بعد ساعات من مغادرة الوفد القضائي الإيطالي المكلف بالتحقيق في قضية مقتل جوليو ريجيني في مصر (عثر عليه مقتولاً في 3 فبراير/شباط 2016)، يسود القلق الأوساط القضائية والدبلوماسية المصرية، بسبب ما أشار إليه أعضاء الوفد خلال اجتماعهم بفريق النيابة العامة المصرية المختص بالقضية، وكشفت عنه "العربي الجديد" في وقت سابق. ويتعلق ذلك، باحتمالية اضطرار روما إلى إصدار قرار بغلق القضية، بتوجيه اتهامات للشخصيات المصرية التي تمّ التوصل إليها في التحقيقات، ورفع أسمائهم إلى منظمة الإنتربول الدولي، إذا لم تبد السلطات المصرية تعاوناً في الكشف عن التفاصيل الحقيقية للحادث، بعيداً عن سيناريوهات التدليس والتلاعب التي حاولت الترويج لها سابقا، وبعيدا عن أي ادعاءات بتورط ريجيني في أنشطة تجسس أو تخابر.
وكشفت مصادر مصرية مطلعة، عن عقد اجتماع تنسيقي بين الجهات القضائية والاستخبارية والدبلوماسية في القاهرة لدراسة الموقف الحالي. وبحسب المصادر، فقد اختلفت وجهات النظر حول مدى خطورة إقدام إيطاليا على خطوة غلق القضية، قبل نهاية العام الحالي، بمناسبة مرور عامين على إصدارها مذكرة الاشتباه التي تضم 5 ضباط من وزارة الداخلية، وما إذا كان غلق القضية سيعني زوال الضغوط عن مصر، أم تفاقمها سياسياً، نظراً لوجوب إبلاغ المدعي العام نتيجة التحقيق المتعثر إلى مجلس النواب الإيطالي.
اختلفت وجهات النظر في القاهرة حول مدى خطورة إقدام إيطاليا على غلق قضية ريجيني
وذكرت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن المعلومات الواردة من خلال السفارة المصرية في روما والنواب المنتمين لليمين الإيطالي المحافظ الذين تحتفظ دوائر مصرية عدة باتصالات دائمة معهم، تؤكد أن لجنة التحقيق البرلمانية التي تمّ تشكيلها قبل أربعة أعوام للنظر في قضية ريجيني، تبحث حالياً اتخاذ قرار من اثنين: يتعلق القرار الأول بمطالبة الادعاء العام الإيطالي، بالاستمرار في التحقيق في القضية، مع تكثيف الضغوط السياسية على مصر، لكشف المعلومات التي لم تفصح عنها أبداً، بشأن هوية الضباط الخمسة المشتبه في مراقبتهم ريجيني واختطافه وقتله، وكذلك الضباط الثلاثة الذين بلغت روما معلومات عن ضلوعهم في مراقبته والتحريض عليه قبل نحو 8 أشهر من الحادث.
أما القرار المقترح الثاني، فيتمثل في إقرار غلق القضية مؤقتاً، حيث سيتبع ذلك بالضرورة طرح مشروع قرار بعقوبات اقتصادية على مصر، أو باعتبارها دولة خارجة عن اتفاقيات حقوق الإنسان، مع تعليق التعاون معها في العديد من المجالات، على رأسها التعاقدات والمساعدات وتبادل الخبرات العسكرية والأمنية. ويحظى هذا المقترح بالفعل بتأييد مجموعة كبيرة من نواب حركات وأحزاب اليسار، لكن من السابق لأوانه التأكد من نجاعة طرحه على التصويت في جلسة عامة للبرلمان الإيطالي، نظراً لتمسك مجموعة لا يمكن الاستهانة بها من النواب اليمينيين والوسط المحافظين بضرورة استمرار العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع مصر. ويأتي ذلك لا سيما بعد التطور الكبير على صعيد عقود شراء الأسلحة، وضبابية الأوضاع في ليبيا.
ترفض مصر تقديم كبش فداء، مدعية أن النيابة العامة لا تملك أي معلومات أكثر مما أبلاغ لروما
وأوضحت المصادر أن نواب اليمين الإيطالي الذين يُعتبرون مقربين من مصر، كالمنتمين لحزب "رابطة الشمال" برئاسة وزير الداخلية السابق ماتيو سالفيني، أكدوا للقاهرة عزمهم التصدي لمثل هذه المقترحات ذات الآثار السلبية على العلاقة بين البلدين. لكن بعضهم طلب من المصريين إبداء مزيد من المرونة، حتى ولو في شكل "تقديم كبش فداء"، لتقليل تعرض حكومة جوزيبي كونتي للحرج أمام النواب الغاضبين والإعلام المعارض لطريقة التعاطي الرسمية مع القضية، والدوائر الحقوقية المتعاطفة مع عائلة ريجيني. غير أن المصريين رفضوا تماماً ذلك المقترح، مدعين أن النيابة العامة لا تملك بالفعل أي معلومات أكثر مما تم التوصل إليه وإبلاغه لروما، وأنه لا يمكنها تقديم ما هو أكثر من ذلك، في موقف يؤكد أن قرار غلق القضية وانسداد التحقيق فيها، هو قرار سيادي مباشر من دائرة عبد الفتاح السيسي.
وذكرت المصادر أنه من المطروح حالياً أن الفريق القضائي المصري الذي سيزور روما قريباً لاستكمال جلسات الإجابة عن استفسارات الادعاء الإيطالي، سيصطحب معه عناصر استخبارية للوقوف على موقف البرلمان الإيطالي، وإعداد تقرير بالسيناريوهات المطروحة وكيفية التعامل معها في وقت قصير، خصوصاً أنه من المرجح اتخاذ روما موقفاً خلال شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، أي قبل أسابيع من الذكرى الخامسة لمصرع ريجيني. وتدعم أحزاب اليسار الإيطالي ودوائر في الأحزاب المنخرطة في حكومة جوزيبي كونتي، والدي ريجيني، كما تستغل التعاطف الشعبي والإعلامي معهما، لمطالبة حكومة كونتي بسحب السفير الإيطالي بالقاهرة (جيامباولو كانتيني) ووقف صفقات التسليح مع نظام السيسي، وهو ما لا يحدث رغم استجواب كونتي في هذا الشأن مراراً أمام البرلمان. بل إن هذه الضغوط تحولت إلى أوراق تستغلها روما لممارسة ضغوط أكبر على مصر لتطوير العلاقات الثنائية، مقابل الرضا باستمرار عدم حلّ القضية.