر/أيلول 1975، بين رؤساء بلديات ونواب وفاعليات مسيحية وشيعية.

وطيلة الحرب اللبنانية، وعلى ضراوتها الطائفية والمذهبية، وقع اشتباك مسلح وحيد بين القوات اللبنانية (حين كانت في أوجّها بصفتها أقوى قوة مسيحية عسكرية) وحزب الله (حين كان ثاني قوة بعد حركة أمل لدى الشيعة عسكرياً) في 13 سبتمبر 1989 في قضاء جبيل، أُصيب فيه 4 مقاتلين من الحزب. وجرى تطويق الحادث بعدها. وتُجدر الإشارة إلى أن في المعيصرة معالم مسيحية، من كنائس ومدارس، لم تُمسّ تاريخياً.

إيواء المهجرين

في الأيام الأخيرة، استقبلت المعيصرة المهجرين اللبنانيين، خصوصاً من حولا الجنوبية. كما ساهمت بلديتها بالتعاون مع منظمات محلية وبلديات مجاورة في تأمين مراكز إيواء للمهجرين، بعد الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة منذ الاثنين الماضي. بالتالي، فإن العدوان على المنطقة، اليوم الأربعاء، وإن جاء تدشيناً لمرحلة جديدة من العدوان الإسرائيلي على لبنان، إلا أنه أيضاً أتى في سياقات أخرى مثل محاولة إثارة تحريض طائفي بين السكان المسيحيين والشيعة، وتطويق أي محاولة لاستقبال المهجرين اللبنانيين في قضاء كسروان بشكل خاص، وأيضاً في المناطق ذات الأكثرية المسيحية.

في حالة المعيصرة فإن نشوء نزاع قد يؤدي إلى صدام طائفي مسلح بين المسيحيين والشيعة ليس غريباً عن بنك الأهداف الإسرائيلي

أما في الأبعاد الجغرافية لمثل هذه الغارات، فتتمحور حول أن تحويل منطقة جبلية بين كسروان وجبيل إلى منطقة غير مستقرة أمنياً، يسمح بتقطيع التواصل بين بيروت وباقي مناطق الشمال اللبناني، خصوصاً أن غارات الاحتلال على مناطق بقاعية مجاورة لقضاءي كسروان وجبيل، لجهة جبال عيون السيمان واللقلوق، يُمكن وضعها في إطار تحويل كل المسارات والطرق إلى نقاط محفوفة بالمخاطر. ودائماً ما ينشأ عن مثل هذه المحاولات مناطق منعزلة، يدفعها خوفها إلى التوجس "من الآخر". وفي حالة المعيصرة، فإن نشوء نزاع قد يؤدي إلى صدام طائفي مسلح بين المسيحيين والشيعة، ليس غريباً عن بنك الأهداف الإسرائيلي، ذلك لأن ما فعله جيش الاحتلال خلال اجتياح 1982 لبيروت، خصوصاً حين دفع باتجاه الحرب بين المسيحيين والدروز، في قضاءي عاليه والشوف في عام 1983 (المعروفة بحرب الجبل)، معرّض للتكرار. وفي مثل هذا السيناريو، فإن مبدأ "نقل المعركة إلى أرض العدو" المعمول به إسرائيلياً، لن يتجاهل محاولات لإشعال نزاع مسلح بين الشيعة والمسيحيين، لتحويل التهجير الحالي من تهجير على يد الإسرائيليين إلى تهجير على يد أبناء البلد الواحد.

المساهمون