برز التباين في المواقف بين المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة، على خلفية الحرب على غزة، ففي حين شدّد الأول على حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها طالب الثاني بوضع حد للحرب.
والزيارة هي الأولى للرئيس التركي إلى ألمانيا منذ عام 2020، وهي تنطوي على قدر كبير من الحساسية لا سيّما بعد انتقادات لاذعة وجّهها أخيراً إلى إسرائيل.
قبل يومين من زيارته إلى برلين، وصف أردوغان إسرائيل في كلمة ألقاها أمام النواب الأتراك، بـ"دولة إرهابية" متهماً الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين بـ"الدعم العلني للمجازر" في غزة، لافتاً إلى أنّ عناصر حماس يقاتلون من أجل أرضهم.
ولم يكرّر أردوغان تصريحاته هذه في برلين، لكنّه وجّه انتقادات لاذعة للحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة، بعد الهجوم المباغت الذي شنّته حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
وقال أردوغان، في مؤتمر صحافي مشترك مع شولتز قبل مأدبة أقامها الأخير احتفاء بضيفه، إنّ "قصف المستشفيات أو قتل الأطفال ليس مذكوراً في التوراة. لا يمكنكم القيام بذلك"، مشيراً إلى أنّ إسرائيل قتلت حتى الآن 13 ألف فلسطيني، أغلبهم أطفال ونساء ومسنون، ودمرت كل شيء هناك، و"تقريباً لم يبق مكان اسمه غزة جراء هجماتها".
وأشار أردوغان إلى أنّ إسرائيل تمتلك حالياً سلاحاً نووياً، ولكن لا تقر بذلك "لأنها تستغل الكذب جيداً". ولفت إلى أن ما حدث في غزة أظهر مرة أخرى أن حل الدولتين على أساس حدود عام 1967 أصبح أمراً لا مفر منه الآن، مشدداً على أنّ الأولوية تتمثل في تحقيق وقف إطلاق نار وإيصال المساعدات الإنسانية دون عراقيل.
وكان أردوغان قد شدّد، في وقت سابق خلال لقاء مع الرئيس الألماني فرانك فالتر-شتاينماير على "ضرورة أن تتوقف هجمات إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، وأن رد فعل العالم أجمع ضد انتهاكات حقوق الانسان مهمّ"، وفق ما أوردت الرئاسة التركية في بيان.
لكن شولتز شدّد على دعم إسرائيل في حربها، متحدثاً عن تعذّر إرساء سلام مستدام في المنطقة ما لم تفقد حماس قدرتها على شن الهجمات. وشدّد على "ضرورة جعل دفاع إسرائيل عن نفسها أمراً ممكناً وعدم جعله موضع تساؤل".
وفي حين أجرى شولتز زيارة إلى إسرائيل أبدى خلالها دعم ألمانيا غير المشروط للدولة العبرية، يتّهم أردوغان إسرائيل بارتكاب جرائم حرب بقصفها غزة وبتوغّلها البري في القطاع.
وتشنّ إسرائيل حملة قصف جوي ومدفعي مكثف على القطاع المحاصر، وبدأت بتنفيذ عمليات برية اعتباراً من 27 أكتوبر. وأعلنت حكومة غزة الجمعة أن حصيلة القصف بلغت 12 ألف شهيد بينهم خمسة آلاف طفل.
في برلين، نفى أردوغان أن تكون انتقاداته لإسرائيل تتّسم بمعاداة للسامية مشدّداً على أنه سبق أن "ناضل ضد معاداة السامية". لكنّه أشار إلى أن قدرة ألمانيا حيث تعد معاداة السامية مخالفة للقانون بسبب مسؤولية تاريخية لبرلين عن محرقة اليهود إبان الحكم النازي، مقيّدة في ما يتعلّق بالتحدث بحرية عن الحرب.
وقال أردوغان "أنا أتحدّث بحرية لأننا لسنا مدينين لإسرائيل بشيء"، ملمّحاً إلى "دَين نفسي" تتحمله ألمانيا بسبب المحرقة. وقال "لو كنا مدينين لما أمكننا التحدث بكل حرية"، مضيفاً "المدينون لا يمكنهم أن يتحدّثوا بحرية".
وكانت مواقف أردوغان قد أثارت حفيظة المحافظين المعارضين وأيضاً الليبراليين المنضوين في الائتلاف الحاكم بقيادة شولتز، والذين حرضوا المستشار على سحب الدعوة للرئيس التركي.
وأوردت صحيفة "فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ" اليومية أنّ ألمانيا قدّمت لأردوغان "منبراً مثالياً" لكي يكون صوت "العالم الجنوبي"، مشيرة إلى سعيه لقيادة "العالم الإسلامي". من جهته أقر شولتز بأنّ تباين وجهات النظر بين الطرفين في ما يتعلّق بالنزاع "ليس بسرّ". وقال "لذا نحن بحاجة في هذه الأوقات العصيبة إلى محادثات مباشرة بين بعضنا البعض".
ولطالما اتّسمت العلاقات بين تركيا وألمانيا بتباين الآراء، لكن برلين تقرّ بأهمية التعاون مع أنقرة في التصدي لمسائل شائكة. ولعبت تركيا دوراً هاماً في التوسّط من أجل التوصل لاتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية كما أبرمت اتفاقاً أساسياً حد من تدفق المهاجرين إلى أوروبا. وتضم ألمانيا أكبر جالية تركية، علماً بأنّ غالبية الأتراك على أراضيها من المؤيدين لأردوغان وبينهم لاعب المنتخب الألماني السابق مسعود أوزيل.
(فرانس برس، الأناضول، العربي الجديد)