من جديد عاد إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمينيا إلى سطح الأحداث، بعد التصعيد الذي قامت به باكو بتعلة مقتل أحد جنودها في إطلاق نار في المنطقة العازلة التي تم تحديدها بعد الحرب بين الطرفين في سنة 2020.
أذربيجان اتهمت الانفصاليين الذين تدعمهم أرمينيا بإطلاق النار، وبعدها بدأت الاشتباكات، التي، إذا ما استمرت قد تدخل الإقليم في حرب جديدة وتطيح بالهدنة الهشة التي فرضها اتفاق موسكو يوم 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 بين باكو ويريفان، والذي تم بموجبه نشر قوات سلام روسية في الإقليم. فيما ذهبت موسكو عبر وزارة دفاعها لاتهام أذربيجان بانتهاك وقف إطلاق النار، مضيفة أن جنودها لحفظ السلام المنتشرين في المنطقة يحاولون "تحقيق استقرار" الوضع.
وأعلنت الوزارة أنه "في منطقة ساريبابا انتهكت القوات المسلحة الأذربيجانية وقف إطلاق النار"، مضيفة أن "قيادة قوة حفظ السلام الروسية تتخذ مع ممثلين عن أذربيجان وأرمينيا خطوات لتحقيق الاستقرار".
كلام موسكو لم تتركه باكو دون رد، وصبت كل الاتهامات على الفصائل الانفصالية في إقليم ناغورنو كاراباخ، وطالبت بضرورة نزع سلاح هذه الفصائل. فيما ذهب الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة وقف إطلاق النار والعودة للمفاوضات للخروج بحل سلمي للصراع الذي بدأت ناره تشتعل مجددا من تحت رماد حرب سنة 2020، والتي أطاحت باتفاق مينسك الذي عقد بين كل الأطراف المتشابكة في هذا الصراع في تسعينيات القرن الماضي، خاصة مع سيطرة أذربيجان على كثير من الأراضي في هذا الإقليم عند وقف إطلاق النار وتسبب في أزمة سياسية كبيرة للحكومة الأرمينية التي رضخت لإرادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووافقت على اتفاق نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 2020.
تاريخ متوتر
ويعود تاريخ هذا التوتر في هذه المنطقة المهمة جيوسياسيا في جنوب القوقاز، إلى بداية ذوبان جليد الحرب الباردة، واستقلال الدول المنضوية تحت الاتحاد السوفييتي سابقا، واتخاذها شكل الدول القومية، وهو ما فجر الوضع بين أرمينيا وأذربيجان، الجارين العدوين، وحتى قبل سقوط العلم الأحمر ذي المنجل والمطرقة من فوق سطح الدوما في العاصمة موسكو.
ففي سنة 1988 بدأت مطالب السلطات الحاكمة في إقليم ناغورنو كاراباخ، بأن تكون جزءا من أرمينيا السوفييتية، في وقت كان هذا الإقليم يحكم ذاتيا بقرار من ستالين، في وقت كان الإقليم يتبع إداريا للسلطات الأذرية السوفييتية.
وبدأت كرة ثلج هذا الصراع تتضخم وتكبر منذ تاريخ المطالبة ذاك، وصولاً إلى الحرب بين باكو والانفصاليين الأرمن المدعومين من يريفان، والتي انتهت بوقف لإطلاق النار سنة 1994، بعدما سيطر الانفصاليون الأرمن على أغلب أراضي الإقليم، وهو ما يبدو أنه قد ترك جرحا لم يندمل عند الأذريين.
وانتهت هذه الجولة من الحرب، كما الجولة التي تلتها في سنة 2020 إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أطلق عليه "اتفاق مينسك" والذي توسطت فيه منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بالرغم من الاشتباكات المتقطعة التي كانت تحدث بين الطرفين طوال 26 سنة هو عمر "اتفاق مينسك" الذي سقط مع دخول القوات الأذرية إلى الإقليم في سنة 2020، في جولة جديدة من الحرب حملت هذه المرة رائحة الطموحات الجيوسياسية للقوى الإقليمية في المنطقة، وأبرزها تركيا العدوة الأزلية للأرمن والتي دعمت باكو، فيما يبدو أن بوتين لم يجد إلا مخرجا وحيدا لإيقاف هذه الحرب، من خلال الضغط على جميع الأطراف، والتوصل لوقف لإطلاق النار في اتفاق نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
جولة ثانية كانت باكو رابحة فيها، ومن ورائها أنقرة بكل ترسانتها العسكرية وتكنولوجياتها الحديثة التي أثبتت نجاعتها، فيما العين تتجه نحو السواحل الأذرية حيث الغاز والنفط، وهما سلاحان أثبتت الحرب الروسية على أوكرانيا أنهما هامان في ترسخ أي سياسة على "الآخر" الأوروبي الذي رفض انضمام تركيا إلى المحفل الأوروبي.