بعد عدة محاولات فاشلة من مطاردة كوادر "كتيبة نابلس"، تمكنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الثلاثاء، من الوصول إلى المطارَد إبراهيم النابلسي ورفاقه، لكن أولئك المقاومين اشتبكوا معهم خلال تحصنهم بأحد المنازل بالبلدة القديمة من نابلس شمال الضفة الغربية، وبقوا يقاومون حتى أعلن عن استشهاده ورفيقه إسلام صبوح، إضافة لاستشهاد الفتى حسين طه أثناء مواجهات شهدتها المدينة.
ونفذت قوات خاصة من وحدات "الدوفدوفان" التابعة لجيش الاحتلال عملية خاطفة ومباغتة، صباح الثلاثاء، استهدفت النابلسي ومساعده إسلام صبوح، بعد محاصرتهما في أحد المنازل داخل إحدى حارات البلدة القديمة في نابلس، حيث استخدمت قوات الاحتلال قذائف موجهة وصواريخ مضادة للدروع تجاه المنزل، بالتزامن مع إطلاق نيران كثيفة، وانتشر القناصة على أسطح البنايات المجاورة، لمنع أي دعم لوجستي قد يصل إليهما من رفاقهما، ما أدى لاستشهادهما، واستشهاد الفتى حسين طه خلال المواجهات التي شهدتها المدينة.
إصرار لأجل المقاومة
حينما أعلن عن انتشال النابلسي وصبوح، كان إبراهيم النابلسي لايزال على قيد الحياة ويلفظ أنفاسه الأخيرة، ويصرّ على وجوده مقاومًا في مدينة وصفت إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية أنها "عاصمة الاستشهاديين"، في إشارة إلى كثرة منفذي العمليات الفدائية. وفشل الأطباء في إنقاذ حياة إبراهيم النابلسي بعد أقل من ساعة من نقله للمستشفى.
واستشهد المطارَد النابلسي بعد أقل من 3 ساعات على وصيته التي بعثها برسالة صوتية لأصدقائه يوصيهم فيها بعدم ترك السلاح.
وخلال حصاره، أرسل النابلسي رسالة صوتية قال فيها: "أنا هاستشهد اليوم.. أنا بحبك يا أمي.. وحافظوا على الوطن بعدي.. أنا محاصر ورايح استشهد.. وأوصيكم يا شباب ما حد يترك البارودة".
كما تداولت المواقع تسجيلا آخر للشهيد صبوح قال فيه: "شباب ادعولنا، أخوكم إسلام أبو جمال، نحن استشهدنا ادعولنا".
ويلاحق الاحتلال النابلسي بصفته المسؤول الأول عما يعرف بـ"كتيبة نابلس" التي نفذت سلسلة عمليات إطلاق نار تجاه قوات الاحتلال خلال اقتحامها للمدينة، وتجاه حواجزه العسكرية المنتشرة في محيطها، واعترف الاحتلال بإصابات مؤكدة في صفوفه.
"طنجرة الضغط" لملاحقة المقاومين
وفق الخبراء العسكريين، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستخدم في نابلس وجنين أسلوب "طنجرة الضغط"، التي تقوم على محاصرة المنزل الذي يتحصن به المقاومون بشكل محكم، مع الاستعانة بدروع بشرية في محاولة لإقناع المحاصر بتسليم نفسه.
وفي حال فشلت هذه المحاولات، كما جرى اليوم الثلاثاء، مع الشهيد النابلسي حينما رفض تسليم نفسه، يشرع جنود الاحتلال بإطلاق وابل كثيف من النيران وصواريخ تحمل على الكتف، كمحاولة لإحداث ثغرة من أجل الدخول إلى قلب البيت المحاصر.
كما قد يلجأ الاحتلال إلى استخدام جرافة عسكرية لهدم البيت أو جزء منه، كما جرى في أكثر من مرة.
محاولات اغتيال فاشلة
ومنذ عدة أشهر، تطارد قوات الاحتلال الشهيد النابلسي، الذي بات المطلوب الأول في مدينة نابلس، بعدما نجا من عدة محاولات اغتيال، أولاها كانت في فبراير/ شباط الماضي، عندما أطلقت قوات خاصة النار صوب سيارة في نابلس كان يعتقد أن النابلسي بداخلها، لكنه كان قد نزل منها قبل دقائق من محاولة الاغتيال، ليستشهد في العملية رفاقه أدهم مبروكة، ومحمد الدخيل، وأشرف مبسلط.
وقبل قرابة أسبوعين، نجا النابلسي من محاولة اغتيال في حارة الياسمينة بالبلدة القديمة، بعدما حاصرت قوات خاصة إسرائيلية منزلا فيها، ودارت اشتباكات لساعات، استشهد خلالها رفقاء دربه محمد بشار عزيزي (25 عاما) وعبد الرحمن جمال صبح (28 عاما)، بعد حصار واشتباك مع قوات معززة من جيش الاحتلال.
