لم تصل مبادرات الحوار الوطني بين القوى السياسية العراقية إلى النتائج المتوقعة، على الأقل من قبل راعي الحوار، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي يعتبر أن جهوده الحالية تندرج ضمن مهامه في منع أي توتر أمني جديد.
وعقد أمس الاثنين قادة وزعماء الأحزاب العراقية ثاني جولات الحوار، داخل القصر الحكومي بالمنطقة الخضراء، وسط بغداد، في غياب جديد للتيار الصدري، الذي يصر على عدم المشاركة في الحوارات، وهو ما يعتبره سياسيون ومراقبون سبباً رئيساً في عدم تحقيق جولتي الحوار أي تقدم ملحوظ.
ومنذ استقالة أعضاء الكتلة الصدرية البالغ عددهم 73 عضواً من البرلمان العراقي، في يونيو/حزيران الماضي، سعى الكاظمي لإقناع الصدر بالعدول عن قرار الانسحاب، لكن الأخير واصل سياسة الرفض، كذلك لم ينجح الكاظمي في محاولات جمع ممثل عن الصدر في اجتماعات "الحوار الوطني" في القصر الحكومي بالمنطقة الخضراء، وسط بغداد، إضافة إلى فشله في المبادرة الأخيرة، التي تمثلت باجتماع حضره معظم زعماء الأحزاب من قادة الصف الأول، في غياب الصدر.
في الجلسة الثانية من "الحوار الوطني"، التي شاركت فيها الرئاسات الثلاث، ممثلة برئيس الوزراء ورئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، إضافة إلى ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت، وزعماء الأحزاب، جاءت التوصيات بـ"الاتفاق على تشكيل فريق فني من مختلف القوى لاستكشاف الرؤى والأفكار المشتركة حول خريطة طريق لحل الأزمة".
وأكدت التوصيات "تفعيل المؤسسات والاستحقاقات الدستورية"، مبينة أن "تطورات الأوضاع السياسية وما آلت إليه من خلافات تحمّل الجميع المسؤولية الوطنية في حفظ الاستقرار، وحماية البلد من الأزمات، ودعم جهود التهدئة، ومنع التصعيد والعنف، وتبني الحوار الوطني للتوصل إلى حلول وضرورة استمرار جلسات الحوار الوطني"، فيما جدد الحاضرون دعوة "التيار الصدري للمشاركة في الاجتماعات الفنية والسياسية، ومناقشة كل القضايا الخلافية، والتوصل إلى حلول لها".
إلا أن مراقبين يستبعدون تحقق هذه التوصيات، في ظل استمرار غياب الطرف الرئيس في الأزمة عن الحوار، وكذلك غياب الضامن لتنفيذ ما سيُتَّفَق عليه لاحقاً.
ويقول عضو التيار الصدري عصام حسين، إن "التيار الصدري لا يريد أن يشارك في اجتماعات لا تفضي إلى نتائج تخدم العراقيين، لأن مثل هذه الاجتماعات لا تسعى إلا لخراب البلاد، وتقاسم المناصب والمغانم، رغم أن الدعوات تبدو نظيفة من الكاظمي، لكن لا يمكن أن يجتمع الصدر مع نوري المالكي وقيس الخزعلي وبقية زعماء الأحزاب المتورطين بالفساد"، وفقاً لقوله.
وبيّن حسين لـ"العربي الجديد" أن "الصدر كان قد قال في الجولة الأولى من الحوار الوطني إنها (لا تسمن ولا تغني من جوع)، بالتالي فإن موقف الصدريين واضح".
وأضاف أن "الشلل في الحالة السياسية حالياً، بسبب غياب الصدر عن المشهد السياسي، لأن الأحزاب غير مطمئنة إلى تشكيل حكومة ضعيفة قد تسقط على أيدي المحتجين العراقيين، وهم يسعون للحصول على شرعية تشكيل هذه الحكومة من خلال جلوس الصدر أو ممثل عنه في اجتماعات الأحزاب، وهذا ما لن يحصل أبداً".
من جهته، بيَّن عضو تحالف "الفتح" المنضوي في "الإطار التنسيقي"، محمود الحياني، أن "حضور التيار الصدري جلسة الحوار كان سيدعم الخروج بنتائج إيجابية، فبدون لغة الحوار لن نستطيع الوصول إلى حل للأزمة، والحوار دون وجود التيار الصدري لن يجدي نفعاً، لكونه طرفاً مؤثراً"، مؤكداً لوكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، استمرار "تمسك الإطار التنسيقي بمرشحه محمد شياع السوداني، لكن هناك إمكانية لتغييره، إن كان هناك حوار مع التيار الصدري".
