تعقد في العاصمة القطرية الدوحة، اليوم الثلاثاء، الدورة الرابعة والأربعون لدول مجلس التعاون الخليجي على مستوى القادة. وتعد هذه القمة الثانية التي تعقد في الدوحة خلال العقد الأخير، إذ استضافت الدوحة قمة خليجية في عام 2014، ما يؤشر إلى أن الأزمة الخليجية التي عصفت بالمجلس في عام 2017، واستمرت لنحو ثلاث سنوات ونصف السنة، أصبحت وراء ظهور الجميع.
وأكدت مصادر دبلوماسية خليجية، لـ"العربي الجديد"، أنه من المنتظر مشاركة جميع دول الخليج الست وعلى أعلى المستويات في القمة الخليجية التي ينتظرها جدول أعمال حافل يؤسس لمرحلة وانطلاقة جديدة لدول مجلس التعاون.
وقال الأمين العام لمجلس التعاون العربي، جاسم البديوي، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيكون ضيف القمة الخليجية. وأضاف في تصريحات نشرتها صحيفة "الشرق" القطرية الأحد الماضي، أن "مشاركة الرئيس التركي لها دلالة هامة على التطور الإيجابي في العلاقات الخليجية التركية". ولفت البديوي إلى أن إقرار التأشيرة السياحية الموحدة على المستوى الخليجي، سيكون من أبرز الملفات المطروحة على قمة الدوحة.
من المنتظر مشاركة جميع دول الخليج الست في القمة وسيكون الرئيس التركي ضيفها
إغلاق الملفات العالقة
وفي ما يُعتبر إغلاقاً لآخر الملفات العالقة في الأزمة الخليجية، قام رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بزيارة هي الأولى لمسؤول قطري رفيع المستوى إلى مملكة البحرين، منذ انتهاء الأزمة الخليجية، وتوقيع اتفاق العلا في السعودية في يناير/كانون الثاني 2021، حيث استقبله العاهل البحريني حمد بن عسى آل خليفة، وولي عهده سلمان بن حمد آل خليفة.
ووفق وسائل الإعلام الرسمية في البلدين، بحث الطرفان مشروع جسر قطر - البحرين، خلال الزيارة، وتم توجيه الجهات المعنية في البلدين لإكمال الخطط والبدء بتنفيذ المشروع، ما يؤكد رغبة الطرفين في طيّ صفحة الأزمة الخليجية وعودة المياه إلى مجاريها بينهما.
وبحسب المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، فمن المرتقب أن تهيمن الحرب العدوانية التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة، على جدول أعمال القمة الخليجية. وقال الأنصاري في تصريحات صحافية سابقة "إن القمة الخليجية التي تستضيفها الدوحة تأتي في سياق الرسالة التكاملية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودورها في المنطقة، والوضع في غزة سيكون في مقدمة مناقشات القمة".
انفراجة ومصالحات
يقول رئيس تحرير صحيفة "الشرق" القطرية جابر الحرمي، لـ"العربي الجديد"، إن ما سيميز القمة الخليجية في الدوحة، التي ستكون استثنائية بسبب الظروف الإقليمية التي تعيشها المنطقة والمستجدات والتحديات التي تواجهها، وخصوصاً العدوان الإسرائيلي على غزة، أنها ستكون انطلاقة قوية لقطار مجلس التعاون الخليجي وتعزيز العلاقات البينية بين دوله في المجالات المختلفة خلال المرحلة المقبلة.
جابر الحرمي: قمة الدوحة ستكون قمة المصالحات
ويضيف الحرمي أن قمة الدوحة الخليجية، ستكون واحدة من أهم القمم التي تعقد على المستوى الخليجي بعد قمة العلا، التي أنهت الأزمة الخليجية، خصوصاً ما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين دول التعاون والجانب الاقتصادي تحديداً الذي يتصدر أولويات قادة دول مجلس التعاون الخليجي في قطاعات مختلفة، لاسيما ما يتعلق بالاتحاد الجمركي، ومشروع السكك الحديدية واستكمالها، والمشاريع البينية المشتركة، التي تعود بالنفع على المواطن الخليجي.