الهدف الاغتيال وليس الاعتقال
وفوجئ المتطوع بالهلال الأحمر الفلسطيني تامر صبوح، ابن عم الشهيد إسلام، باستشهاد ابن عمه، حيث يقول لـ"العربي الجديد" إن "الطواقم منذ الصباح الباكر بدأت بإسعاف المصابين، والذين كانوا بالعشرات بالرصاص الحي، لكنني تفاجأت بأن أحد الشبان يخبره بأن إسلام موجود بين الشبان الذين جرى إعدامهم داخل البلدة القديمة".
ويضيف صبوح: "عندما انسحب جيش الاحتلال كان الشبان ينقلون أحد الشهداء لمستشفى رفيديا بمدينة نابلس، وتعرفت إلى ابن عمي بالمستشفى، حيث كان جسده متفحمًا، منظر صعب أن يوصف، كانت إصابته بالغة، في وضع يشير إلى أن الاحتلال كان يهدف لاغتيالهم لا اعتقالهم".
ويقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية عزام أبو العدس، لـ"العربي الجديد": "إن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وضعت النابلسي نصب عينيها منذ نحو عام، ورصدت تحركاته، خاصة اتصالاته مع كتيبة جنين، ومحاولاته التي نجح فيها بنقل التجربة إلى نابلس وتشكيل خلايا مقاومة، نفذت سلسلة عمليات".
التفاف حول المقاومة
ومحاولات الاحتلال القضاء على النابلسي كثيرة، لعل أبرزها اغتياله لثلاثة من المقاومين، هم أدهم مبروكة، ومحمد الدخيل، وأشرف مبسلط، بإطلاق أكثر من ثمانين رصاصة على سيارتهم في منطقة المخفية في نابلس يوم الثامن من فبراير/شباط الماضي، حيث كان يعتقد أن النابلسي يتواجد معهم، فيما تعرض النابلسي لعدة محاولات اغتيال، لكنها فشلت طيلة الأشهر الماضية.
هذه المحاولات يقول أبو العدس إنها "زادت من شعبية النابلسي والتفاف الجماهير حوله، خاصة من شريحة الشباب الذين كانوا أطفالا أو ولدوا قبيل اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وعايشوا في صغرهم إعادة احتلال الدبابات الإسرائيلية مدن الضفة الغربية وعمليات الاغتيال والاعتقال، بالتزامن مع ضعف الأداء الرسمي للسلطة الفلسطينية، وعدم قدرتها على تحصيل أي من الحقوق الفلسطينية، ما زاد من قناعتهم بفكرة مقاومة الاحتلال والالتفاف حول المقاومين".
ويقول القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خضر عدنان، لـ"العربي الجديد"، إن "دماء الشهيد النابلسي وأبطال نابلس ستكون منارات على طريق الجهاد والتحرير، اليوم نعلن في الجهاد والسرايا أننا ننتمي للشهيد النابلسي وكل الشهداء، ومن يقاوم هذا المحتل".
ويضيف عدنان: "إن وصية الشهيد النابلسي برّا بوالدته وتشبثا بالسلاح أبلغ الوصايا والكلام، ونحن نقول لأمهات الشهداء أنتن أمهات لكل الأحرار والثوار والمجاهدين والمخلصين".
النابلسي المطارِد وليس المطارَد
وصل النابلسي إلى مرحلة الثانوية العامة ولم يكمل تعليمه الجامعي، ويعمل والده علاء عزت النابلسي ضابطا في جهاز الأمن الوقائي.
وأمام جموع المشيعين، قال الأب: "إن إبراهيم هو الذي كان يطارد الاحتلال وليس العكس، وكان صادقا بطلب الشهادة وقد نالها، منذ ربع قرن ونحن نمد أيدينا للسلام، لكنهم كانوا يردون علينا بالقتل والتدمير".
أما والدته هدى النابلسي، التي رافقت جنازة تشييع ابنها اليوم الثلاثاء، منذ انطلاقها من مستشفى رفيديا الحكومي في نابلس حتى مواراته في الثرى، فكانت تردد "إبراهيم طخوه لكن في 100 إبراهيم، كلكم أولادي، إبراهيم راح عند حبيبه النبي محمد.. الحمد لله". وقالت "إبراهيم انتصر الحمد لله، إبراهيم الحر وهبته لفلسطين والمسجد الأقصى ولله الواحد الأحد"، فيما بادرها المتجمهرون بالهتاف: "يا أم الشهيد نيالك يا ريت أمي بدالك".
أما صبوح، فهو في الخامسة والعشرين من عمره، وقد تربى، وفق شقيقه شادي صبوح في حديث لـ"العربي الجديد"، على رفض الظلم والاستسلام، و"قد آمن بفكرة كتيبة نابلس والتحق بها قبل عدة أشهر"، وقال "كان أخي يعلم مصيره تمامًا، ولم يكن يخاف منه، فهو مقدام وشجاع، ونحن نفخر به وبما قدمه، ونسأل الله له القبول".