يترقب فلسطينيو مخيم عين الحلوة، جنوبي لبنان، كل يوم جمعة، ظهور أمير "عصبة الأنصار" الإسلامية، أحمد عبد الكريم السعدي (أبو محجن)، ليلقي الخطبة في مسجد الشهداء في منطقة الصفصاف (أحد معاقل العصبة). ويعتبر منبر المسجد ذا رمزية كبيرة، وخصوصاً أن سلفه، مؤسس العصبة، الشيخ هشام شريدي (اغتالته عناصر من حركة "فتح" عام 1991) لم يخطب إلا فيه. مر أكثر أسبوع على نشر صورة "الشيخ" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يظهر إلى الآن. ويبدو أنه لن يظهر قريباً.
تؤكد مصادر مقربة من العصبة، أن مسألة نشر الصورة الجديدة للسعدي، كانت رسالة سياسية تضامنية مع غزة التي تواجه العدوان الإسرائيلي، و"درءاً للفتنة" في المخيم. فالمتهم بقتل رئيس جمعية "المشاريع الخيرية" (الأحباش)، نزار الحلبي، عام 1995، يمثل "العصا" لكافة إسلاميي المخيم. لم يكن الهتاف بعودة أبو محجن، خلال التظاهرات التضامنية مع غزة، بالصدفة، فالموقف حرج، ولا بد من رسائل للداخل والخارج.
وصلت الرسالة الأولى إلى أنصار المتواري عن الأنظار، الشيخ أحمد الأسير، الذين كانوا ينوون تنظيم تظاهرة ضد حواجز الجيش اللبناني في محيط المخيم، مسانِدة لمسلحي عرسال بداية الشهر الجاري. وكان السيناريو، بحسب مصادر فلسطينية، أن تنظم تظاهرات ولو بأعداد قليلة، وتتحول إلى احتكاك، فاشتباك مسلح. واعتُبرت مصائب غزة فوائد في عين الحلوة، فكانت حجة منع التظاهرات أن القطاع المحاصر أولى بدعمه عن عرسال. وتوقفت التظاهرات قبل أن تبدأ، فنجا المخيم.
أما الرسالة الثانية، فكانت شديدة اللهجة لمن يحيد عن صف القوى الإسلامية في المخيم. فقد تباينت الآراء الفقهية والشرعية للناشطين الإسلاميين، وانقسم أصحاب المدرسة الواحدة حول "الخليفة" أبو بكر البغدادي.
تشير مصادر مقربة من مجالسهم الداخلية، إلى أن أمير "فتح الاسلام"، أسامة الشهابي، بايع أمير "جبهة النصرة"، أبو محمد الجولاني. أما أمير "جند الشام"، هيثم الشعبي، ومعه الناشط عبد فضة، فهما يبايعان تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). انتقلت الخلافات الفقهية من سورية إلى مخيم عين الحلوة، وأصبحت أناشيد وخطابات أبو بكر البغدادي، وأبو محمد العدناني، على كل هواتف الشباب في المخيم. لم تعد لعبة "كاندي كراش" مفضلة، أما التفتيش عن فيديو فيه ذبح، فيبدو ممتعاً أكثر للبعض. أتت صورة أبو محجن فاحتلت شاشات الهواتف النقالة وصفحات التواصل الاجتماعي. عاد الإسلاميون جميعاً يهتفون، خوفاً أو طاعةً، لأميرهم الأول وشيخهم القائد، وهذا ما ظهر خلال التظاهرات. لكن اللاعب الإسلامي "الجوكر"، بلال بدر، يبدو على الحياد حالياً بين "داعش" و"النصرة".
يُعرف عن أبو محجن، صرامته وحزمه. لا يعرف الحلول الوسطى في غالبية الأمور. وبقي وهجه موجوداً في المخيم رغم غيابه عن الساحة لأكثر من 18 عاماً، مع أن مصادر إسلامية تؤكد أنه لم يغب إطلاقاً عن عين الحلوة سوى لفترات بسيطة، ذهب خلالها إلى العراق بين عامي 2003 و2005 لمحاربة الأميركيين وتدريب "مجاهدين" هناك.
نظرية بقائه في المخيم متوارياً عن الأنظار هي الأقرب إلى الصواب، وخصوصاً أن عدد أبنائه أصبح سبعة، بعدما كان خمسة حين صدر حكم غيابي بحقه عام 1996. وفي موضوع أبناء الشيخ، رسالة أخرى. فقبل فترة، خرج ابنه إبراهيم من سجون النظام السوري، بعدما أمضى خمسة أعوام فيها. وكان الأمن السوري قد اعتقل إبراهيم وهو في طريقه إلى العراق. عاد الابن إلى عائلته، ففُسرت هذه الخطوة على أنها "هدية" من "حزب الله" إلى العصبة، إذ يؤكد العارفون أن الحزب هو من توسط عند النظام السوري، ليأخذ مقابلها مكاسب ميدانية وسياسية في صيدا وجوارها.
كان ظهور صورة القائد منبهاً إلى القضاء اللبناني، والرأي العام الذي يُجيَّش ضد كل الإسلاميين في هذه الظروف. لم يلتفت الأمن اللبناني كثيراً لمسألة الصورة، ربما بقصد، ولم يلاحق المسألة، فكانت مؤشراً على أن الأمنيين اللبنانيين ينسقون الخطوات مع العصبة. لكن مصدراً في "عصبة الأنصار" يشير إلى أن تهيئة الرأي العام وإظهار أبو محجن، على أنه محارب "الدواعش" وفي صف "حزب الله" ليس صحيحاً. فالشيخ وإن كان يختلف مع "داعش" في بعض المفاهيم، فإنه يعارض تدخل الحزب في سورية.
إذاً كانت الصورة عبارة عن جسّ نبض للمخيم وجواره، بانتظار التطورات المتسارعة. لكن كيف لصورة فوتوغرافية، أن تثير هذه الضجة، فماذا لو ظهر شخصياً؟.