باشر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، الذي انتخب في يونيو/ حزيران الماضي، تطبيق إحدى أولويات برنامجه الانتخابي، عبر تفعيل خطوات المصالحة مع المجموعات المسلّحة في كولومبيا، وذلك مع استئناف المفاوضات المتوقفة منذ أربع سنوات تقريباً بين الحكومة الكولومبية ومسلحي "جيش التحرير الوطني".
واستؤنفت في العاصمة الفنزويلية كراكاس، مساء أول من أمس الاثنين، المحادثات بين الطرفين، بهدف "بناء السلام"، حسب ما أعلنا في بيان مشترك. وأضاف البيان أن الوفدين التفاوضيين اتفقا على "استئناف عملية الحوار بإرادة سياسية وأخلاقية كاملة" من أجل "بناء السلام"، مشدّداً على أن هذا الهدف هو مطلب "سكان المناطق الريفية والحضرية الذين يعانون من العنف والإقصاء".
المحادثات في فنزويلا
وستتناوب على استضافة المحادثات، التي بدأت في العاصمة الفنزويلية كاراكاس، الدول الضامنة: فنزويلا وكوبا والنرويج، وفقاً للحكومة الكولومبية. وشدّد كبير المفاوضين الحكوميين أوتي باتينو على "الالتزام بالتحدث إلى المنظمات التي تريد السلام أيضاً"، مؤكداً أنه "سنصل إلى ميناء آمن، سلام حقيقي".
أما مفاوض "جيش التحرير الوطني" بابلو بيلتران، فقال: "لا يمكننا أن نرى بعضنا بعضاً كأعداء، العمل الذي لدينا هو المصالحة"، معرباً عن أمله في "أن لا نخيب التوقعات لهذا التغيير".
وأوقف الرئيس اليميني السابق إيفان دوكي (2018 ـ 2022)، مفاوضات السلام مع "جيش التحرير الوطني"، في يناير/ كانون الثاني 2019، بعدما هاجم عناصر من "جيش التحرير" مدرسة للشرطة بسيارة مفخخة، أسفرت عن مقتل 22 شخصاً بالإضافة إلى المهاجم.
ممثل الحكومة: ملتزمون بالتحدث إلى المنظمات التي تريد السلام
وكان الرئيس الأسبق خوان مانويل سانتوس (2010 ـ 2018)، قد نجح في طيّ صفحة 52 عاماً من الحرب الأهلية في كولومبيا في عام 2016، عبر توقيعه اتفاق سلام مع "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك)، ونال بموجبها جائزة "نوبل" للسلام.
وسمح اتفاق السلام لأكثر من 13 ألفاً من أفراد "فارك" بإعادة الاندماج في الحياة المدنية وتشكيل حزب سياسي شرعي، غير أن نحو 2400 منشق عن "فارك" رفضوا الاتفاق. ووفق الحكومة الكولومبية، فإن هؤلاء "متورطون في تهريب المخدرات وممارسة عمليات تعدين غير قانونية".
كما أن قادة "فارك" السابقين الذين وقعوا على الاتفاق شكّلوا مجموعة معارضة رئيسية في عام 2019، بدعوى "خيانة الدولة لشروط الاتفاق"، لكنهم لم يصلوا إلى حدّ التخلي عنه.
وبعد نجاحه مع "فارك"، سعى سانتوس لتدشين مفاوضات جديدة مع "جيش التحرير الوطني" في عام 2017 في الإكوادور، ثم انتقلت إلى كوبا، قبل إلغائها في عام 2019 على يد دوكي. وحول إمكانية نجاح المفاوضات الحالية بين الحكومة الكولومبية و"الجيش"، يؤكد قادة الأخير أن "الجماعة موحدة"، لكن من غير الواضح مدى تأثير المفاوضين على الوحدات العاملة على الأرض.
ويضم "جيش التحرير الوطني" حالياً 2500 عضو وينتشر بشكل خاص في منطقة المحيط الهادئ وعلى الحدود مع فنزويلا التي يبلغ طولها 2200 كيلومتر، بحسب السلطات.
