يدرك الرئيس الأميركي جو بايدن أن لا حلول سحرية لأزمة كوريا الشمالية وتحديداً كيفية نزع سلاحها النووي، خصوصاً بعدما اختار عدم المضي على نهج سلفه دونالد ترامب الذي عقد اجتماعات مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، فيما تسير بيونغ يانغ على خطى إسلام آباد، التي كانت واشنطن طالبت بنزع سلاحها النووي، قبل أن تعود وتتراجع عن هذا الأمر.
وعلى الرغم من ذلك، فإن إدارة بايدن تعمل منذ أشهر على مراجعة استراتيجيتها بشأن كوريا الشمالية، وغالباً بالتشاور مع اليابان وكوريا الجنوبية، وهو ما عكس أهمية القمة التي جمعت أمس الرئيس الأميركي ونظيره الكوري الجنوبي مون جيه إن، في واشنطن، والتي تصدر جدول أعمالها ملف نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية، وسط اعتقاد وزير الخارجية الكوري الجنوبي جونغ أوي يونغ بأن السياسة الأميركية الجديدة بشأن كوريا الشمالية تعد "واقعية" لأنها من وجهة نظره "تتبنى الاتفاقيات السابقة الموقعة مع بيونغ يانغ، بما فيها اتفاق قمة 2018 التي تلزم النظام الشمالي بنزع السلاح النووي بالكامل".
إبقاء بيونغ يانغ على ترسانتها النووية أمر غير مريح لبايدن
لكن على الرغم من ذلك، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن بايدن يواجه الحقيقة حالياً، وهي أن كوريا الشمالية لن تتخلى عن ترسانتها من الأسلحة النووية، وأنها قد تكون ضاعفت منها، خلال السنوات الأربع الماضية. وأوضحت أن بيونغ يانغ قامت بعد أسابيع من دخول بايدن إلى البيت الأبيض بإرسال رسالة إلى الإدارة الجديدة، فقد أعادت العمل بأجزاء رئيسية من محطة إنتاج الوقود النووي في يونغبيون. وقال الخبير فيكتور تشا، للصحيفة، إن "هذا الأمر جزء من كتاب اللعب. وهو يقول إننا هنا لنبقى".
وأشارت الصحيفة، أمس الأول، إلى أن إبقاء بيونغ يانغ على ترسانتها النووية أمر غير مريح لبايدن، الذي كان مون جيه إن دعاه لإحياء المفاوضات مع كوريا الشمالية.
ونقلت عن خبراء قولهم إن ترسانة كوريا الشمالية من الأسلحة النووية ومخزونها من الوقود تضاعف تقريباً خلال السنوات الأربع الماضية، وهو أمر كانت تقوم به بيونغ يانغ حتى خلال عقد ترامب اجتماعات مع كيم. وأشارت الصحيفة إلى أن أفضل التقديرات غير السرية هي أن كوريا الشمالية تمتلك ما لا يقل عن 45 سلاحاً نووياً، ويبدو أنها تتجه إلى ترسانة بحجم ترسانة باكستان تقريباً، وهي دولة نووية أخرى كانت الولايات المتحدة طالبت بنزع سلاحها، قبل أن تعود وتتخلى نهائياً عن هذا الأمر، وهو الأمر الذي تريد بيونغ يانغ الاحتذاء به.
ويعترف المسؤولون في إدارة بايدن بعدم وجود وهم بأن بيونغ يانغ ستتخلى عن كامل برنامجها النووي. لكن، على غرار أسلافه، اتخذ بايدن قراراً بعدم الاعتراف رسمياً بكوريا الشمالية كدولة نووية، كما يقول مساعدوه. وأوضحت "نيويورك تايمز" أن أي اعتراف رسمي بأنه لن يتم إزالة ترسانة كوريا الشمالية النووية، سيحيي المناقشات حول ما إذا كان حلفاء الولايات المتحدة، مثل كوريا الجنوبية واليابان، يمكنهم الاعتماد على المظلة النووية الأميركية. ونقلت الصحيفة عن روبرت أينهورن، الخبير النووي السابق في وزارة الخارجية الأميركية، قوله إن الاعتراف الرسمي بأن كوريا الشمالية دولة نووية "سيزيد من اهتمام كوريا الجنوبية واليابان بالحصول على أسلحة النووية"، و"سيضر بنظام منع انتشار الأسلحة النووية العالمي". وتوقع أن تستغل الإدارة زيارة مون جيه إن إلى واشنطن "لإعادة التأكيد على أن الهدف النهائي سيكون نزع الأسلحة النووية بشكل كامل، حتى لو كانت تشك سراً في أن هذا الهدف سوف يتحقق".
