لجنة فلسطين-شتوتغارت... عقود من العمل التضامني ومن مواجهة تحديات مطالب المنع

09 أكتوبر 2024
تظاهرة للجنة فلسطين-شتوتغارت تضامنا مع غزة ولبنان، 7 اكتوبر 2024 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استهداف وضغوط: تتعرض لجنة فلسطين-شتوتغارت لضغوط من اللوبيات الصهيونية والسياسيين في ألمانيا، متهمة بمعاداة السامية ودعم الإرهاب، منذ تأسيسها بعد مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982 لرفع الوعي بقضية فلسطين.

- تحديات قانونية: تواجه اللجنة دعاوى قضائية وتحريضًا، بما في ذلك محاولات حظرها، بعد رفع ملصق مثير للجدل. انسحب بعض السياسيين من الدعوى لضعف الأسس القانونية، بينما استمرت وزيرة الخارجية في موقفها.

- أنشطة وتأثير: تضم اللجنة أكاديميين وتنسق مع مؤسسات دولية، تصدر مجلة شهرية، وتنظم مؤتمرات لتعزيز حضور القضية الفلسطينية في ألمانيا، وتواجه محاولات تكميم الأفواه.

تتواصل في شتوتغارت، ضمن ولاية بادن فورتمبيرغ، جهود أصدقاء دولة الاحتلال الإسرائيلي، بمن فيهم ساسة من العاصمة برلين ومن حكومة الولاية المحلية، للتضييق ولاستهداف العمل التضامني مع فلسطين الذي تقوده منذ عقود "لجنة فلسطين-شتوتغارت" (Palästinakomitee Stuttgart)، التي تأسست بعد تظاهرة منددة بمذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982.

ووفقا لما تذكر لـ"العربي الجديد" في شتوتغارت الناشطة المشاركة في تأسيس اللجنة، فيرينا شيمب، فإن تصويب الصحافة واللوبيات الصهيونية ضد لجنة فلسطين متواصل منذ أربعة عقود. وتشير شيمب إلى أنه على مدار تلك العقود واصلت اللجنة عملها وتطورها من أجل "رفع مستوى الوعي الألماني بقضية فلسطين، ولفضح السياسات الرسمية المنحازة للصهيونية، إلى جانب مساعدة المجتمع المدني الفلسطيني ودعم النضال التحرري لفلسطين". تهمة "معاداة السامية" إلى جانب تهم "دعم الإرهاب" تراهما شيمب "فارغتين من المضمون، نظرا إلى أننا نمارس حقنا الأصيل في التعبير عن حرية الرأي والتعبير، ويشاركنا يهود معادون للصهيونية".

في خلال السنوات الأخيرة، وفي ظل الحكومات الألمانية المتعاقبة، ظلت لجنة فلسطين-شتوتغارت تعيش حربا عليها وتضييقات ومطالب حظر، وبتحريض من الحركة الصهيونية حتى من خارج ألمانيا. ويعتبر القائمون على اللجنة أن أنشطتها "باتت تقلق التيار الصهيوني وداعميه"، ما دفعهم إلى مزيد من التحريض والدعاوى القضائية بحق بعض أعضاء اللجنة من أجل الوصول إلى حظرها. إلى ذلك، يؤكد القائمون على لجنة فلسطين أن رسوخها وتوسعها أثار خلال عام من الحرب على غزة المزيد من الدعاوى والمطالب بجعلها "منظمة معادية للسامية" و"داعمة لحماس".

تقارير دولية
التحديثات الحية

تهديد أبعد من ألمانيا.. فشل صهيوني

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، بحسب ما يذكر لـ"العربي الجديد" مسؤولو لجنة فلسطين-شتوتغارت، أثارت أنشطتها بين الألمان غضبا صهيونيا، وملاحقة من ساسة في برلين. فدعم اللجنة لمشاريع طبية واجتماعية في فلسطين، تزامنا مع تحركات تضامنية في الشارع تجذب المزيد من الفئات الاجتماعية في ألمانيا، لم يمرره الغاضبون.

فبعد شهر من حرب الإبادة على غزة رفعت لجنة فلسطين في تظاهرة تضامنية ملصقا كبيرا يُظهر المستشار أولاف شولتز، ووزيرة خارجيته أنالينا بيربوك، ووزير الاقتصاد روبرت هربيك، وأياديهم تقطر دما، كناية عن تأييدهم لجرائم الحرب والإبادة الجماعية. أثار الملصق غضب المستشار والوزيرين فرفعوا دعوى قضائية بحق اللجنة. ولأن أرضية الدعوى واهية في مواجهة حرية التعبير فقد انسحب منها شولتز وهربيك، بينما وللمفارقة بقيت بيربوك مصرة عليها حتى اليوم.