وسبق أن أكد القائد العام لـ"جيش التحرير" أنطونيو غارسيا، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن تحقيق السلام يمر عبر "معالجة أسباب النزاع المسلح، أي عدم المساواة وانعدام الديمقراطية والظلم".
تعهّدات الرئيس اليساري
وكان بيترو، أول رئيس يساري في تاريخ كولومبيا، قد تعهّد بإرساء "سلام شامل" في البلاد، والتوصل إلى اتفاقيات سلام جديدة مع المجموعات المسلحة. وقوبل تعهّده بإيجابية من "جيش التحرير الوطني"، الذي تأسس في عام 1964 ويعدّ حركة التمرد الوحيدة التي لا تزال نشطة في البلاد، منذ توقيع بوغوتا اتفاق سلام مع "فارك".
وأعرب "جيش التحرير" عن نيته التفاوض مع بيترو. وتعهد الرئيس الكولومبي، الذي تولى منصبه في أغسطس/ آب الماضي، وهو عضو سابق في حركة "أم 19" (حركة تمرد تأسست عقب تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية في 19 إبريل/ نيسان 1970، وبدأت كحركة سياسية ثم تحولت إلى فصيل عسكري، قبل رمي السلاح والتحول إلى حركة سياسية يسارية باسم التحالف الديمقراطي)، بتحقيق "السلام التام" في كولومبيا، والتفاوض مع المتمردين والجماعات الإجرامية المتورطة في تهريب المخدرات إضافة إلى التعدين غير القانوني.
وشدّد بيترو في تعهّداته، على أن خططه للسلام تشمل قادة "فارك" الذين تخلوا عن اتفاق جماعتهم، وخفّف الأحكام المفروضة على العصابات الإجرامية التي تستسلم.
"جيش التحرير الوطني": لا يمكننا أن نرى بعضنا بعضاً كأعداء
وللتأكيد على عزمه على تحقيق السلام في كولومبيا، أعلن بيترو، في أغسطس الماضي، تبديل القيادة العسكرية بالكامل بما فيها قيادة الشرطة، مشدداً على أن مهمة القوات المسلحة "ستكون من الآن وصاعداً خفض العنف والإجرام وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات العامة بشكل كبير".
وسرّعت العملية التغييرية، بخروج 30 جنرالاً في الجيش والشرطة، في سابقة أحدثت زلزالاً حقيقياً على رأس المؤسسة العسكرية. ورفض بيترو بصورة خاصة "العقيدة الأمنية السابقة المبنية على قناعة زائفة بأن هناك عدواً داخلياً في كولومبيا"، مؤكداً أنه "ليس هناك عدو داخلي في المجتمع الكولومبي".
واعتبر أن "المهمة الأولى للجيش هي الدفاع عن المواطنين، وسيترتب عليه مكافحة تهريب المخدرات والكارتيلات الأجنبية التي يهدد تنامي نفوذها سيادتنا، كما يتعين عليه حماية البيئة وخصوصاً غابة الأمازون".
ومع ذلك، فإن المفاوضات لا تعني تعليق العمليات العسكرية ضد المتمردين، وفقاً لوزير الدفاع الكولومبي إيفان فيلاسكيز، الذي قال مساء الاثنين الماضي، إنه "إذا حدثت مواجهة مع شخص لديه مذكرة توقيف، فيجب أسره. لا يوجد وقف لإطلاق النار".
كما أشار إلى أن 18 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم في قتال بين فصيلين منشقين عن "فارك"، للسيطرة على منطقة لتهريب المخدرات في منطقة أدغال بجنوب كولومبيا.
ووقعت الاشتباكات الأحد الماضي، في منطقة ريفية في مقاطعة بوتومايو على المثلث الحدودي بين كولومبيا والإكوادور وبيرو. وقال فيلاسكيز للصحافيين: "جمع الناس الجثث ونقلوها إلى المقبرة، قُتل 18 في المواجهات". وهذا أكبر عدد من القتلى في الاشتباكات بين جماعات مسلحة منذ تولي بيترو منصبه في أغسطس الماضي.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)