كينيث روث لـ"العربي الجديد": السيسي يتزعم الحكم الأكثر استبداداً بتاريخ مصر الحديث

19 يناير 2022
روث: غوانتانامو وصمة عار على سمعة الحكومة الأميركية (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -

أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أخيراً تقريرها السنوي حول انتهاكات حقوق الإنسان في العالم للعام الماضي. وخصّ المدير التنفيذي للمنظمة، كينيث روث، "العربي الجديد" في نيويورك بهذه المقابلة لتسليط الضوء على عدد من القضايا الرئيسية الواردة في التقرير.

- بداية دعنا نتوقف عند مقدمتك للتقرير التي تقول فيها إن الأنظمة الأوتوقراطية حول العالم تواجه تحديات كبيرة. وإن ذلك على عكس الاعتقاد السائد بأنها في صعود وأن الديمقراطيات تتراجع، هل لك أن تشرح؟

صحيح، الاعتقاد السائد هو أنّ الأوتوقراطية آخذة في الصعود والديمقراطية في التدهور. ولكن إذا نظرنا إلى التفاصيل فإن الواقع أكثر تعقيداً على عدد من الأصعدة. فعلى سبيل المثال شهدنا مسيرات مستمرة وحاشدة في عدد من الدول من بينها السودان وميانمار وتايلاند وبولندا ونيكاراغوا.

وطالبت الحشود فيها بإنهاء أنظمة الحكم الاستبدادية، على الرغم من مخاطر التعرض للاعتقال والإصابات خلال تلك التظاهرات بسبب إطلاق الرصاص وغير ذلك.

وفي بعض البلدان التي تحتفظ بأنظمة أو انتخابات شبه ديمقراطية، على الرغم من الميول الاستبدادية لزعمائها، لاحظنا وجود تكاتف لأحزاب المعارضة وغضّ نظر عن خلافاتها وبناء تحالفات لإطاحة الحكام المستبدين أو السياسيين الفاسدين. وحصل هذا في عدد من الدول من بينها تشيكيا وهزيمة رئيس الوزراء أندريه بابيش، وإطاحة بنيامين نتنياهو في إسرائيل.

وهناك تشكلات مماثلة في محاولة لهزم فيكتور أوربان في هنغاريا ورجب طيب أردوغان في تركيا. ولاحظنا في الولايات المتحدة أن الكثير من الذين انتخبوا جو بايدن لم يكونوا من المصوّتين التقليديين للحزب الديمقراطي، ولكنهم لم يرغبوا برؤية دونالد ترامب يفوز مجدداً.


يستفيد المستبدون من إخفاقات القادة الديمقراطيين حول العالم


ويستفيد المستبدون من إخفاقات القادة الديمقراطيين حول العالم. وتزيد من التحديات أزمة المناخ، ووباء كورونا، والفقر، وعدم المساواة، والعنصرية، وتهديدات التكنولوجيا الحديثة، وغيرها.

ونجد أن الكثير من القيادات الديمقراطية حول العالم غارقة في معاركها الحزبية قصيرة المدى مما يحول دون معالجة هذه التحديات بشكل فعال، ولم يرقَ الكثير من هذه القيادات إلى مستوى التوقعات، مما يؤدي إلى حالة من اليأس العام من فشل الكثير من القادة الديمقراطيين في مواجهة تحديات. ولكن كل هذا لم يمنع من إصرار الكثيرين على تحدي المستبدين والوقوف بوجههم.

- مرت عشرون عاماً على إنشاء معتقل غوانتانامو ولا توجد خطة واضحة لإغلاقه، كما لم تتم محاكمة الأغلبية الساحقة من حوالي 800 معتقل زجوا فيه. ما هو تعليقك؟

سيبقى معتقل غوانتانامو وصمة عار كبيرة على سمعة الحكومة الأميركية. لقد مرت 20 سنة، ولا يزال هناك حتى اليوم 39 شخصاً محتجزين فيه. ولم توجّه لأغلبيتهم أي تهم على الإطلاق. ولا تحاول (السلطات الأميركية) حتى الادعاء بأنهم سيحاكمون بشكل عادل. لو كانت الحكومة الأميركية معنية بالعدل لقامت بمحاكمتهم أمام محاكم أميركية بغض النظر عن النتيجة.

لكن القصد من وراء غوانتانامو، هو محاولة إخفاء التعذيب الذي تعرضوا إليه، ولذلك خُلق هذا النظام والمحاكم العسكرية، بحيث يصعب عليهم حتى إثارة قضية تعذيبهم أمامها. وكما نعلم، فقد تعرضوا لممارسات شائنة في البداية. لقد حان الوقت لإغلاق المعتقل وتوجيه التهم (للمتبقين) أمام المحاكم العادلة أو الإفراج عنهم. أما الادعاء بأنهم ما زالوا يشكون خطراً أمنياً فهو ادعاء سخيف.

