تتصاعد في الأيام الأخيرة تحذيرات سياسية في الجزائر من إمكانية حدوث انفجار اجتماعي وسياسي بسبب تدهور لافت للأوضاع المعيشية للجزائريين، نتيجة ارتفاع مفرط للأسعار وندرة بعض المواد التموينية كالزيت، وأزمة السيولة النقدية وعجز الحكومة عن تنفيذ خطط لإصلاح الأوضاع.
وهناك أسباب أخرى لهذه التحذيرات تتعلق بالمخاوف من أن تدفع هذه الأوضاع الجزائريين إلى عدم التفاعل مع الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية المبكرة، المقررة في 12 يونيو/ حزيران المقبل.
ولعل السؤال الأكثر إقلاقاً في الوقت الحالي للسلطة والشخصيات وقادة الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات، يتمثل في ما إذا كانت الظروف الاجتماعية بالغة التعقيد حالياً ستدفع الجزائريين إلى العزوف عن الانتخابات المقبلة مرة ثالثة.
ومع قرب موعد الحملة الانتخابية بداية مايو/ أيار المقبل، وبداية العد التنازلي للاقتراع بعد إغلاق باب الترشحات الثلاثاء المقبل، تزامناً مع الطوابير الطويلة أمام محال بيع الحليب والزيت وقبالة مراكز البريد لاستخلاص الرواتب، بات من الصعب على المرشحين مواجهة الجزائريين في هذا الوضع لدعوتهم للانتخاب، في وقت يبدو فيه الجزائريون مشغولين بالبحث عن المواد التموينية.
وأعلنت حركة "البناء الوطني" عن بالغ قلقها من تدهور الأوضاع الاجتماعية، تخوفاً من أن يكون لذلك تأثير على المشهد السياسي والاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
وقال رئيس الحركة عبد القادر بن قرينة في حفل إفطار جماعي، نظم الليلة الماضية في منطقة قسنطينة شرقي الجزائر، "نسجل بقلق بالغ التصعيد الاجتماعي الأخير ولجوء العديد من الفئات الاجتماعية إلى تنفيذ سلسلة من الوقفات والاحتجاجات والاعتصامات وشن الإضرابات، بعضها تم بشكل مفاجئ وحتى دون سابق إنذار".
وأشار إلى أنّ هناك "تدهوراً ملحوظاً للأوضاع المعيشية وتدنياً في القدرة الشرائية للجزائريين جراء تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة والأزمة الصحية الناجمة عن تفشي وباء كورونا، وما تسببت به هذه الأزمات المتعددة من تفاقم معاناة فئات عريضة من الشعب الجزائري".
لكن بن قرينة، وهو مرشح رئاسي سابق، يعلن، في الأثناء، عن مخاوف من أن يشوش هذا الوضع الاجتماعي الصعب على الاستحقاق الانتخابي في يونيو/ حزيران المقبل.
وقال إنّ "هذا الاحتقان يقترن مع وضع صعب وحساس تمر به البلاد، ويتزامن مع اقتراب مواعيد انتخابات هامة، ستمكن الشعب الجزائري اختيار من يمثله في البرلمان الجديد، الذي سيباشر باسمه إصلاحات تسمح بالإفراج عن منظومة اقتصادية واجتماعية تجسد تطلعاته في الجزائريين للعيش الكريم".
ودعا بن قرينة التنظيمات المهنية والنقابية والاجتماعية إلى تغليب المصلحة الوطنية وإعلان هدنة اجتماعية، من أجل توفير المناخ الملائم لتجاوز الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد.
ويقترح بن قرينة أن تعلن الحكومة في المقابل عن التزامات، وبشكل عاجل وملحّ، بـ"فتح حوار جاد ومسؤول، لتلبية ما يمكن تحقيقه من مطالب مشروعة وتأجيل ما يتوجب تأجيله لما بعد الانتخابات وتحسن الوضع الاقتصادي في إطار جدول زمني واضح".
