كشف كتاب صدر حديثاً، ويتناول كواليس السنوات الأربع التي قضاها دونالد ترامب في البيت الأبيض، أن الأخير عرض على العاهل الأردني عبد الله الثاني، في يناير/كانون الثاني 2018، ما وصفه بـ"الصفقة العظيمة" التي تشمل ضم الضفة الغربية إلى الأردن وتسليمه حكمها، ما ترك العاهل الأردني في حالة "صدمة"، كما يصف الكتاب.
وليس في السجلات لقاء معلن بين ترامب والملك عبد الله خلال يناير من ذلك العام، لكنه شهد زيارة لنائب الرئيس الأميركي، مايك بنس إلى الأردن، مباشرة بعد إعلان ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل قبل ذلك بشهر؛ وربّما يكون الزعيمان قد التقيا على هامش مؤتمر دافوس الذي انعقد في أواخر يناير، وشهد مشاركة كليهما.
وتسرد صحيفة واشنطن بوست، نقلاً عما أسرّ به الملك عبد الله إلى "صديق أميركي" في عام 2018 ذاته، أن الأخير كان في حالة صدمة من عرض الرئيس الأميركي: "شعرت بأنني أصبت بنوبة قلبية.. انحنيت إلى الأسفل ولم أستطع التقاط أنفاسي".
وبحسب ما يشرح الكتاب، فقد اعتقد ترامب بأنه "كان يسدي للملك معروفاً" بعرضه هذا، غير مدرك أن هذا الأمر من شأنه أن يزعزع استقرار بلاده، وفق ما عقّبت "واشنطن بوست" في تقريرها عن الكتاب.
ليست فكرة ترامب وحده
ورغم أن العرض بدا صارخاً من الرئيس الأميركي، فإن هذا الطرح يبقى قديماً ودارجاً في سياق السيناريوهات المطروحة "لحل" الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن ضمن فكرة "كونفدرالية" تجمع الأردن وما بقي من كانتونات الحكم الذاتي في الضفة؛ وهو الأمر الذي عارضته الأردن علناً في مناسبات عدة.
وفي العام ذاته، تحديداً في شهر سبتمبر/أيلول، كشف الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في لقاء مع حركة "السلام الآن" في مقرّه بالمقاطعة في رام الله، أن صهر ترامب، جاريد كوشنر، والمبعوث الخاص للرئيس، جيسون غرينبلات، طرحا أمامه بالفعل عرض الكونفدرالية مع الأردن، وأبدى موافقة مبدئية عليه، لكن في إطار كونفدرالية ثلاثية تجمع أيضاً إسرائيل، وسألهما إذا ما كان الإسرائيليون مستعدين للموافقة على ذلك.
وفي اليوم ذاته، أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الأردنية، جمانة غنيمات، أن "فكرة الكونفدرالية مع الأردن ليست قيد البحث، وغير قابلة للنقاش، ومن حق الفلسطينيين إقامة دولتهم على أرضهم".
وفي اليوم التالي، أكدت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية العرض الأميركي، وذكرت أن خطة الكونفدرالية تلك إسرائيلية كذلك، وأنها عرضت على الملك عبد الله الثاني، "وتقترح أن تكون الضفة الغربية دون القدس تحت الرعاية الأمنية الأردنية، التي ستدافع عن الحدود بين إسرائيل والكونفدرالية".
وأشارت الصحيفة إلى أن ذلك الاتفاق "لا يحدد ما إذا كان هناك برلمان ودستور مشترك، ولا يحدد أيضاً هل سيحظى الطرف الفلسطيني بمكانة دولة"، واستدركت بأنه "ربما يكون هناك اعتراف إسرائيلي بالدولة الفلسطينية؛ ولكن فقط كجزء من الكونفدرالية ودون قطاع غزة؛ الذي سينتقل لرعاية مصر الأمنية".
حكم الغريزة والنزق
الكتاب الذي صدر في أغسطس/آب الماضي تحت عنوان: "المقسِّم: ترامب في البيت الأبيض 2017-2021"، ويقع في 752 صفحة، هو من تأليف الصحافيين بيتر باركر، كبير مراسلي البيت الأبيض في صحيفة "نيويورك تايمز"، وزوجته سوزان غلاسر، وهي كاتبة في مجلة "ذا نيويوركر"، يكشف عن فصول جديدة من فوضى السنوات الأربع التي قضاها ترامب في الحكم، أو بتعبير معلّق "نيويورك تايمز"، "عن صورة كاريكاتورية لبيت أبيض فوضوي" كانت تحكمه "الغريزة والنزق".
