تتزايد الأوضاع خطورة في كينيا بفعل تراكم جملة عوامل، بدءاً من اعتراضات المعارضة على نتائج الانتخابات الرئاسية، التي أُجريت الصيف الماضي، مروراً بالأزمة الاقتصادية المستفحلة التي تشهدها البلاد، وصولاً إلى انزلاق الشارع إلى صدامات بعناوين سياسية ـ اقتصادية، تتداخل فيها الإثنيات والتحالفات.
احتدام التوترات
في الأسابيع الأخيرة احتدمت التوترات، مع منح زعيم المعارضة رايلا أودينغا، الرئيس وليام روتو مهلة أسبوعين لتحسين الأوضاع المعيشية، قبل إعلان الحراك في الشارع، وذلك في فبراير/شباط الماضي.
وفي 14 مارس/آذار الماضي، أعلن أودينغا نهاية المهلة، داعياً أنصاره إلى النزول بكثافة إلى الشوارع. وفي الأساس لم يكن أودينغا راضياً عن نتائج الانتخابات الرئاسية، التي أُجريت في الصيف الماضي، والتي خسرها أمام روتو. حتى إنه ظلّ متمسكاً بفرضية حصول تزوير فيها، على الرغم من تأييد المحكمة العليا الكينية النتائج. ولأودينغا تاريخ قديم في الوسط السياسي، وسبق أن كان رئيساً لحكومة البلاد بين عامي 2008 و2013.
وشكّل انهيار الشلن الكيني أمام الدولار، تحولاً مالياً كبيراً، مع بروز نقص في الاحتياطي النقدي الأجنبي لم تشهده البلاد منذ عام 2008، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية بسبب نقص الدولارات. كما ارتفعت أسعار الكهرباء، والتضخم، وتقلص الطلب في المحلات التجارية على السلع والخدمات. ويكافح الكثير من الكينيين لتوفير الطعام، في ظلّ الجفاف القاسي في البلاد.
وخلال الحملة الانتخابية لرئاسيات أغسطس/آب الماضي، صوّر روتو نفسه على أنه بطل المضطهدين متعهداً بتحسين الأوضاع، لكنه ألغى منذ ذلك الحين دعم الوقود والطحين.
حذّر زعماء دينيون من اندلاع صراع عرقي في البلاد
وشهدت الاحتجاجات الأخيرة، يومي الاثنين والخميس الماضيين، ارتفاعاً في حدتها، فضلاً عن سقوط ضحايا. في العاصمة نيروبي، أول من أمس الخميس، ألقى المتظاهرون في ماثاري، إحدى أفقر مناطق العاصمة، الحجارة على الشرطة وهم يهتفون ضد الحكومة.
وألقى ضباط شرطة مدججون بالسلاح قنابل الغاز المسيل للدموع تجاه المتظاهرين في محاولة لتفريقهم. وتحرك أودينغا في موكب مع قادة آخرين للمعارضة في أحياء أخرى في نيروبي، وسار مئات من أنصاره بجوار الموكب.
واتسم الموكب والمسيرة بشكل عام بالسلمية، لكن بعض أنصار أودينغا رشقوا مركزاً للشرطة بالحجارة لدى مرورهم أمامه، مما دفع الضباط لإطلاق الغاز المسيل للدموع.
وشهدت مدينة كيسومو في غرب البلاد الخميس أيضاً، تظاهرات وهتف متظاهرون بشعارات مؤيدة لأودينغا أثناء مسيراتهم. وفي مدينة سيايا، التي تبعد نحو 75 كيلومتراً، أُضرمت النيران في مكتب حزب روتو، وهو حزب التحالف الديمقراطي المتحد. وتبادل الجانبان الاتهامات، حول إحراق المكتب.
وفي كينيا، يُعتبر الانتماء العرقي أساسياً، مع انتشار 44 إثنية عرقية في البلاد. وينتمي روتو إلى إثنية كالنجين، أما أودينغا فينتمي إلى إثنية لوو، بينما ينتمي الرئيس السابق، أوهورو كينياتا إلى إثنية كيكويو.
