تفيد التلميحات والمواقف الأميركية المتزامنة مع سلسلة من الزيارات والتحركات الأميركية الإسرائيلية، باقتراب موعد إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس المحتلة عملًا بوعد الرئيس جو بايدن.
ولم يكن تزامن اللقاءات صدفة بقدر ما كان مؤشرًا على أن موضوع القنصلية صار على وشك الانتقال إلى حيز التنفيذ. نائب وزير الخارجية الإسرائيلي أيدن رول التقى في واشنطن بنظيرته الأميركية ويندي شيرمن وتباحثا حسب البيان الذي صدر عن الخارجية، في الشأن الإسرائيلي الفلسطيني.
في ذات الوقت، وصلت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إلى إسرائيل، في مهمة "متعددة الجوانب"، منها موضوع فتح القنصلية، رغم أنها امتنعت على التعليق بشأنه. يأتي ذلك في وقت يجري المبعوث الخاص لإيران روبرت مالي زيارة إلى إسرائيل لإجراء مشاورات تدور أساسًا حول العودة إلى مفاوضات فيينا في التاسع والعشرين من الشهر الجاري.
ويتعزز الاعتقاد بقرب إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس المحتلة بعد صدور دعوة مكشوفة من نحو 300 متقاعد عسكري وأمني إسرائيلي لإعادة فتح القنصلية، باعتبار أن ذلك يخدم مصلحة إسرائيل خلافًا لمزاعم حكومة بينت.
وكانت الخارجية الأميركية قد أكدت مرارًا وتكرارًا في الآونة الأخيرة استمرار الإدارة في "التحضير لهذه الخطوة"، رغم ممانعة الحكومة الإسرائيلية. وشدد المتحدث الرسمي نيد برايس قبل أيام على أن الموقف "لم يتغير" وأن مكان القنصلية هو نفسه في القدس.
وعلى أثر المساعي الأميركية إلى إعادة فتح القنصلية، دخل الجانبان الأميركي والإسرائيلي في ما يشبه "لعبة كباش". وضعت إسرائيل 6 منظمات حقوقية فلسطينية في لائحة "الإرهاب"، فيما قال الجانب الأميركي إنه لم يتم إعلامها مسبقًا بالخطوة، كما أعربت الخارجية الأميركية عن امتعاضها ولو بصورة خجولة من الخطوة.
وردت الإدارة الأميركية بوضع شركة "إن إس أو" الإسرائيلية التي تنتج أدوات تجسس، على لائحة المقاطعة بدعوى أنها زودت حكومات أجنبية بمنتجاتها للتنصت على جهات مدنية وإعلامية وغيرها وبما يمكنها من رصد خطابها والاطلاع المسبق على توجهاتها وخصوصياتها وبالتالي مطاردتها.
وفي موقف مكمل لهذه المقاطعة، امتنعت إدارة بايدن قبل أيام قليلة عن التصويت على مشروع قرار في الأمم المتحدة يطالب "بتعويض أبناء وأحفاد اللاجئين الفلسطينيين وإعطائهم الحق غير المحدود بالعودة" إلى ديارهم.
وعادة ما تصوت واشنطن ضد مثل هذا القرار، إلا أن خروج إدارة بايدن عن الخط اعتبر بمثابة رسالة تحذير للحكومة الإسرائيلية لحملها على التراجع عن تعنتها في موضوع القنصلية.
وثمة من يرى أن دعوة العسكريين والأمنيين الإسرائيليين لإعادة فتح القنصلية في مكانها، جاءت في جانب منها على الأقل كاستدراك لرسالة تغيّب واشنطن عن التصويت في موضوع اللاجئين الذي لا تطيق إسرائيل مجرد طرحه.
وتظهر بعض الردود الأميركية أن إدارة بايدن "استفزتها" لغة التحدي التي تعامل بها المسؤولون الإسرائيليون مع الموضوع بعد اقتراحهم فتح القنصلية في رام الله أو بالضفة، باعتبار أن "لا مكان لها في القدس".
وما زاد من امتعاض البيت الأبيض هو نقل إسرائيل الخلاف حول هذا الموضوع إلى العلن، حيث كان البيت الأبيض قد تمنى على بينت الابتعاد عن أسلوب نتنياهو الذي كان يكشف عن خلافاته مع الرئيس باراك أوباما بغية إحراجه أمام الكونغرس والاستقواء به.
ليس في نية الرئيس بايدن ولا في حساباته أن يدخل إلى لب المشكلة وحل الدولتين، إذ يتحدث عن هذا الحل على أساس أنه مسألة متروكة للمستقبل "البعيد" على حد تعبيره، بمعنى أنه "ليس خلال عهده".
ومع أن بايدن نسف معظم قرارات ترامب إلا المتعلقة بفلسطين، ما عدا ملف القنصلية التي استسهل الإقدام عليها بحسبانها إياها مسألة رمزية يمكنه تحويلها إلى إنجاز لرئاسته. ومن هنا يأتي إصراره عليها وانزعاجه من المشاكسة الإسرائيلية بخصوصها.