مع بداية الهجمة الوحشية الإسرائيلية-الأميركية على غزة منذ شهرين، خرجت تظاهرات في أغلب العواصم العربية والإسلامية تنديداً بالعدوان ودعماً للمقاومة. ورُفع فيها سقف الشعارات عالياً بمطالب تشمل طرد سفراء الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، أو سفراء الكيان في دول مطبّعة، إلى جانب تجريم التطبيع وقطع العلاقات وفتح الحدود وغيرها من الشعارات.
لكن هذه الموجة من التعاطف سرعان ما خبت وتراجعت في أغلب هذه الدول، وكأن الحرب انتهت، في حين أن موجة التدمير زادت، وعدد الشهداء والجرحى بعشرات الآلاف، وغزة دُمرت بالكامل تقريباً وأصبحت كومة تراب. والعرب، عن الشعوب نتحدث، يتظاهرون من خلف شاشات الهواتف على مواقع التواصل الاجتماعي، يحررون القدس باللايكات.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) كشفت، السبت، أن "قرابة مليون طفل فلسطيني هُجّروا قسراً من منازلهم في قطاع غزة، ودُفعوا للعيش في مناطق مكتظة، وتفتقر إلى أدنى مقومات الحياة"، في أقصى جنوب القطاع المحاصر الذي يشهد قصفاً إسرائيلياً أعمى، وسيتخطى عدد الشهداء تقريبا الـ20 ألفا.
وهي أرقام وصور خرج من أجلها عشرات الآلاف من المحتجين في عواصم غربية، بينما يبقى الشباب العرب الثائرون في بيوتهم ومقاهيهم، يحللون الأخبار ويعلقون على صمود الكائن الفلسطيني الخرافي.
ما الذي حدث حتى تخفت شرارة الدعم لفلسطين بهذا الشكل وما الأسباب العميقة؟ وطبعاً يُطرح السؤال على الشعوب وليس على الحكومات، فهذه باعت من زمان وانتهى الأمر، وأغلبها ينتظر نهاية "حماس" والمقاومة، إلا من رحم ربي طبعاً، وهم قلة قليلة لا تزال تحفظ بعض كرامة.
لقد كرر مسؤولو "حماس" بوضوح دعواتهم إلى العرب والمسلمين وكل الأحرار في العالم لمواصلة ضغطهم على دولهم لإنهاء هذه الحرب. وفيما استجاب كثيرون في الغرب، يثير الموقف العربي الشعبي كثيراً من الاستغراب، لأن عواصم عربية لم تُمنع فيها التظاهرات ولم تضيّق عليها السلطات، وبرغم ذلك لم يخرج الناس.
أما في الجانب الآخر، فيتواصل الدعم الفعلي بكل حماسة وصفاقة، حيث أكدت وزارة الدفاع الأميركية، السبت، أن إدارة الرئيس جو بايدن استخدمت صلاحيات للطوارئ للسماح ببيع نحو 14 ألفاً من قذائف الدبابات لإسرائيل من دون مراجعة الكونغرس.
كما عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تقديره لاستخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي عرقل مطلب وقف إطلاق النار في الحرب على غزة. يعرف الأعداء ما يريدون تحديداً، وهم يعملون كل شيء من أجل تحقيقه، أما نحن، فمن حسن الحظ أن المقاومة لم تعوّل إلا على نفسها.