ويقرّ الكتاب بوجود أشخاص "أكثر عقلانية وأخلاقية" من ترامب داخل الإدارة، عملوا دائماً على كبح اندفاعاته الخطرة، لكن "لأن لكلّ واحد منهم أفكاره الخاصة حول أين يجب كبح جماح ترامب وأين يجب تشجيعه، فقد تحوّل البيت الأبيض إلى وكر من الحروب القبلية المستمرة، وفيها يتنافس كل فريق ليكون محظيّاً لدى ترامب على خصومه"، كما يصف الكتاب.
ويعرض الكتاب تفاصيل دقيقة عن "ملفات الفساد داخل إدارة ترامب، والمعارك الثقافية، وديماغوجية الرئيس، وولعه بالأوتوقراطية، ودسائس القصر، والتغريدات على وسائل التواصل"، وفق توصيف "نيويورك تايمز"، ويستند الكاتبان في ذلك إلى 300 مقابلة أصلية أجراها الكاتبان، ويوميّات خاصة، ومذكرات، وملاحظات متزامنة، ورسائل إلكترونية ونصية، ووثائق أخرى، بالإضافة إلى مقابلتين شخصيتين مع ترامب في إقامته بمارالاغو.
استقالة جماعية
ووفقاً للكتاب، فإن فريقاً من كبار المسؤولين كان على وشك تقديم استقالة جماعية، كما يظهر في رسالة من أكتوبر/تشرين الأول 2018، كتبتها وزيرة الأمن الداخلي آنذاك، كريستين نيلسن، إلى أحد كبار مساعديها عبر التطبيق المشفر للمسؤولين.
ويضم فريق المسؤولين الذين أرادوا الاستقالة أسماء وازنة، من قبيل وزير الدفاع جيمس ماتيس، ورئيس فريق الإدارة جون كيلي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، جوزيف دانفورد، بالإضافة إلى وزيرة التعليم بيتسي ديفوس، ووزير الداخلية ريان زينك.
ويسرد الكتاب أنّ ترامب حاول دفع نيسلن إلى تشديد الحدود بما يتجاوز حتى سلطاتها ضد ما وصفته "فوكس نيوز" آنذاك على أنه "غزو" من قبل المهاجرين على الحدود الجنوبية. واتفقت نيلسن، ووزير الصحة أليكس أزار، آنذاك، على أنهما سيستقيلان إذا استأنف ترامب فصل الأطفال عن آبائهم على الحدود في خريف عام 2018. وغادر المسؤولون المذكورون جميعهم إدارة ترامب لاحقاً.
أزمة كورونا
ويوثّق الكتاب حديثاً منفصلاً بين ترامب وزوجته ميلانيا مع بدايات انتشار وباء كورونا، بعد أن نقلت قلقها من تعامل زوجها مع الأزمة لحاكم ولاية نيوجيرسي كريس كريستي، الذي كان يطلب ترامب منه المشورة في العادة.
وبحسب الكتاب، فقد قالت ميلانيا لزوجها: "أنت تفجر الأوضاع"، في إشارة إلى انتشار الوباء، لكنه تجاهلها واكتفى بالقول: "أنت تقلقين بشكل مبالغ فيه".
جنرالات كجنرالات هتلر
ويسجّل الكتاب حديثاً بين ترامب ورئيس طاقم موظفيه، كيلي، يفصح فيه عن رغبته بأن يحظى بجنرالات "مخلصين بالمطلق" كأولئك الذين خدموا زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر.
وبحسب الكتاب، فقد وبّخ ترامب كيلي شاكياً: "لماذا لا تكون مثل الجنرالات الألمان"، وعندما سأله الأخير أي جنرالات يقصد، ردّ بالقول: "الجنرالات الألمان في الحرب العالمية الثانية".
ويسرد الكتاب أنّ كيلي أجاب عن سؤال الرئيس قائلاً: "أنت تعلم أنهم حاولوا قتل هتلر ثلاث مرات وبالكاد تراجعوا؟"، إلا أنّ ترامب ظلّ مصرّاً على رأيه: "لا، كانوا مخلصين له بالمطلق".