من جهتها، حذرت حركة "مجتمع السلم"، في بيان، من "مخاطر وتداعيات ارتفاع أسعار أغلب المواد الغذائية الضرورية على معيشة المواطنين وقدرتهم الشرائية، وعلى الاستقرار الوطني، ودعت الحكومة إلى اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لتمويل وضبط السوق وضمان توازنه ومحاربة المضاربة، مع العمل على تحقيق الحلول الجذرية الدائمة للوفرة الغذائية لضمان العيش الكريم للمواطنين".
ولم تغب التطورات الراهنة في الجبهة الاجتماعية عن ذهن رئيس "جبهة المستقبل" بلعيد عبد العزيز، وهو أيضاً مرشح رئاسي سابق.
وقال بلعيد، في برنامج تلفزيوني أمس الجمعة، إنّ "الأزمة الاقتصادية الخانقة والتدهور الملاحظ في الوضع الاجتماعي هما نتاج 20 سنة من التدمير والنهب في العهد السابق". وأضاف أن "الحكومة المتهمة بالفشل لا تملك خاتم سليمان، خاصة في ظل الأزمة الصحية التي عاشتها الجزائر على غرار مختلف دول العالم".
وإزاء هذا الوضع الملتبس سياسياً واجتماعياً عشية استحقاق الانتخابات البرلمانية، يقترح بلعيد عبد العزيز "العمل على توحيد المجهود الوطني، وتغليب المصلحة الوطنية من قبل كل القوى السياسية، والتوافق على خريطة طريق بعيداً عن التجاذبات السياسية". وأضاف أنّ "التوحد سيسهم في تقليص الوقت اللازم لتجاوز الأزمة في مختلف أبعادها ويخفف الكلفة أيضاً".
تحميل السلطة المسؤولية
وفي نفس السياق، اعتبر حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" أنّ "هناك العديد من المؤشرات تثير مخاوف حقيقية من إمكانية حدوث انفجار اجتماعي".
وقال، في بيان له اليوم السبت، إنّ "الجبهة الاجتماعية تعيش حالة غليان كبيرة وسخط عارم في أوساط العمال وأرباب العائلات. الإضرابات تتوالى وتمس العديد من القطاعات، ومن الواضح أنها ستتكثف وقد تسبب على المدى القصير حالة من الشلل في البلاد".
وأرجع ذلك إلى "غياب آفاق انتعاش اقتصادي حقيقي وعجز السلطة التنفيذية عن تقديم حلول واضحة وناجعة لانشغالات السكان، ما يعجّل من حدوث انفجار اجتماعي ستتحمل السلطة وحدها عواقبه".
واعتبر التجمع أنّ هذا الوضع"وجه الضربة القاضية لمعنويات الجزائريين، بسبب الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، الذي سجّل خلال الأيام الأولى من شهر رمضان، والذي يمس جل المواد الغذائية، التي أصبحت في غير متناول المواطن".
وحمّل الحزب السلطة مسؤولية تردي الأوضاع، بسبب المسارات السياسية الخاطئة، ويقترح في المقابل "بناء ميزان القوى الضروري لميلاد فترة انتقالية مستقلة تقود مساراً تأسيسياً، الوحيدة الكفيلة بضمان التعبير عن سيادة الشعب الجزائري من أجل بناء جزائر حرة وديمقراطية".
ويعتقد متابعون أنّ الأوضاع تتعقد بشكل لا يخدم الاستحقاق الانتخابي، وقال الباحث سليمان ناصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك عدم تحمس واضح للجزائريين إزاء الانتخابات في مثل هذه الظروف، ويمكن رصد ذلك من خلال الكم الكبير من الأحزاب السياسية والقوائم المستقلة التي عجزت عن إيجاد ناخبين لتوقيع اكتتابات الترشح".
ولفت إلى أنّ "ظروفاً اجتماعية أقل تدهوراً كانت دفعت الجزائريين إضافة إلى دوافع سياسية أخرى والحراك الشعبي، إلى العزوف عن التصويت في الاستحقاقين الانتخابيين الماضيين"، الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر/ كانون الأول 2019، والاستفتاء على الدستور في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، إذ لم تتجاوز نسبة التصويت 24%.