ويشير في السياق عضو لجنة فلسطين-شتوتغارت البريطاني-الألماني إيان بورتمان، إلى أن "مطالب حظر لجنتنا وتهديدنا بات يتجاوز حدود ألمانيا". ويشرح بورتمان في حديثه لـ"العربي الجديد" ما يجري بالقول: "وصل الأمر إلى مطلب حظر موقعنا الإلكتروني والإشارة إلينا في صفحة محافظة شتوتغارت من قبل شخصيات صهيونية من خارج بلدنا". ويضيف: "وسط حملة بعض وسائل الإعلام والصحافة، المحلية والأجنبية الصهيونية، بما فيها جيروزاليم بوست، طالب مركز سيمون ويسنثال من أميركا البنك الذي نملك حسابا فيه بتجميد حسابنا، تحت تهديد أن يتحمل خسارة في بورصة نيويورك، بالطبع فشل الطلب لأنه لا يحق للبنك قانونيا تجميد الحساب".

بالنسبة للغزي الألماني عطية رجب، أبرز شخصيات اللجنة والمشارك فيها منذ 40 سنة بعد أن حضر للدراسة والعمل مهندسا ميكانيكيا، فإن الاتهامات بمعاداة السامية باتت تعبر عن انزعاج صهيوني من الحضور النشط للعمل التضامني مع فلسطين. ويسوق عطية مثلا على ذلك الانزعاج، بطلب مباشر من تل أبيب لحل لجنة فلسطين، وبأنه في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، طالب زعيم المعارضة الإسرائيلي يئير لبيد، أثناء زيارته إلى برلين المستشار الألماني شولتز ووزير ماليته كريستيان ليندر بحظر لجنة فلسطين-شتوتغارت. فشل لبيد في مسعاه حين رفضت الحكومة الإقليمية وعمدة شتوتغارت قبول تدخل سلطات برلين لأجل وقف عمل لجنة فلسطين.

لجنة فلسطين-شتوتغارت.. أنشطة ومؤتمرات دولية

بصفتها مؤسسة مسجلة ومعترفا بها رسميا تضم لجنة فلسطين-شتوتغارت في صفوفها أكاديميين من مختلف التخصصات، وأعضاء برلمان اتحادي (بوندستاغ) سابقين، من بينهم أنيتا غروت المشاركة في سفينة أسطول الحرية مافي مرمرة لكسر حصار غزة في 2010. وتنسق اللجنة مع مختلف المؤسسات على مستوى ألمانيا وأوروبا. وتصدر اللجنة مجلتها الشهرية وتولي اهتماما على مستوى نشر الوعي بقضية فلسطين. وعقدت لجنة فلسطين-شتوتغارت خلال السنوات الماضية العديد من المؤتمرات الدولية التي حضرها شخصيات فلسطينية وأوروبية وأميركية بارزة. هذا إلى جانب أن شخصيات أوروبية يهودية معادية للصهيونية تشارك في أنشطة اللجنة، وفي رفض لصق تهمة معاداة السامية ودعم الإرهاب باللجنة لأجل حظرها، مثل الكاتب والناشط البريطاني في حركة العمل من أجل فلسطين توني غرينشتاين، والألماني شير هيفر، وإيلان بابي، والبروفيسور المحاضرة في برلين فاني ريزين.

وإلى جانب إحياء لجنة فلسطين-شتوتغارت ذكرى النكبة ويوم الأرض ويوم التضامن العالمي مع فلسطين وإرسال وفود إلى فلسطين، ودعم القطاع الطبي ماديا، فقد احتضنت مؤتمرات مختلفة تناولت مبكرا؛ قبل الحرب على قطاع غزة، مسألة اعتبار إسرائيل دولة أبرتهايد وإبادة جماعية. وساهمت من خلال حصولها على حق ترجمة ونشر كتاب إيلان بابي عن التطهير العرقي في فلسطين في نشر المزيد من الوعي بين المتحدثين بالألمانية. وتناول أحد مؤتمرات اللجنة بمشاركة المئات وشخصيات بارزة الحل لقضية فلسطين على أساس "دولة ديمقراطية علمانية واحدة على أرض فلسطين التاريخية لكل مواطنيها وحق العودة للاجئين بتطبيق القرار 194"، كما يشير عطية رجب.