ويرى الحرمي أن القمة الخليجية في الدوحة، ستكون قمة المصالحات، حيث سيتم الترحيب بالانفراجة والمصالحات التي حصلت بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والمصالحات بين دول المجلس وإيران، خصوصاً ما يتعلق منها بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران.
ويعتبر الحرمي أن "القمة الخليجية مطالبة بتعزيز وترسيخ الأدوار الخليجية على الساحة الدولية لتصبح أدواراً مؤثرة، خصوصاً بعد سلسلة القمم والشراكات التي عقدتها دول مجلس التعاون مجتمعة، مع الصين، وكان من المفترض أن يكون الحضور والتأثير الخليجي أقوى عند وقوع الأزمات، لكن للأسف لم نر هذا التأثير والحضور الخليجي والعربي في الضغط على الكيان الإسرائيلي، لوقف عدوانه ومجازره ضد الشعب الفلسطيني".
وعقدت دول مجلس التعاون الخليجي على مدار الأشهر القليلة الماضية، سلسلة شراكات دولية وإقليمية، لتعزيز علاقات التعاون والشراكة الاستراتيجية، منها عقد القمة الخليجية -الأميركية، في إطار الشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون والولايات المتحدة، وقمة جدة للأمن والتنمية بين مجلس التعاون والأردن والعراق ومصر والولايات المتحدة، وقمة الرياض الخليجية - الصينية للتعاون والتنمية، وقمة الرياض العربية - الصينية للتعاون والتنمية.
وقف التطبيع مع إسرائيل
ويقول الباحث والأكاديمي العماني عبد الله باعبود، لـ"العربي الجديد"، إن حرب الإبادة التي يشنها كيان الاحتلال الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وعلى محاولات وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية لغزة، ستكون أبرز ملفات القمة الخليجية في الدوحة والتي ستتخذ موقفاً واضحاً يؤكد حل القضية الفلسطينية وفق مبادئ الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام وعلى أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
عبد الله باعبود: نطالب دول مجلس التعاون الخليجي بوقف التطبيع مع إسرائيل
ويرى الباحث أن المطلوب من دول مجلس التعاون الخليجي أن تدين بشدة ما قامت وتقوم به إسرائيل من مجازر ضد الإنسانية في غزة، وأن تدين كذلك سياسة إسرائيل في البطش بالشعب الفلسطيني واستمرارها في الاستيطان والاحتلال، مطالباً دول مجلس التعاون الخليجي بوقف التطبيع مع إسرائيل وربط هذه العملية بمدى التزامها بالشرعية الدولية وحل الدولتين.
ويؤكد باعبود الحاجة إلى تفعيل اتفاقيات وآليات منظومة مجلس التعاون الخليجي وتعميق التعاون والتكامل بين دول المجلس، وبين دول المجلس والدول العربية والإقليمية، خصوصاً تلك التي عُقدت معها قمم مشتركة، لتعزيز دورها وتأثيرها على الساحة الدولية.
مراجعة العلاقات الخليجية
أما الكاتب والمستشار الإعلامي جاسم إبراهيم فخرو، فيؤكد ضرورة مراجعة العلاقات الخليجية - الخليجية، خصوصاً أن كل دولة خليجية أصبحت لها رؤيتها السياسية ومواقفها واستراتيجيتها الخاصة، والأمور لم تعد كالسابق.
ويضيف فخرو في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه من المهم استيعاب هذه التغييرات وإيجاد نقاط مشتركة بين الدول الخليجية الست في السياسة الخارجية لضمان استقرار المجلس وأدائه الدور المطلوب منه خليجياً ودولياً وإقليمياً، وضرورة انعكاس مخرجات قممه على رفاهية واستقرار الشعوب الخليجية والمقيمين فيها.