إلا أن عضو "ائتلاف النصر" محمد شمسي، أشار إلى أن "الصدر لا ينتظر من قوى الإطار أن يتم استبدال محمد شياع السوداني، بل إنه يشعر بالخذلان بسبب منعه من تشكيل الحكومة، وهو ما لا تقبله القوى السياسية، بالتالي فإن ما يريده الصدر أكبر بكثير مما هو متوقع، لذلك فإن تطلعات الصدر تصطدم بآلية سير العملية السياسية في البلاد".
ولفت شمسي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "باب الإطار سيبقى مفتوحاً للصدر، من أجل تصحيح ما جرى من أخطاء أصابت العمل السياسي، والتعاون على تحقيق المطالب والأهداف المشتركة"، متوقعاً أن "يعود الصدر للمشاركة في اجتماعات القوى الشيعية، خلال الفترة المقبلة، ولا سيما مع نفاد أدواته لتحقيق فرض أجندته وما يريد".
بدوره، رأى الباحث والمحلل السياسي عبد الله الركابي، أن "الصدر لن يعود أدراجه للتفاهم مع الأحزاب المنضوية بالإطار التنسيقي، وتحديداً ما يسميه (الثالوث)، ويُقصَد به كل من قيس الخزعلي وعمار الحكيم ونوري المالكي، وهذا الوعد الذي قطعه على نفسه سيجعله على المحك دائماً في كل خطواته المستقبلية".
ورأى، خلال اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "الوضع السياسي في العراق يسير باتجاه مجهول، وأن معظم الأحزاب باتت مقتنعة بالمضي نحو الإبقاء على مصطفى الكاظمي في ظل الظروف الحالية"، وأن المبادرات وجولات الحوار التي يرعاها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي "ستبقى مهمة وعاملاً مساعداً في تبريد المشهد السياسي المتأزم، وضمانة لإبقاء قنوات الاتصال واللقاءات بين القيادات السياسية، لكنها ليست كافية لأن تكون حلاً جذرياً للأزمة بسبب غياب طرفين مهمين، هما الضامن لأي اتفاق، وعدم مشاركة الصدريين فيها".
محاور الأزمة السياسية العراقية تتركز بشكل مختصر منذ انسحاب التيار الصدري من البرلمان منتصف يونيو/حزيران الماضي، على إصرار قوى الإطار التنسيقي، الذي يضم القوى السياسية القريبة من طهران، على استئناف جلسات البرلمان العراقي ومعاودة عمله بشكل كامل، وانتخاب رئيس جمهورية ورئيس حكومة كاملة الصلاحيات، بدلاً من حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، ثم الذهاب نحو تعديل قانون الانتخابات الحالي الذي تراه قوى "التنسيقي" سبباً في تراجع مقاعدها البرلمانية بالانتخابات الأخيرة، كذلك تصرّ على تغيير مفوضية الانتخابات، قبل الذهاب إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
في المقابل، يرفض التيار الصدري ذلك، ويصر على حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة خلال 9 أشهر، ويطرح تعديل الفقرة الـ76 من الدستور المتعلقة بالكتلة الأكبر التي يحق لها تشكيل الحكومة، مع رفعه مطلباً آخر، وهو تعديل قانون المحكمة الاتحادية، لتكون أكثر استقلالية عن الأحزاب السياسية التي تولت فعلياً منذ عام 2005 اختيار أعضاء هذه المحكمة، وعددهم 11 عضواً، بطريقة المحاصصة الطائفية والحزبية.
إلى جانب ذلك، يرفض التيار الصدري أيضاً تعديل قانون الانتخابات، ويصر على بقائه، وهو القانون الذي اعتمد نظام الدوائر المتعددة والفوز للنائب الأعلى أصواتاً، على خلاف القانون السابق المعروف بقانون (سانت ليغو) الذي منح أغلبية عددية للقوى السياسية الكبيرة على حساب القوى السياسية الناشئة والصغيرة، بسبب بند القاسم العددي في توزيع أصوات الدوائر الانتخابية، كما يرفع الفيتو أمام أي حكومة تتشكل، سواء أكانت مؤقتة أم دائمة، من خلال مشاركة كتلتي "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي و"صادقون"، بزعامة قيس الخزعلي، وألمح إلى قبوله إسناد ذلك إلى المستقلين كحل وسط، على لسان أعضاء فيه خلال تصريحات سابقة لهم.