وفيما أعلنت إدارة بايدن مراجعة استراتيجيتها بشأن كوريا الشمالية، لكنها لم تقدم سوى القليل من التفاصيل حول استنتاجاتها، باستثناء تجنب محاولة عقد صفقة كبرى مع كيم جونغ أون. وبدلاً من تقديم حزمة كاملة، تتضمن محاولة التوصل إلى معاهدة سلام رسمية لإنهاء الحرب الكورية، وتقديم وعد بإقامة علاقة جديدة بين بيونغ يانغ وواشنطن، وخطة شاملة لنزع السلاح النووي، فإنها سوف تعود للعمل عبر خطوات صغيرة لبناء الثقة. ورجح فيكتور تشا عدم تطرق بايدن كثيراً إلى كوريا الشمالية، على الأقل في العلن، فيما أوضح مسؤولون في إدارة بايدن أنهم غير مهتمين بإعطاء كيم جونغ أون الفرصة بأن يكون مركز الاهتمام، كما كان خلال القمم مع ترامب في سنغافورة، وهانوي، وفي المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين.
إلا أن إدارة بايدن لن تتخلى عن كل الدبلوماسية التي قام بها ترامب، إذ إن البيت الأبيض كان أعلن أنه يريد البناء على "إعلان سنغافورة"، الذي صدر في يونيو/حزيران 2018، ودعا إلى اقامة علاقة جديدة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وخطة سلام دائمة، ونزع الأسلحة النووية بشكل كامل، ومعرفة حقيقة جنود فقدوا في المعركة التي انتهت قبل نحو سبعة عقود.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن خبراء قولهم إن ترسانة كوريا الشمالية من الأسلحة النووية ومخزونها من الوقود تضاعف تقريباً خلال السنوات الأربع الماضية. وقال المدير السابق في مختبر الأسلحة في لوس ألاموس في نيومكسيكو سيغفريد هيغر إن كوريا الشمالية لم تكن تملك أي سلاح نووي في العام 2000، خلال إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، لكنها في العام 2008، ومع نهاية إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن أصبح لديها نحو ستة، قبل أن ترتفع في نهاية ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما في العام 2016 إلى 25. وأوضح أنها أصبحت تملك مع نهاية إدارة ترامب في العام 2020 ما بين 45 إلى 60 سلاحاً نووياً. وأضاف أن "سياسات الرؤساء الثلاثة السابقين قد فشلت"، معتبراً أنه "ما لم يغير فريق بايدن مساره، ستواصل كوريا الشمالية توسيع حجم ترسانتها النووية وتطور المدى الذي ستصل إليه". وقال خبراء إن مخزون كوريا الشمالية من الأسلحة النووية يقترب بسرعة من مخزون الهند وباكستان وإسرائيل، مشيرين إلى أنها، مثل هذه الدول، لن تتخلى عن ترسانتها النووية.
تقديرات بأن كوريا الشمالية تملك 45 سلاحاً نووياً
كما أن بيونغ يانغ طورت في العام 2017 صواريخها. إذ إنها أجرت بنجاح وقتها، للمرة الأولى، عملية إطلاق صاروخين بالستيين عابرين للقارات، يمكن لهما نظرياً استهداف الأراضي الأميركية بالقنابل النووية. وعلى الرغم من أن كيم أبقى على وعده لترامب بعدم إجراء تجارب صاروخية بعيدة المدى، إلا أنه في المقابل طور ترسانة الصواريخ التي يمكنها الوصول إلى الدول المجاورة.
يشار إلى أن مون جيه إن، الذي سيترك منصبه في مايو/ أيار المقبل، حريص على استئناف المحادثات بين واشنطن وبيونغ يانغ وبين سيول وبيونغ يانغ. وكان قال، بعد كشف واشنطن عن سياستها حيال بيونغ يانغ الشهر الماضي، إنه لا يوجد اختلاف بين كوريا الجنوبية وأميركا بشأن كيفية التقارب مع الشمال، موضحاً أن البلدين يعتزمان البناء على اتفاق سنغافورة واتخاذ خطوات "دبلوماسية تدريجية وعملية ومرنة" نحو تحقيق الهدف النهائي المتمثل في إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية.
لكن إدارة بايدن، التي أكدت في مارس/ آذار الماضي، أنها بذلت جهوداً للتواصل مع كوريا الشمالية بدون نجاح، كانت أقل حماساً لفكرة المفاوضات المباشرة على المدى القريب. ورداً على سؤال في مؤتمر بالبيت الأبيض امس الأول عما إذا كان بايدن منفتحاً على إجراء محادثات مباشرة مع كيم، كما فعل ترامب، اعترضت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي. وقالت عن بايدن: "لا أتوقع أن يكون ذلك على رأس جدول أعماله". كما تجنب مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، لم يكن مخولاً لمناقشة الأمر علناً وأطلع الصحافيين على زيارة مون إلى واشنطن، بشرط عدم الكشف عن هويته، الأسئلة حول ما إذا كانت الإدارة مستعدة لعرض تخفيف لعقوبات عن كوريا الشمالية لبدء تفكيك برامج الأسلحة النووية والبالستية. وأعلن أن الولايات المتحدة تأمل في رسم طريق "مرن" للمضي قدماً، مدركة تماماً لمكان انحراف الجهود السابقة.