ويلفت فخرو إلى أن تقدم الدول الخليجية إلى موقع القيادة في الوطن العربي، يضاعف مسؤولية قادة الخليج تجاه قضايا الأمة العربية وعلى رأسها قضية فلسطين. ويضيف: "نتطلع بكثير من الأمل لقرارات مصيرية تكون بحجم الطموح في رفع المعاناة وإنهاء المأساة وحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، خصوصاً في قطاع غزة".
إيران وقضايا الطاقة
ويقول رئيس مركز الخليج للأبحاث عبد العزيز بن عثمان بن صقر، في معرض رده على سؤال لـ"العربي الجديد"، إن هناك العديد من القضايا التي تحتل جانباً مهماً من أجندة القمة الخليجية التي ستشهدها الدوحة، وأهمها قضية غزة، والمواقف الدولية حولها، خصوصاً بعد الجولة الدولية لوزراء خارجية دول عربية وإسلامية ونتائج هذه الزيارة.
عبد العزيز بن عثمان بن صقر: ستبحث القمة تطور العلاقات مع إيران وإذا كان هناك تغير في سلوكها
ويلفت إلى أن "القمة الخليجية ستبحث ضمن جدول أعمالها تطور العلاقة مع إيران، وإذا كان هناك تغير في سلوكها تجاه دول المنطقة، وهل نشهد تحسناً في العلاقات بين إيران ودول الخليج، أم أنها لا تزال تمثل تهديداً، خصوصاً أن إيران تدعم المليشيات سواء في العراق أو لبنان، فضلاً عن موقفها من حماس، فهي حاولت أن تنأى بنفسها في قضية غزة، واتخذت مواقف إعلامية لا ترقى إلى المواقف العسكرية أو الميدانية".
ويرى رئيس مركز الخليج للأبحاث، أن قضية الطاقة ستكون أيضاً على أجندة القمة الخليجية، خصوصاً بعد انضمام دول أميركا اللاتينية إلى منظمة "أوبك"، معتبراً أن ذلك سيكون له تأثير على الاقتصاد العالمي واسواق الطاقة.
أما الباحث الاقتصادي حبيب الله التركستاني، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن المطلوب خليجياً أن تعزز القمة الخليجية التنسيق والعمل المشترك بين دول المجلس، خصوصاً في المجالات الاقتصادية في هذه الفترة التي تشهد فيها المنطقة العديد من التحديات.
ويعرب عن الأمل في أن تصدر القمة العديد من التوصيات التي تدعم تكامل الاقتصاد الخليجي، فالأوضاع الاقتصادية هي نتاج للأزمات السياسية التي تحيط بالمنطقة، خصوصاً الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والحرب في غزة والظلم الواقع عليها.
وكان البيان الختامي للقمة الخليجية التي عقدت في الرياض في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، قد أكد استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، وتنسيق المواقف بما يعزز من تضامن واستقرار دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والحفاظ على مصالحها، ويُجنّبها الصراعات الإقليمية والدولية، ويلبي تطلعات مواطنيها وطموحاتهم، ويعزز دورها الإقليمي والدولي من خلال توحيد المواقف السياسية وتطوير الشراكات الاستراتيجية مع المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية والدول الشقيقة والصديقة.
كما رحب البيان باعتزام المملكة العربية السعودية تقديم المرحلة الثانية من رؤية خادم الحرمين الشريفين لتعزيز العمل الخليجي المشترك والانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، لافتاً إلى توجيه المجلس الأعلى بالاستمرار في مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وتكليف المجلس الوزاري ورئيس الهيئة المتخصصة باستكمال اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، ورفع ما يتم التوصل إليه إلى المجلس الأعلى في دورته القادمة، (الدورة الحالية)، ووجه بأهمية الإسراع في تحقيق الوحدة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون، واستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، ومشروع سكة الحديد، وفق قرارات المجلس السابقة.