لا يزال العراق يشهد انسداداً سياسياً عرقل التصويت على منصب رئيس الجمهورية في مجلس النواب المنتخب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأخّر المضي بإجراءات تشكيل الحكومة من خلال الكتلة البرلمانية الكبرى، التي يمنحها الدستور حق ترشيح رئيس الحكومة الجديد.
العراق: أزمة سياسية حادة وغياب أممي
وعلى الرغم من مرور أربعة أشهر ونصف على الانتخابات التشريعية، إلا أن الأزمة السياسية تزداد حدة، مع فشل جميع الوساطات ومحاولات التقريب بين "الكتلة الصدرية" بزعامة مقتدى الصدر وحليفيها "الحزب الديمقراطي الكردستاني" وتحالف "السيادة" من جهة، والذين يصّرون على تشكيل حكومة أغلبية وقوى "الإطار التنسيقي" التي تدعو إلى تشكيل حكومة توافقية بمشاركة الجميع، من جهة أخرى.
لم تطرح جينين هينيس بلاسخارت، أي مبادرة للوساطة أو جمع القوى المتنافرة إلى طاولة حوار واحدة
ويلاحظ في الأزمة العراقية، ووسط هذا الانسداد، غياب الوساطة الأممية التي كانت متوقعة للتقريب بين الأطراف المتنافسة، إذ لم تكن لبعثة الأمم المتحدة في العراق، التي تترأسها جينين هينيس بلاسخارت، أي مبادرة للوساطة أو جمع القوى المتنافرة إلى طاولة حوار واحدة.
وتعليقاً على غياب الدور الأممي، رأى النائب السابق في البرلمان العراقي حامد المطلك، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المنظمة الدولية غير جادة في التدخّل لحل الأزمة. وقال: "لو كانوا جادين أو صادقين، لما حصل في العراق ما حصل".
وبشأن عدم طرح بلاسخارت أي مبادرة للوساطة بين القوى العراقية، اعتبر المطلك أن "ما يحصل في العراق هو نتيجة التدخلات والإملاءات الخارجية، وهو ليس وليد اليوم، بل نتاج للخلافات بين القوى السياسية منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003".
ولفت المطلك إلى أن "التناحرات الحالية تضر بالمصلحة الوطنية"، مشدداً على "أهمية مغادرة الخلافات والبحث عن كل ما يصب في مصلحة العراق وأمنه واستقراره". وانتقد النائب السابق "صمت الأمم المتحدة وبقية الأطراف المعنية عن التدخلات الخارجية في الشأن العراقي، والتي جعلت الوضع السياسي في البلاد مربكاً وغير سليم منذ 2003".
عدم حماسة أممية للحكومات التوافقية
من جهته، فسّر نائب مستقل في البرلمان العراقي طلب عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، انكفاء البعثة الأممية في ما يتعلق بالأزمة السياسية بأنه "عدم رغبة (أممية) بالعودة إلى الحكومات التوافقية السابقة".
وأوضح النائب أن لقاءات بلاسخارت مع زعيم "التيار الصدري" ورئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني، خلال الشهرين الأخيرين، "تحمل إشارة يمكن فهمها على أنها لن تعارض تشكيل حكومة أغلبية تقود حملة إصلاحات في البلاد".
ورجّح النائب أن "تكون البعثة الأممية نأت بنفسها عن لعب دور الوسيط، كي لا تُتهم من قبل بعض الأطراف بأنها جاءت بقوى وفصائل الإطار التنسيقي، والتي بعضها مقرب من إيران، إلى الحكومة". وأضاف أن البعثة الأممية "تدرك أيضاً حجم الانقسام والاختلاف في وجهات النظر بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، لذا فإنها لا تريد طرح مبادرة أو وساطة تكون احتمالات فشلها كبيرة".
ويشهد العراق أزمة سياسية حادة منذ إعلان نتائج الانتخابات التي جرت قبل أكثر من أربعة أشهر، بدأت بالاعتراض ثم الاحتجاج على النتائج من قبل قوى وأنصار "الإطار التنسيقي"، ثم فوضى ومشادات خلال الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، التي شهدت انتخاب رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ونائبيه حاكم الزاملي وشاخوان عبد الله، في 9 يناير/كانون الثاني الماضي.
وأعقبت ذلك خلافات بشأن مرشح رئاسة الجمهورية، وسعي "الإطار التنسيقي" لتعطيل الجلسة المخصصة للتصويت على رئيس الجمهورية من خلال ما بات يعرف بـ"الثلث المعطل"، مستغلاً اشتراط الدستور حضور ثلثي أعضاء البرلمان لاكتمال نصاب جلسة انتخاب الرئيس العراقي.
حملت لقاءات بلاسخارت إشارة يمكن فهمها على أنها لن تعارض تشكيل حكومة أغلبية
واعتبر عضو "الاتحاد الوطني الكردستاني" طارق جوهر أن الأزمة السياسية الحالية في العراق هي الأصعب منذ 18 عاماً بسبب غياب المساعدة الخارجية، وتحديداً الأممية، للخروج منها، مبيناً، في حديث لصحيفة "الصباح" الرسمية، أن العملية السياسية شهدت حدوث خلافات داخل البيوت الشيعية والسنّية والكردية، فيما جعل انحسار دور التدخل الخارجي لمساعدة الأطراف الداخلية، بما فيها الأمم المتحدة، الأزمة أكثر صعوبة".
وكانت بلاسخارت قد اكتفت بالإشارة إلى استمرار حالة الجمود السياسي في العراق، من خلال الإحاطة التي قدمتها في مجلس الأمن الدولي، يوم الخميس الماضي، من دون أن تشير إلى أي مبادرة أو جهود أو مساع أممية للتقريب بين الأطراف المختلفة.
وقالت بلاسخارت لمجلس الأمن: "وراء الجدل الرئيسي حول حكومة أغلبية مقابل حكومة توافقية، يزداد تساؤل الكثير من العراقيين عما إذا كانت المصلحة الوطنية هي بالفعل المهمة للمفاوضات الحالية، بدلاً من الحصول على الموارد والسلطة أو كيفية تقاسم كعكة التعيينات السياسية والوزارات".
وأضافت: "ينبغي أن تكون الأولوية هي الاتفاق بصورة عاجلة على برنامج عمل، يعالج فوراً، وبشكل هادف، قائمة العراق الطويلة من المسائل الداخلية المعلقة".
وأشارت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق، إلى وجود أطراف عراقية تعمل من أجل عرقلة التغيير والإصلاحات التي تحتاجها البلاد، داعية "الأطراف العراقية المعنية إلى التركيز على الأمور المهمة فعلاً، وإلى الاتحاد بدلاً عن التنافس، لأن الأطراف العراقية تحتاج إلى أن يكون التعاون بعضها مع بعض في أفضل حالاته". وشدّدت على أن كل الجهود "ينبغي أن تنصب على حلّ القضايا العالقة، لا عن طريق الاستحواذ على السلطة".
يذكر أن المبعوثة الأممية لعبت دوراً بارزاً في العراق منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في عام 2019، إذ وقفت إلى جانب المحتجين، وأيّدت مطالبهم في تغيير قانون الانتخابات والمضي نحو الانتخابات المبكرة التي جرت في 10 أكتوبر 2021 بمشاركة مراقبين من الأمم المتحدة. وأشادت المنظمة الأممية بالانتخابات التي وصفتها بالعادلة والنزيهة.