ولم يسبق أن وصل إلى الرئاسة في كينيا، شخص من إثنية لوو، بينما لم تخرج قبضة الرئاسة، منذ استقلال كينيا عن بريطانيا في عام 1963، من قبضة إثنيتي كالنجين و كيكويو.
وشهد الاحتجاج السابق الذي دعا إليه أودينغا الإثنين الماضي، هجمات متبادلة بين الجانبين، وأُضرمت النيران في كنيسة ومسجد مساء الإثنين في حي كيبيرا الفقير في نيروبي، وتعرضت ممتلكات تعود لعائلة أودينغا وكينياتا، الذي دعم أودينغا في الانتخابات الرئاسية، للتخريب. ودعا أودينغا إلى الاحتجاج يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع.
وقال: "يجب أن يحصل الكينيون على العدالة. لن نلين. الغلاء المعيشي يتفاقم"، داعياً إلى مزيد من الاحتجاجات الإثنين المقبل. وأعلنت الحكومة مقتل مدنيين اثنين وإصابة أكثر من 130، بينهم 51 من مسؤولي الشرطة في الاحتجاجات منذ الأسبوع الماضي.
الدعوة إلى الهدوء
دفعت تلك الظروف قادة المجتمع المدني وزعماء دينيين وجماعات حقوق الإنسان إلى الدعوة للهدوء في أعقاب ذلك، محذرين من اندلاع صراع عرقي كالذي حصل في أعقاب انتخابات عام 2007 المتنازع عليها. في ذلك العام، تحالف روتو وأودينغا، بعد فوز الرئيس السابق مواي كيباكي بالرئاسة في مواجهة أودينغا، الذي رفض الاعتراف بالنتائج.
واندلعت اشتباكات عرقية، بين كالنجين وكيكويو (التي ينتمي إليها كيباكي)، أسفرت عن مقتل بين 800 و1500 شخص، في الفترة بين 7 ديسمبر/كانون الأول 2007 و28 فبراير/شباط 2008، ونزوح أكثر من 600 ألف شخص.
دعت 8 سفارات أجنبية القادة الكينيين إلى ضبط النفس
العودة بالذاكرة إلى هذه الأحداث، دفعت وزير الداخلية كيثوري كينديكي للتعبير عن المخاوف نفسها في بيان الأربعاء الماضي، وتحدث عن "حريق متعمد بدوافع عرقية" في منطقة كيبيرا متعددة الأعراق، التي شهدت جانباً من أسوأ أعمال العنف في عام 2007. وتعهد بعدم التساهل مع المزيد من الاحتجاجات العنيفة، وقال "علينا وقف التدهور" في الأوضاع.
وفي بيان صادر الأربعاء الماضي، دعت ثماني سفارات أجنبية، بما في ذلك الأميركية والبريطانية، جميع القادة الكينيين إلى الحفاظ على السلام وضبط النفس والعمل من أجل حل سريع. كما دعا الاتحاد الأفريقي الثلاثاء الماضي، إلى الهدوء والحوار.
من جانبه، ظلّ روتو، الذي عاد أول من أمس الخميس، إلى البلاد من جولة استغرقت أربعة أيام في بلجيكا وألمانيا، مصراً على أن الاحتجاجات المستمرة غير قانونية. وسعى إلى طمأنة منتدى أعمال بين الولايات المتحدة وشرق أفريقيا، بالقول إن بيئة الأعمال في البلاد مستقرة، لكنه لم يشر إلى الاضطرابات.
وتكمن أهمية كينيا، في كونها قاعدة أساسية للولايات المتحدة للعمل الميداني في منطقة جنوبي القرن الأفريقي، فضلاً عن أن كينيا معنية بالحرب التي يشنّها الجيش الصومالي على "حركة الشباب" في الفترة الأخيرة، والتي شهدت تحولات جديدة مع تقدم الجيش في مناطق عدة في البلاد، خصوصاً على الحدود مع كينيا. وأي انهيار للوضع في كينيا، سيسمح لـ"حركة الشباب" بالتمركز داخلها لالتقاط أنفاسها بفعل الهجوم الصومالي، المدعوم أفريقياً، عليها.
(أسوشييتد برس، رويترز، فرانس برس)