تعيش حكومة الاحتلال الإسرائيلي معضلة داخلية حقيقية حول قانون التجنيد الإلزامي، حيث يطالب المتدينون المتزمتون (الحريديم) بالإبقاء على إعفائهم من الخدمة العسكرية بذريعة أنهم يقومون بمهام دينية، فيما تطالب شرائح واسعة في المجتمع الإسرائيلي، بفرض الخدمة العسكرية على "الحريديم" والعمل بمبدأ "المساواة بالعبء"، بمعنى أن يخدموا في الجيش كغيرهم.
ويرى عدد من المراقبين والمحللين الإسرائيليين أن قانون التجنيد قد يؤدي إلى زعزعة استقرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وأنه بمثابة قنبلة قد تفجر الوضع، خاصة أن وزير الأمن يوآف غالانت دعا إلى خطة لتجنيد "الحريديم" يكون متفقاً عليها، بين أقطاب الحكومة، وذلك في محاولة للتصدي لقانون التهرب من الخدمة العسكرية، الذي يسعى إليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وشركاؤه "الحريديم".
واعتبر الكاتب يوسي فيرتر في صحيفة "هآرتس" اليوم الخميس، أن غالانت "وضع مجدداً إشارة قف أمام رئيس الحكومة نتنياهو"، شبيهة بتلك التي كانت في ليل 25 مارس/ آذار الماضي حين خرج غالانت أمام وسائل الإعلام وطلب من نتنياهو وقف خطة التعديلات القضائية بسبب "الخطر الواضح والفوري على أمن الدولة"، فيما قام نتنياهو في اليوم التالي بإقالته قبل أن يعيده لاحقا تحت الضغط الجماهيري.
واعتبر فيرتر أن غالانت اختار في المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس، الأمن على السياسة، وهذه المرة أضاف بشكل واضح بأنه في حال لم يكن مقترح القانون الذي يتم التوصل إليه مقبولاً أيضاً على "همحانيه همملختي" (المعسكر الرسمي) بزعامة الوزير بني غانتس، فإنه لن يطرحه على الكنيسيت للتصويت عليه، وهذا يعني بأن غالانت منح الوزيرين غانتس وغادي آيزنكوت حق النقض (الفيتو) على القانون.
وتطالب شرائح إسرائيلية واسعة بما يسمى "المساواة بالعبء" في دعوة إلى تجنيد "الحريدية" أيضاً.
وسبق أن أشار غانتس إلى أن "جميع شرائح المجتمع الإسرائيلي يجب أن تأخذ دورا في الخدمة العسكرية" وأن "هذا متطلب أمني ووطني واجتماعي"، مضيفاً "سنعمل معاً إلى جانب وزير الأمن غالانت ومع جميع الكتل البرلمانية وجميع شرائح المجتمع الإسرائيلي من أجل خطة تجنيد إسرائيلية تلاقي توافقاً واسعاً وفي أقرب وقت".
وبحسب ذات الكاتب في صحيفة "هآرتس"، فإنه بدون موافقة غانتس وآيزنكوت وبدون دخول قانون جديد ابتداء من الأول من إبريل/ نيسان المقبل، سيتم وقف تدفق مئات ملايين الشواقل (العملة الإسرائيلية) إلى مؤسسات التعليم "الحريدية"، وأن هذا سيكون بالتأكيد التهديد الأكبر لاستقرار الائتلاف الحكومي منذ إقامته.
تصريحات غالانت عن التجنيد "قنبلة كبيرة"
من جانبه، وصف الكاتب بن كسبيت في صحيفة "معاريف"، اليوم، بأن تصريحات غالانت عبارة عن قنبلة كبيرة، ألقيت في غرفة المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابنيت)، وهي التصريحات الأهم التي سُمعت منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وذات أهمية أكبر بكثير من كل خطابات "النصر المطلق".
