اللقاء الأميركي – الصيني الذي شارك فيه وزيرا الخارجية، ومعهما مستشارا الأمن القومي في البلدين، والذي انتهى أمس في ولاية ألاسكا الأميركية، كان أقرب إلى مصارعة منه إلى حوار دبلوماسي. فمن البداية سادت الحوار لغة التراشق في ظل حال من التوتر المكشوف أمام الصحافة، حيث اتهم الوزير بلينكن بكين بأنها "تهديد للاستقرار العالمي"، فردّ الجانب الصيني بأن بلاده "لا تلجأ إلى القوة لغزو بلدان أخرى وتغيير أنظمة حكمها"، في إشارة إلى الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان، على ما يبدو.
وفي ظل هذه الأجواء، انتهى الاجتماع الذي حضر فيه كل شيء عدا الدبلوماسية، وكان من المتوقع ألّا تجري أعماله بصورة ودية، لكن ليس إلى هذا الحد من الجلافة التي عكست عمق العداء بين الجانبين المتناحرين.
ثمة من وضع ما انتهى إليه اللقاء في منزلة إعلان الحرب الباردة "القائمة عملياً" بين الطرفين، كما يرى جيمس ستافريدس، الأدميرال المتقاعد الذي سبق أن تولى قيادة قوات حلف شمال الأطلسي "ناتو"، والذي يذهب في توقعاته إلى حد أن الحرب الباردة قد تتحول إلى "حرب عالمية ثالثة في سنة 2034"، إذا لم يجرِ استدراكها، كما يقول في كتابه الجديد الذي يحمل هذا العنوان. وحسب تقديراته، إن خطر وقوع هذه الحرب يرجَّح على احتمال تحاشيها.
والتأزم بين العملاقين ليس جديداً، إذ ازداد بصورة طردية مع صعود الصين وما رافقه من احتدام المنافسة على القطبية. وطالما اشتكى الجانب الأميركي من الخلل في التعامل التجاري مع الصين، بما يدرّ عليها "500 مليار دولار سنوياً"، ثم جاء ترامب وغيّر اللعبة بفرض تعريفة عالية على البضائع الصينية، الأمر الذي رفع درجة التوتر، ولو أنه تراجع عن بعضها بصورة ملتبسة. ثم تأزمت العلاقات أكثر عندما أطلق ترامب اسم "الفيروس الصيني" على الوباء الذي أسهم في إرباك حملته الانتخابية.
ثم تواصل التوجس والتأزيم بعد مجيء بايدن. وقبل تسلّمه السلطة، أعطى الرئيس الجديد "ضمانات للفيليبين بالقتال إلى جانبها في أية مواجهة مع الصين، قد يؤدي إليها الخلاف على النتوءات الصخرية والشعاب المرجانية في بحر الصين الجنوبي، التي يزعم كلاهما سيادته عليها. كذلك أبلغت إدارة بايدن اليابان بأن "اتفاقية الأمن المشترك الموقّعة بينهما تشمل جزر سنكاكو في بحر الصين الجنوبي"، المتنازع عليها أيضاً بين البلدين.
إلى جانب ذلك، سلّطت واشنطن الأضواء على ملفات أخرى، شملت قضايا حقوق الإنسان ومسألة التيبت، وقمع الأقلية المسلمة الإيغور وغيرها من الملفات التي جعل منها وزير الخارجية السابق مايك بومبيو شغله الشاغل (إلى جانب إيران). بالإضافة إلى ذلك، لُوِّح باستخدام القوة قبل أيام، خلال جلسة مع اللجنة المعنية في الكونغرس، حيث أوصى القائد السابق لأسطول الباسفيك، الأدميرال المتقاعد فيل دافيدسون، بضرورة "التزود بشبكة صاروخية جديدة لحماية جزيرة غوام (في المحيط الهندي) ضد صواريخ دي إف – 21 و26 الصينية القاتلة للقاعدة" هناك. ودعا إلى "امتلاك صواريخ متوسطة المدى يمكن إطلاقها من غوام أو من أراضي حلفاء في المنطقة ضد الصين".
من جهتها قامت الصين بخطوات تؤكد من خلالها تفوقها في محيطها، الأمر الذي رأت واشنطن فيه نوعاً من التحدي لسيطرتها البحرية، وبخاصة تمدد بكين في بحر الصين الجنوبي. وقد أصدرت قانوناً في الآونة الأخيرة "يفوض إلى قوات خفر السواحل استخدام القوة للدفاع عمّا تعتبره الصين جزءاً من سيادتها البحرية"، مثل جزر سنكاكو التي تزعم ملكيتها، والتي تسيطر عليها اليابان. وتذكر التقارير أنها قامت أخيراً "بطلعات جوية باتجاه جزيرة تايبه التي تعتبرها جزءاً من أرض الوطن لا بد من إعادة ضمها إليها"، والتي تحذر واشنطن الصين من الإقدام على مثل هذه الخطوة.
على هذه الأرضية عُقد لقاء ألاسكا الذي كان التصور أنه مصمم لتنفيس الاحتقان، ومقدمة لإعادة صياغة العلاقات أو تطويقها بشكل يضمن على الأقل وقف التردي فيها. لكن يبدو أن الأمور تجاوزت هذه النقطة. فالصين الصاعدة باقتدار وبسرعة قياسية على المسرحين الآسيوي والعالمي، لا تبدو أنها في وارد فرملة صعودها. والولايات المتحدة لا تبدو هي الأخرى، حتى في زمن "الرئيس الدبلوماسي"، قادرة على هضم المزاحمة الصينية لها، ولو حتى في المحيط الآسيوي. وعليه، فإن تقديرات الأدميرال ستافريدس قد لا تبدو مبالغاً فيها.