لم يكن أمام أهالي بلدة كناكر في ريف دمشق الجنوبي الغربي من خيار غير التوصل إلى تسوية مع النظام السوري، الذي هدد باجتياح البلدة في حال عدم تسليمه مطلوبين وتجريد 200 مقاتل من أسلحتهم ليسهل عليه بعد ذلك إخضاعها، بعد حصار استمر أكثر من عشرة أيام، على خلفية غليان شعبي نتيجة اعتقال أجهزة هذا النظام نساء من البلدة. وأكدت مصادر محلية أن وجهاء من بلدة كناكر توصلوا عقب اجتماع، عقد أول من أمس الجمعة، مع ضباط من قوات النظام في مقر لواء عسكري تابع للأخيرة، إلى اتفاق مبدئي يأملون من خلاله تجنيب بلدتهم اجتياحاً واسع النطاق. وأوضحت المصادر أن الاتفاق تضمّن انضمام من يحمل السلاح من مقاتلي البلدة، المقدّر عددهم بـ 200 عنصر، إلى أجهزة النظام الأمنية، فيما يتم نقل رافضي التسوية إلى درعا أو الشمال السوري. كذلك يُتيح الاتفاق لقوات النظام الدخول إلى البلدة، وإنشاء حواجز داخل أحيائها، ومداهمة بعض المزارع بحثاً عن أسلحة.
حاصرت الفرقة الرابعة كناكر ومنعت دخول المواد الغذائية
وشهدت كناكر احتجاجات شعبية منذ أيام عدة بسبب اعتقال حاجز لجهاز المخابرات الجوية (أكثر أجهزة النظام الأمنية دموية) عدة نساء وطفلة على جسر بلدة الطيبة في ريف دمشق الغربي، وهو ما دفع الأهالي للخروج في تظاهرات مطالبة بإطلاق سراح المعتقلات. وقطع المتظاهرون الطرق الرئيسية، وأحرقوا صوراً لرأس النظام بشار الأسد، في خطوة أكدت هشاشة التسويات التي أجراها النظام منذ سنوات في بلدات ريف دمشق الغربي. وذكرت مصادر محلية أن أجهزة النظام حاولت اعتقال أخوين لإحدى المعتقلات، وهو ما دفع أحدهما للدفاع عن نفسه بإطلاق النار على الدورية، فقتل أحد أفرادها وأُصيب ضابطان، بينهما العميد صالح العلي نائب رئيس فرع الأمن العسكري في بلدة سعسع التي تضم الأجهزة الأمنية في ريف دمشق الغربي. وأوضحت أن قوات النظام استقدمت إثر ذلك تعزيزات من الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق رأس النظام، حاصرت البلدة، ومنعت دخول المواد الغذائية إليها، متسببة بأزمة إنسانية خانقة. وكان النظام قد أبرم أواخر عام 2016 اتفاقات "تسوية" مع عدد من البلدات في ريف دمشق الغربي، منها معضمية الشام، وخان الشيح وزاكية والكسوة وكناكر والدرخبية وبيت سابر وبيت تيما والمقيلبية وكفر حور، أفضت إلى تهجير آلاف المدنيين والمقاتلين من أبناء هذه البلدات إلى الشمال السوري. ونصت هذه الاتفاقات على تسوية أوضاع من يرغب من مقاتلي فصائل المعارضة، وترحيل القسم الآخر إلى مناطق المعارضة شمالي سورية. ونصت أيضاً على تسليم كامل السلاح داخل البلدة لقوات النظام، و"تسوية" أوضاع المنشقين عن الجيش، والمتخلفين عن الخدمة العسكرية، مقابل رفع الحصار ووقف القصف، مع وعود ببحث مصير المعتقلين من أبناء البلدة في سجون النظام. ولكن أغلب هذه البلدات لم تعش استقراراً بسبب عدم التزام النظام بما تضمنته هذه الاتفاقات لجهة إطلاق سراح المعتقلين في سجونه، وإيقاف الملاحقات بحق المطلوبين من مدنيين وعسكريين، مع استمراره في سياسة التضييق على الأهالي ونشر الفوضى الأمنية، انتقاماً من البلدات التي انخرطت باكراً في الثورة السورية التي بدأت في ربيع عام 2011. ويلجأ النظام إلى ما يُسمّيه بـ "التسوية" مع المدن والبلدات التي تخرج عن سيطرته من أجل تفريغها من المقاتلين والقوى القادرة على قيادة الحراك الشعبي ضده، في خطوة يأمل من خلالها العودة بالأوضاع إلى ما قبل عام 2011. لكن الوقائع الميدانية أظهرت أن النظام بات عاجزاً عن فرض سيطرة مطلقة على هذه المناطق.
الاتفاق تضمّن انضمام من يحمل السلاح إلى أجهزة النظام الأمنية
ولم يعمل النظام منذ أواخر عام 2016 على تهيئة الأجواء من أجل استقرار المناطق التي أجرت تسويات معه، من خلال إطلاق سراح المعتقلين، وتوفير الخدمات الرئيسية للسكان. وسبق أن عقد النظام اتفاقاً مع بلدتي الصنمين وطفس في ريف درعا الشمالي، في مطلع شهر مارس/ آذار الماضي قضى بانخراط المسلحين في أجهزة النظام الأمنية، وتهجير الرافضين إلى الشمال السوري. وسبق للنظام السوري أن أجرى تسويات عديدة في منتصف عام 2018 مع مدن وبلدات محافظتي القنيطرة ودرعا، إلا أنه لم يلتزم بها كعادته، وهو ما يجعل الجنوب السوري وريف دمشق الغربي المتاخم له في حالة توتر وغليان شعبي يتفجر بين وقت وآخر، كما حدث في بلدة كناكر. ومنذ اتساع نطاق الثورة السورية في عام 2012، اتبع النظام سياسة حصار المناطق التي تخرج عن نطاق سيطرته غير آبه بالأزمات الإنسانية.