- إلى أي مدى تشعر بالقلق في ما يخص الديمقراطية الأميركية والاستقطاب الداخلي الذي يتعدى الانقسام العادي، خصوصاً بعد اقتحام مبنى الكونغرس قبل سنة، ورفض نواب جمهوريين في الكونغرس المصادقة على الانتخابات؟

لا بد أن نعترف أن الديمقراطية في الولايات المتحدة في خطر. ما حدث قبل عام، في السادس من يناير/كانون الثاني من العام الماضي، كان بمثابة تحذير. ونوعاً ما، كان تصرفاً غير ناضج إذ لم يرغب دونالد ترامب في الاعتراف بخسارته في انتخابات 2020.

ثم أرسل الجموع إلى مبنى الكونغرس، وحاول إقناع عدد من المسؤولين في عدد من الولايات بعكس قرار الناخبين وعدم التصديق على نتائج الانتخابات. ولكن ذلك كان عشوائياً ولم يقترب من تحقيق غرضه.


الديمقراطية في الولايات المتحدة بخطر وترامب يتخذ نهجاً أكثر تعقيداً من السابق لمحاولة ضمان فوزه عام 2024


الخوف الآن يتمثل في عدد من الأمور، أبرزها أن ترامب تعلّم مما حدث ويتخذ نهجاً أكثر تعقيداً لمحاولة ضمان فوزه في عام 2024، بغض النظر عما يريده الناخب الأميركي. التركيز بشكل أساسي حالياً هو على محاولة قمع أصوات الناخبين، خصوصاً الأقليات في الولايات المتأرجحة، وجعل مقدرتهم على التصويت أصعب، وهذه مشكلة. ولكن الآن يذهب الجمهوريون خطوة أبعد من ذلك.

فترامب وحلفاؤه يحاولون الآن تغيير المسؤولين المحليين الذين صادقوا على الانتخابات. وللتذكير، في عام 2020 كان أغلب هؤلاء من الجمهوريين، ولكنهم تصرفوا بشكل مهني ومحايد. واليوم يعملون على استبدالهم مع المراقبين المحايدين بآخرين حزبيين (ولاؤهم لترامب).

الخوف هو أنهم سيقولون إن ترامب فاز بغضّ النظر عن النتيجة أو أن يقولوا إن النتائج متقاربة جداً ومن الأفضل أن نترك القرار بيد السياسيين ليقرروا من الفائز في هذه الولاية أو تلك. وهذه طريقة لسرقة الانتخابات وتقويض الديمقراطية الأميركية.

معالجة ذلك قضية ملحّة، ولكن الصعوبة تكمن في أن الكونغرس الأميركي منقسم للغاية، والجمهوريون يعرقلون الجهود التي تحاول منع هذا الهجوم المباشر على الديمقراطية الأميركية. وهذه مشكلة هائلة تواجه الولايات المتحدة.

- تحدث جو بايدن في أكثر من مناسبة عن نيّته ربط سياسات الولايات المتحدة الخارجية بقضايا حقوق الإنسان. ولكن واقع الحال يظهر عكس ذلك، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالدول "الحليفة". كيف تقرأون سياسته الخارجية وقضايا حقوق الإنسان؟

دعيني أقول بداية إن بايدن ليس ترامب، وهذا جيد. وللتذكير، ترامب مدح حكّاماً مستبدين وهاجم المؤسسات الدولية. وبايدن غيّر الكثير من هذا وعاد إلى المؤسسات الدولية بما فيها منظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الإنسان واتفاقية باريس للمناخ وغيرها.

ولكن بايدن وعد بأكثر من هذا، وقال إن سياسته الخارجية ستسترشد بقضايا حقوق الإنسان. وإذا نظرنا في ما يخص الصين فإنهم قاموا بخطوات في هذا الاتجاه.


الولايات المتحدة مستمرة ببيع الأسلحة للدول التي تمارس القمع والتعامل معها كدول حليفة


ولكن سياسته الخارجية لا تختلف كثيراً عن سياسات الولايات المتحدة الخارجية عموماً. فهناك نهج استثنائي لحلفاء الولايات المتحدة. إذا نظرنا لمصر والسعودية والإمارات وإسرائيل، فجميع هذه الدول تمارس القمع بشكل مستمر، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة مستمرة في بيع الأسلحة لها ودعمها وتقديم المعونات والتعامل معها كدول صديقة وحليفة.

لم يقتطع بايدن إلا جزءاً بسيطاً من المعونات العسكرية لمصر، واستمر في بيع الأسلحة للسعودية (على الرغم من حربها في اليمن) تحت مسمى أسلحة دفاعية.

- كيف تقرأون الوضع في مصر وقضايا حقوق الإنسان وسياسات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هناك؟

علينا أن نعترف أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتزعم الحكم الأكثر استبداداً في تاريخ مصر الحديث. حتى إذا قارناه بحسني مبارك، فإن الأخير سمح بنوع من الحرية للصحافة ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها. ولقد عقدت شخصياً عدداً من المؤتمرات الصحافية في مصر في عهده.


