كشف دبلوماسيون مصريون عن تفاصيل التحركات الأخيرة بشأن الوضع في ليبيا، موضحين طبيعة الزيارة غير المعلنة لكلّ من رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري إلى القاهرة.
ووفقاً لدبلوماسي مصري مقرّب من اللجنة الوطنية المعنية بالملف الليبي، فإن رئيس جهاز الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل عقد لقاءً مع صالح، ومن المقرّر أن يلتقي المشري بشكل منفصل، مساء اليوم الاثنين، مؤكداً أن القاهرة تلقت إشارات إيجابية من الطرفين قبل تقديم الدعوة إليهما للقدوم للقاهرة بشأن التجاوب مع المقترحات الرامية لحلحلة الأزمة السياسية، منعاً لأي تصعيد عسكري جديد بين الأطراف المتنازعة على السلطة التنفيذية، في إشارة إلى حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، والحكومة المكلفة من مجلس النواب التي يترأسها فتحي باشاغا.
وكشف الدبلوماسي المصري، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، عن أن زيارة صالح والمشري للقاهرة تبحث ملفين أساسيين، هما التشاور بشأن تشكيل حكومة جديدة في ليبيا يكون بمقدورها تحقيق التوافق بين الأقاليم الليبية والعمل على ترتيب الوضع وتهيئته لإجراء الاستحقاقات الانتخابية، مشيراً إلى أن الملف الثاني هو إعادة إطلاق مسار المفاوضات بشأن المسار الدستوري، والتوافق على القاعدة الدستورية، وهو المسار الذي شهد توقفاً في أعقاب فشل آخر جولة له في جنيف أخيراً، بسبب الخلاف بين المشري وصالح حول شروط الترشح للرئاسة في ليبيا.
وفشلت اللجنة الدستورية المشتركة المشكَّلة من أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة في التوافق على كل القوانين الانتخابية خلال جولتين من المفاوضات استضافتهما القاهرة منتصف العام الجاري، وذلك قبل أن يفشل أيضاً اللقاء الذي عُقد في مدينة جنيف السويسرية في يونيو/حزيران الماضي بين صالح والمشري في التوصلّ لحل بشأن المواد الخلافية، والتي تتعلق بشروط الترشح للانتخابات الرئاسية، والتي شكّلت السبب الأساس في انهيار العملية الانتخابية التي كانت مقررة في الرابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
من جهته، كشف دبلوماسي مصري آخر عن أن التحركات الجديدة تتم بتوافق عام بين القوى الإقليمية الرئيسة اللاعبة في المشهد الليبي، وعلى رأسها مصر وتركيا، مؤكداً أن "هناك توافقاً بين القاهرة وأنقرة بشأن مقترح تشكيل حكومة جديدة تكون بديلة عن الحكومتين الحاليتين، ولعب دور من كافة الأطراف الداعمة لهما لإجبارهما على الانصياع لتلك الرغبة الدولية".
وشدد الدبلوماسي المصري على أن "المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، لم يكن ليتجاوب مع الجهود المصرية الأخيرة لولا حصوله على ضوء أخضر تركي في هذا الصدد، وهو ما يشير بشكل واضح لتفاهمات بين الجانبين بشأن ملف ليبيا".
وأوضح أن "عنوان المرحلة هو البحث عن حل ثالث للخروج من الأزمة، بعيداً عن المسارات الحالية التي أجمعت الأطراف الدولية الأبرز على أنها لم تعد صالحة"، مشيراً إلى أن هناك سيناريوهان مقترحان في إطار صياغة مخرج للأزمة السياسية الراهنة. ولفت الدبلوماسي إلى أن "السيناريو الأول هو إعادة صياغة لإحدى الحكومتين الحاليتين، والدمج بينهما بعد إقناع أحد الرجلين بالانسحاب للآخر"، أما السيناريو الثاني، بحسب المسؤول المصري، والذي بات الأقرب، على حدّ تعبيره، في ظل تمتعه بقبول من جانب مجموعة الدول الخمس الكبرى (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا وإيطاليا، وألمانيا)، "فهو تشكيل حكومة جديدة مصغرة، تكون مهمتها تصريف الأعمال اليومية العاجلة، والتحضير للانتخابات، التي يتوافق الجميع على أنها الحل الأمثل للأزمة في ليبيا".
وساطة مصرية - تركية
من جانبه، قال دبلوماسي مصري آخر إن هناك توافقاً بين الأطراف الإقليمية والدولية اللاعبة في ليبيا على لعب مصر وتركيا دور الوسيط بين الطرفين، في محاولة لتسريع عملية انتزاع التوافق على الحل السياسي الجديد، والذي يُعدّ أقرب تصور له هو تشكيل "حكومة إنقاذ" جديدة تكون بعيدة تماماً عن شبهات التجاذبات السياسية والدولية، ويقرّ المشاركون فيها بعدم لعب أي دور في الحياة السياسية مستقبلاً، في إشارة إلى الترشح للانتخابات الرئاسية.
ولفت الدبلوماسي المصري إلى أنه على من يرغب في الترشح للرئاسة في ليبيا مستقبلاً أن يتفرغ بعد ذلك لتقديم نفسه بالشكل الذي يراه مناسباً، لحصوله على ثقة الناخب هناك".
وأخيراً، نفى المتحدث باسم حكومة الوحدة الوطنية محمد حمودة قيام تركيا بإرسال أي مبعوث لتقديم مبادرة سياسية، مشيراً إلى أن تركيا تتعامل مع حكومة الوحدة بشكل رسمي، وأن السلطات التركية تؤكد موقفها تجاه الملف الليبي الداعم للاستقرار والتهدئة والذهاب للانتخابات كحل للأزمة؛ وهو ما أكده السفير التركي لدى ليبيا كنعان يلماز بقوله في تصريحات إعلامية سابقة: "فوجئنا بالأخبار المتداولة بوسائل التواصل الاجتماعي عن إرسال وفد تركي إلى الدبيبة لتسليم السلطة لباشاغا، ونؤكد أنها غير صحيحة".
وتابع: "تربطنا بليبيا علاقات منذ 500 سنة، وهي علاقات راسخة"، مشدداً على أن "علاقتنا مبنية على أن يعمّ ليبيا الاستقرار والرخاء، وتأسيس الحوار على أسس التوافق بين الأطراف للوصول إلى حل للنزاعات السياسية القائمة، والتوجه إلى الانتخابات".
وأبدى يلماز استعداد بلاده لتأدية دور الوساطة لتحقيق التوافق بين الأطراف المتنازعة، واستضافة اجتماع بينها، مؤكداً أنه تم نقل تلك الرسالة لكلّ الأطراف الليبية، مشدداً على أن موقف بلاده يتمثل في التمسك بـ"بليبيا واحدة موحدة، دون تمييز بين شرقها وغربها وجنوبها".
وقال السفير التركي لدى ليبيا "نأمل في التوصل إلى حلول سياسية عبر التوافق، ونقف إلى جانب الشرعية في ليبيا"، مضيفاً: "أكدنا مراراً ضرورة عدم اللجوء للقوة للوصول إلى الأهداف السياسية"، مستطرداً أن "أحد مبادئنا هو عدم إعطاء فرصة للفراغ السياسي، والتوصل للانتخابات من خلال التوافق لإعطاء الأمل للشعب".