تلعب عدة عوامل دوراً رئيساً في دفع الحكومة الإسرائيلية إلى تصعيد عدوانها ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، رغم الحديث المتكرر عن جهود إقليمية ودولية تبذل لاحتواء الموجة الحالية.
فالحكومة التي يقودها بنيامين نتنياهو تقع تحت تأثير طاغٍ لقوى اليمين الديني المتطرف، ممثلة بشكل خاص بحركتي "المنعة اليهودية" التي يقودها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، و"الصهيونية الدينية" برئاسة وزير المالية والاستيطان بتسلئيل سموتريتش.
المنطلقات الدينية الإيديولوجية التي توجه هاتين الحركتين دفعتهما إلى تبني استراتيجية "حسم الصراع" مع الشعب الفلسطيني، والقطع تماماً مع استراتيجية "إدارة الصراع" التي التزمتها الحكومات التي تعاقبت على دولة الاحتلال منذ انتهاء حرب 1967.
وهذا ما يفسر دعوة بن غفير إلى عقد اجتماع عاجل للمجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن لاتخاذ قرار باستئناف عمليات اغتيال قيادات حركات المقاومة في قطاع غزة؛ ودعوة زميله سموتريتش إلى شنّ حملة عسكرية واسعة في الضفة الغربية، وتحديداً في جنين ونابلس، على غرار ما يعرف بحملة "السور الواقي" التي نفذها جيش الاحتلال في الضفة في ربيع 2002، والتي انتهت بإعادة احتلال جميع مدن الضفة.
في الوقت ذاته، إن المنطلقات الدينية التي تضبط هاتين الحركتين تدفعهما إلى التصعيد تحديداً في القدس والأقصى. فهاتان الحركتان تنتميان إلى التيار الديني الخلاصي، الذي يؤمن بأن ترجل المخلص المنتظر، الذي سيقود اليهود إلى ريادة العالم، يتوقف على بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى وما يتبعه من حرب شاملة، تطلق عليها الأدبيات الدينية اليهودية حرب "يأجوج ومأجوج".
وهذا ما دفع نائب رئيس أركان جيش الاحتلال الجنرال يئير الجولان إلى التحذير في تغريدة كتبها على "تويتر" من أن استلاب سموتريتش وبن غفير لنظرية "حرب يأجوج ومأجوج" تدفعهما إلى التصعيد ضد الفلسطينيين تحديداً في الأقصى من أجل أن تنفجر هذه الحرب.
وفي سلسلة مقالات كتبها في موقع "زمان يسرائيل"، لفت الباحث الإسرائيلي بنحاس عنبري إلى أن بناء الهيكل وحرب يأجوج ومأجوج "يمثلان مشروع وخطة عمل متكاملة لكل من سموتريتش وبن غفير".
من هنا، فإن الحكومة الإسرائيلية تحت تأثير سموتريتش وبن غفير، تواصل السماح لنشطاء جماعات الهيكل بمواصلة ممارساتهم الاستفزازية داخل الأقصى، وضمن ذلك أداء الصلوات التلمودية.
ومما يغذي بيئة التصعيد حقيقة، أن مكانة قوى اليمين الديني المتطرف قد تعاظمت في الحكومة على حساب نتنياهو نفسه، في أعقاب اضطرار الأخير إلى تأجيل تمرير التعديلات القضائية تحت ضغط الشارع الإسرائيلي.
فنظراً لأن قوى اليمين الديني قد هددت بالانسحاب من الحكومة في أعقاب تأجيل تمرير التعديلات، اضطر نتنياهو إلى استرضائها. وهذا ما دفعه إلى الموافقة على تشكيل مليشياً مسلحة خاصة ببن غفير، أطلق عليها "الحرس الوطني"، رغم أن نتنياهو كان يتحفظ من هذه الفكرة.
إلى جانب ذلك، وعلى الرغم من إدراك نتنياهو للتداعيات السلبية لتفجر الأوضاع الأمنية، فإنه معني إلى حد ما بإحداث تحول على طابع الجدل الداخلي في إسرائيل، بحيث يتحول عن التركيز على التعديلات القضائية، وينشغل بالقضايا الأمنية. وينطلق نتنياهو من افتراض بأنّ بالإمكان إعادة السيطرة على الأوضاع الأمنية واستعادة التهدئة عبر توظيف جهود إقليمية ودولية.
في الوقت ذاته، على الرغم من أن كلاً من نتنياهو وحركة حماس غير معنيين بتصعيد يفضي إلى حروب أو جولات قتال واسعة على غرار الحروب الأربع التي شنتها إسرائيل على القطاع منذ عام 2008، فإن سياسات إسرائيل التصعيدية ضد الأقصى، وفي الضفة الغربية، واستهدافها للأسرى في سجون الاحتلال، تجبر المقاومة على الرد بإطلاق الصواريخ، وهو ما يعزز فرص اندلاع مواجهة واسعة لا يرغب فيها الطرفان.
ولا يمكن تجاهل تأثير طابع سلوك القوى الإقليمية العربية الذي لا يولد ضغطاً حقيقياً على إسرائيل لمراجعة حساباتها. فكل من مصر والأردن تملكان أوراق قوة كبيرة بالإمكان توظيفها لإقناع إسرائيل بتغيير سلوكها، مثل التعاون الأمني وصفقات استيراد الغاز من تل أبيب بأكثر من 30 مليار دولار، فضلاً عن الشراكات الاقتصادية الأخرى. لكنّ كلاً من عمان والقاهرة وبقية الأطراف العربية التي ترتبط باتفاقات تطبيع مع إسرائيل تكتفي بإصدار بيانات تنديد لا تترك أثراً على دائرة صنع القرار في تل أبيب.
إلى جانب ذلك، إن الواقع الدولي، وتحديداً انشغال العالم بالحرب الروسية الأوكرانية، يقلص من فرص استثمار القوى الفاعلة في النظام الدولي جهوداً لمحاولة تطويق التصعيد، وتحديداً الولايات المتحدة.