دعم الحكومات الغربية للسيسي يؤمّن استمرار القمع والاضطهاد


هناك انتهاكات حقوق إنسان واسعة في مصر، يوجد عشرات الآلاف من المعتقلين، فضلاً عن التعذيب. كما أن أي أصوات معارضة يتم إسكاتها. يقول السيسي للغرب إنه مصدر للأمن في المنطقة ويساعد على محاربة الإرهاب والهجرة. والحكومات الغربية مستمرة في دعمه وتقديم الأسلحة له وفرش السجاد الأحمر لاستقباله. وهذا كله خطير لأنه يؤمّن استمرار القمع والاضطهاد.

وهذا قصر نظر لأن "الاستقرار" الذي يراهنون عليه مؤقت، وعلى المدى البعيد فإن هذه وصفة للكثير من المشاكل. وهذا مخيب للآمال على صعيد المجتمع الدولي. وحتى على مستوى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، على الرغم من نقاش خروقات حقوق الإنسان في مصر وإصدار بعض البيانات، ولكن لا يوجد قرار عن مجلس حقوق الإنسان يدين خروقات حقوق الإنسان في مصر.

- أدرجت إسرائيل ست منظمات فلسطينية معنية بحقوق الإنسان ومنظمات مدنية، كمنظمات "إرهابية". وعلى الرغم من ردود الفعل المستهجنة، إلا أن المجتمع الدولي والحكومات بقيت صامتة في الغالب من دون اتخاذ أي خطوات فعلية ضد إسرائيل. ما الخطر الذي ترونه في هذا السياق، ليس فقط فلسطينياً، ولكن على عمل منظمات حقوق الإنسان في المنطقة وعموماً؟

أعتقد أن الخطوة التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية خطيرة للغاية. نحن نتحدث هنا عن ست منظمات حقوقية رائدة ومعروفة، وعلى رأسها "الحق"، التي تتمتع باحترام دولي ومحلي. ادعى الجانب الإسرائيلي أن هذه المنظمات إرهابية من دون أن يقدّم أي دليل. وبنى ذلك على مزاعم شخص محتجز لا علاقة له بها، وقال إن هذه المنظمات لها علاقة بـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، ولا ندري حتى كيف أخذ هذا "الاعتراف". واستغلت الحكومة الإسرائيلية ذلك واستندت إليه لإدراجها كست منظمات إرهابية.

إسرائيل تنتهج نظام فصل عنصري ولا تريد أن تقوم أي منظمات بتوثيق انتهاكاتها

لقد كانت هناك احتجاجات من العديد من الدول على ذلك، ولكن نحتاج أن نراها تأخذ خطوات مضادة. والآن قد تكون الخطوة المقبلة منعها ومنع تمويلها. من وجهة نظر إسرائيل فهذه خطوة مفهومة، لأن إسرائيل تنتهج نظام فصل عنصري "أبارتهايد" في الأراضي المحتلة ولا تريد أن تقوم أي منظمات بتوثيق تلك الانتهاكات.

- اختير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس العام الماضي لولاية ثانية وخمس سنوات جديدة، بدأت بداية هذا العام. كيف تقيّمون أداءه في ما يخص مواقفه من خروقات حقوق الإنسان وإدانتها بعبارات صريحة، خصوصاً للدول ذات النفوذ؟

خلال الفترة الأولى لتوليه منصبه، تحدث غوتيريس بخطوط عريضة عن قضايا حقوق الإنسان، ولكن من دون أن يسمي دولة بعينها أو ينتقد أي حكومة، ونتيجة لذلك لم يشعر أحد بأي ضغط. ومع اختياره لفترة ثانية، قام بتسمية بعض الدول كإثيوبيا وأفغانستان وميانمار وغيرها. ولكن هذه حالات سهلة إن صح التعبير.


غوتيريس يرفض تسمية الحكومة الصينية في ظل استمرار انتهاكات حقوق الإنسان هناك


أحد التحديات الكبرى هو استمراره ورفضه تسمية الحكومة الصينية وانتهاكات حقوق الإنسان هناك، خصوصاً في إقليم شينجيانغ ضد الأقلية المسلمة (أويغور)، حيث تسجل واحدة من أفظع انتهاكات حقوق الإنسان حالياً. والأمين العام للأمم المتحدة لا يصرّح بأي شيء حول الموضوع.

وما يزيد الطين بلّة أنه سيذهب لحضور افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية في الوقت الذي تقاطع بعض الدول الألعاب، على الأقل دبلوماسياً. والسؤال هنا هو بما أنه قرر الذهاب وحضورها، ما الذي سيفعله لإلقاء الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في الصين؟

أستحضِرُ الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون. عموماً لم يكن يُنظر إليه باعتباره أميناً عاماً قوياً، ولكنه كان يدلي بتصريحات قوية في هذا السياق، حتى أنه انتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واضطهاده حقوق المثليين في روسيا عندما حضر الألعاب الأولمبية في سوتشي الروسية.

إذا تمكّن بان كي مون من فعل هذا، فلماذا لا يستطيع غوتيريس الحديث علناً كذلك ضد انتهاك الحكومة الصينية حقوق الإنسان في شينجيانغ؟