أعلنت البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)، أمس الأحد، أن سلاح الجو أسقط "جسماً طائراً" على علو 20 ألف قدم فوق بحيرة هيرون المجاورة لولاية ميشيغن.
سبقه إسقاط جسمين يومي الجمعة والسبت الماضيين، على علو 40 ألف قدم. جميعها كانت في حدود ارتفاع رحلات الطيران المدني. وربما كان مسلسل هذه الأجسام التي تراوح شكلها بين الأسطواني والمثمن الأضلاع قد مر كغيره في السابق، لو أنه لم يأت في أعقاب اختراق المنطاد الصيني الأجواء الأميركية.
في أوائل الصيف الماضي كشف البنتاغون عن "جسم طائر غير معروف" من دون أن يجري التوقف بقلق عنده، خاصة عندما أعقب ذلك شروحات تفيد بأن حالات عدة تم كشفها من هذا النوع وتبيّن أنها تراوحت بين "مناطيد ومسيرات اعتيادية" لا تمثل أي خطر.
وحسب تقارير أشار اليها الخبير والباحث في مؤسسة "أميركا الجديدة" للدراسات في واشنطن، بيتر بيرغن، أن هناك 171 حالة سابقة مشابهة ومنها ما حلّق فوق مواقع "حساسة".
لكن المسالة مختلفة الآن وأكثر خطورة، كما قال بيرغن. وكلامه تعززه أجواء القلق في واشنطن والتي حملتها ردود عدد من النواب وأعضاء مجلس الشيوخ الذين استضافتهم قنوات التلفزة في برامجها الإخبارية المهمة، أمس الأحد.
وزاد من الشكوك أن الإدارة الأميركية لم تكشف عن أية معلومات طيلة الأيام الثلاثة الأخيرة حول هذه الظاهرة المقلقة، ولاذت بالصمت بذريعة أن حطام الأجسام تبعثر في أماكن "بعيدة"، وأن عملية جمعها ما زالت جارية لفحصها "وتحليلها" ثم الكشف عنها.
اللافت في الأجسام الثلاثة أنها سلكت ذات المسار تقريباً، بدء من ولاية ألاسكا نزولاً إلى كندا ومن ثم مروراً بنفس الشريط من شمال الوسط والممتد من ولاية مونتانا (موقع أهم منصات الصواريخ الاستراتيجية العابرة للقارات) إلى ولاية ميشيغن. دخلت هذا الشطر من ذات البوابة الجوية التي عبرها المنطاد الصيني وبعد 6 أيام من إسقاطه بصاروخ جوي أميركي. وبذلك جرى الربط بين الاثنين ووضع الصين في موقع المتهم الأول من دون استبعاد روسيا القريب شمال شرقها من غرب ولاية ألاسكا. لكن ذلك غير مؤكد حتى الآن.
وفي غياب المعلومات والأدلة كثرت الإشاعات والتخمينات ومعها تزايدت الشكوك، ليس في الصين فحسب، بل أيضاً في الإدارة التي تتوالى الأسئلة عن أسباب صمتها بعد مرور 3 أيام على أول حادثة.
ومع أن تساؤلات خصومها مسيسة لإحراج البيت الأبيض، إلا أن انضمام بعض الديمقراطيين ووسائل الإعلام الرئيسية غير المعادية للرئيس جو بايدن إلى صف المتسائلين، ترك علامات استفهام حول ما إذا كانت الإدارة تتكتم على ما تعرف ربما لأن في الأمر إحراجاً أو انكشافاً ما. خصوصاً إذا كانت الصين هي الفاعل وبما يعزز زعم الجمهوريين بأن "تراخي" الإدارة مع بكين في موضوع المنطاد بعدم إسقاطه في الساعات الأولى من دخوله الأجواء الأميركية، شجعها على معاودة الكرة بواسطة "الأجسام" التي ما زالت قصتها في خانة اللغز.
لكن بعيداً عن المزايدات السياسية، ثمة من يرى ومنهم بيتر بيرغن، أن الظروف الراهنة لا تسمح باستبعاد وجود "تهديد" عبر إرسال هذه الأجسام بعد المنطاد وبهذه الصورة المتتالية.
الطريقة والتوقيت يحملان رسالة مع تقديم الدليل على قدرة الاختراق. فأميركا في حالة حرب باردة مع الصين وحرب ساخنة ولو غير مباشرة مع روسيا، كما تراها موسكو.
وبالتالي فإن الخشية مبررة، مع ذلك تفسيرات الإدارة شحيحة وعلامات ارتباكها لا تخفى، ووضعها هذا محكوم بالتفاقم كلما مر يوم من دون كشف طبيعة ومهمة هذه الأجسام ومصدرها، فضلا عن افتراض أن تتكرر الاختراقات بالوتيرة ذاتها. فالتطورات الأخيرة وضعتها - أي الإدارة - في موقع قلب حساباتها ونقلها من أجواء زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن التي كانت مصممة لتنظيم الخلافات مع الصين وربما احتوائها في الوقت الحالي، إلى النقيض.
مع ذلك نأى البيت الأبيض عن شطب زيارة بلينكن ليتركها معلقة، لكنه في الوقت ذاته لا يقوى على المضي بها في المدى القريب بعد أن صار فريق الصقور المناوئ للصين أكبر في الكونغرس. مع أن هذه الاختراقات ليست جديدة. فحسب تسريبات منسوبة إلى مصادر عسكرية في البنتاغون، خرق المنطاد الصيني الأجواء الأميركية مرتين أو ثلاثاً في زمن الرئيس السابق دونالد ترامب من غير أن يعلن عن العمليات آنذاك، ومن دون أن ينكشف الأمر عن عملية تجسسية كبيرة.
الآن المناخات المتشددة السائدة في واشنطن تجاه الصعود الصيني دفعت الأمور باتجاه أزمة ساهمت بكين في قدح شرارتها من خلال المنطاد وربما الأجسام الطائرة. تصعيد زاد من تعكير المياه العكرة أصلاً بين العملاقين.