وأشار كسبيت إلى أن غالانت حوّل "همحانيه همملختي" إلى الجهة التي لديها حق النقض، وقلب الساعة الرملية التي يوجد في نهايتها ثلاثة خيارات فقط، الأول خضوع "الحريديم" لخطة تجنيد يتم التفاهم عليها بين غالانت وغانتس وأيزنكوت، فيما الخيار الثاني رفض "الحريديم" خطة كهذه، الأمر الذي سيؤدي إلى انتخابات.
أما الخيار الثالث فهو استسلام غانتس أمام رغبة "الحريديم"، لكن الكاتب يستبعد هذا الخيار خاصة في قضية التجنيد، مضيفاً بأن غانتس قد خضع بما يكفي، كما أن غالانت لن يتنازل أيضاً.
ويرى الكاتب أن غالانت وغانتس يشتركان في الكثير من القضايا بشأن الجيش وأيضاً إزاء رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، مضيفاً بأنه في حال كانت تصريحات غالانت منسّقة مع غانتس، فإنه يضع نتنياهو في حلبة من القنابل والمتفجّرات والتي سيجد صعوبة في الخروج منها بسلام.
ويواجه نتنياهو هذا الوضع وهو في أدنى مستويات شعبيته، بحسب استطلاعات الرأي، ما قد يقيّد تحركاته وقرارته.
ويرى كسبيت أيضا بأن "غانتس لن يذهب إلى أي مكان وسيبقى شوكة في حلق نتنياهو، فيما يبدو الآن أن هناك تنسيقا بينه وبين غالانت وبدعم جماهيري قد يصل إلى 80% من أجل وضع حد للغبن التاريخي المتواصل والمتزايد بشأن المساواة بالعبء".
وتساءل الكاتب حول ما الذي يمكن للحريديم القيام به وإن كانوا سيصرّون على موقفهم حتى النهاية ويعملون على حل الحكومة ويقودون إلى انتخابات جديدة، أم سيبرمون صفقة من خلف ظهر نتنياهو، بشأن "اليوم التالي" لرئيس الحكومة.
"لا خيار إلا الانتخابات"
في صحيفة يديعوت أحرونوت تساءلت الكاتبة موران أزولاي، إن كانت تصريحات غالانت ستقود إلى تعقيدات سياسية بمنحه فيتو للوزير غانتس الذي انضم إلى الحكومة في بداية الحرب، ولكنه ليس ملتزماً بالمصالح الائتلافية للحكومة.
ونقلت أزولاي عن مسؤول سياسي كبير لم تسمّه قوله إنه "في غضون وقت قصير لن يكون هناك خيار آخر إلا التوجه إلى انتخابات".
وجاء المؤتمر الصحافي الذي عقده غانتس بعد يومين من المداولات التي كانت في المحكمة العليا بشأن التماسات ضد قرار الحكومة عدم تجنيد طلاب المعاهد الدينية لدى "الحريديم".
وطالب القضاة الحكومة أن تفسّر لماذا لا تلغي قرارها الذي يمنع تطبيق القانون على طلاب المعاهد الدينية؟ ولماذا لا يتم تجنيد هؤلاء على الرغم من انتهاء سريان قانون التجنيد الذي يعفيهم؟ ولماذا أيضا تدعم طلاب هذه المعاهد؟
وسيتوجب على الحكومة تقديم ردها خلال شهر مارس/ آذار المقبل.
ونقلت الكاتبة عن مسؤولين سياسيين كبار قولهم إن "تصريحات غالانت مثيرة، وأن منحه حق النقض للوزير غانتس، يعني أنه يمكنه الاعتراض على أي قانون يتم طرحه، وهذا يدخل الحريديم في فخ قد لا يستطيعون الخروج منه".
وبحسب مصادر الصحيفة فإنه "لا يوجد أي قانون يشمل التجنيد الإلزامي للحريديم يمكن أن يكون مقبولاً عليهم، وهذا يعني التوجّه إلى انتخابات في غضون فترة قصيرة، كما أن الطواقم التي تعمل على هذا الأمر تدرك بأنه معقد جداً".