بالنسبة لقدماء المحاربين في "لجنة فلسطين-شتوتغارت" فإن ديمومة لجنتهم "تقوم على المزيد من هزيمة السردية الصهيونية واستكمال الجيل الجديد لما أسسه قدماء المحاربين المتضامنين مع فلسطين"، كما تشير عضو اللجنة الشابة الألمانية كاتيا.س. وفي الفعاليات التي تقيمها اللجنة يبدو واضحا أن الجيل الجديد الألماني بات يعتبر قضية فلسطين كعنوان لكل قضايا العدالة والكفاح من أجل المساواة. وعن ذلك تقول كاتيا: "أغلب الحراكات الاجتماعية والنقابية والشعبية الحقوقية لن تجد فيها علما صهيونيا، بل بات علم فلسطين هو الأكثر حضورا، ما يعني أنه بعد 40 سنة من تأسيس لجنة فلسطين-شتوتغارت فإنها ساهمت في جعل اقتران عدالة فلسطين بالعدالة والمساواة".

لقطات.. تضامن مع غزة ولبنان

في التظاهرة التي دعت إليها لجنة فلسطين-شتوتغارت الاثنين الماضي وسط المدينة، بعد مرور عام على الحرب على غزة، بدا واضحا أن الشرطة الألمانية، بكامل عتاد القمع ومكافحة الشغب، أحاطت بالحضور من كل الجهات. مشاهد شرطة مكافحة الشغب، التي حضرت مبكرا إلى الساحة، أثارت حفيظة الشباب الألماني. سرعان ما يُذكر عطية رجب بأن الشرطة تطلب عدم الهتاف بـ"فلسطين ستحرر من النهر إلى البحر"، باعتباره شعارا "يعبر عن حركة حماس"، كما ذكر لـ"العربي الجديد" ناشطون في لجنة فلسطين-شتوتغارت. عطية ذكر أيضا أن الشرطة "لا تستطيع بالطبع منعنا من أن نتحدث عن فلسطين التاريخية". عمليا، وبحسب ما يفيد الناشطون، تتحفز الشرطة الألمانية من أجل التدخل بعنف، وهي تنتظر أي سبب مهما بدا بسيطا.

أجواء من التوتر يمكن لمسها في الحركة الدؤوبة لمسؤولي الشرطة في المكان حين ألقت فاني ريزين، من "الصوت اليهودي للسلام"، المعادية للصهيونية، كلمة نددت فيها بسياسات بلدها ألمانيا. وحين مضت لتندد باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، ارتفع منسوب التوتر لأنها أصرت بالقول: "نحن أمام إرهاب دولة إسرائيلي، مناف للقانون الدولي، وبدعم من برلين". وأصرت على القول إن "حركة حماس ليست إرهابية، بل هي حركة تحرر وطني من حقها مقاومة الاحتلال"، لتضيف رافضة ما تعتبره "تهما سخيفة للناس بأنهم معادون للسامية من أجل تكميم أفواههم عن انتقاد الصهيونية".

ما أن تسير التظاهرة في شوارع شتوتغارت حتى ترتفع صورة الثلاثي أولاف شولتز وأنالينا بيربوك وروبرت هربيك التي تظهر أياديهم ملطخة بدماء الفلسطينيين. بمجرد رؤية الشرطة للملصق تعلن وقف التظاهرة، فيدخل المنظمون في سجال مع الشرطة. يرفض عطية التخلي عن الصورة، تجري الشرطة وسط هتافات واضحة ضد شخص شولتز من قبل الشباب الذين استداروا إلى الرصيف الذي تنتشر عليه قوات الشرطة اتصالات أمنية فتوصلوا إلى حل وسط بتسليم الملصق للسماح للتظاهرة بالاستمرار أو إعطاء أوامر لفضها بالقوة. يجري التخلي عن نسخة من الملصق وتواصل التظاهرة سيرها. ويقول عطية رجب لـ"العربي الجديد" ما جرى "غيض من فيض من محاولات تكميم الأفواه والتضييق على حرية التعبير لحماية الدولة الصهيونية في المجتمع الألماني".

الصورة
لجنة فلسطين شتوتغارت2
صورة الثلاثي شولتز وبيربوك وهربيك التي تظهر أياديهم ملطخة بدماء الفلسطينيين (العربي الجديد)
المساهمون