يثير غياب وزير الخارجية الصيني، تشين غانغ، عن الأضواء منذ قرابة الشهر، الكثير من التساؤلات حول أسباب اختفائه، إذ قامت بكين أخيراً بأنشطة دبلوماسية متعددة دون ظهور وزير خارجيتها، وكان آخر ظهور لغانغ في لقاء جمعه بوزيري خارجية سريلانكا وفيتنام ومسؤولين روس، في 25 يونيو/حزيران الماضي.
وأججت مشاركة وزير الخارجية الصيني السابق، وانغ يي، في اجتماع وزراء خارجية الآسيان الأسبوع الماضي، التساؤلات حول مصير غانغ، وبرر المتحدث باسم الخارجية الصينية، وانغ ون بين، غياب غانغ عن الاجتماع بوضعه الصحي.
وما زاد من الغموض إعلان الخارجية الصينية، أمس الأربعاء، أن وانغ يي هو من سيحضر اجتماع الممثلين الساميين للشؤون الأمنية لمجموعة بريكس، الذي سيعقد في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا في الفترة من 24 إلى 25 يوليو/تموز الجاري. وكان لافتاً أيضاً خلال زيارة هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي السابق، إلى الصين قبل يومين، عدم لقائه بوزير الخارجية تشين غانغ.
وكانت المتحدثة باسم الخارجية الصينية، ماو نينغ، وجهت بمراجعة موقع وزارة الخارجية الإلكتروني في ردها على سؤال عما إذا كان غانغ ما يزال وزيراً للخارجية، ولا يزال الموقع يدرج غانغ وزيراً للخارجية.
تكهنات مختلفة
هذا وأدى اختفاء غانغ إلى تكهنات مختلفة أثيرت في مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، من بينها أنباء عن إقالته بسبب علاقة خارج نطاق الزواج مع المذيعة السابقة في قناة فينيكس الصينية، فو شياو تيان، المقيمة في الولايات المتحدة، والتي تحمل جنسيتها، وكان وُجه لها اتهامات سابقة بالتجسس لصالح جهات أميركية.
وكانت المذيعة الصينية نشرت مؤخراً صورة لها مع طفل يبلغ من العمر عاما واحدا، بالرغم من أنها لم تعلن زواجها، وتساءل نشطاء صينيون عما إذا كان غانغ هو والد الطفل.
ويحظر الحزب الشيوعي الصيني العلاقات خارج نطاق الزواج بين المسؤولين، وغالباً ما يعتبر مكتب فحص الانضباط التابع للحزب، مثل هذه العلاقات سبباً لاتهام كبار المسؤولين بالفساد.
فرضية الأزمة الصحية
الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في جامعة جينان، شياو لونغ، قال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن مثل هذه المسائل لا يناقشها قادة الحزب أمام الرأي العام، وغالباً ما تمارس الصين رقابة شديدة على المعلومات حين يتعلق الأمر بصحة مسؤوليها، ما يعني أن غانغ قد يكون ببساطة يعاني من أزمة صحية حقيقية.
وأضاف لونغ أن غياب المسؤولين عادة ما يثير الكثير من التكهنات حول مستقبلهم ونفوذهم، ولفت إلى أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أثيرت حوله العديد من الشائعات عندما لم يظهر لمدة وجيزة بعد مشاركته في قمة إقليمية بأوزبكستان العام الماضي.
انعدام الشفافية
ومن جهته، اعتبر الأستاذ في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث في هونغ كونغ، لي يانغ، أن الصين تواجه شكوكاً متزايدة بشأن افتقارها للشفافية، وأن الأمر تكرر مع العديد من المسؤولين ورجال الأعمال الصينيين.
وأضاف يانغ في حديث مع "العربي الجديد" أنه "يبدو منطقياً غياب المسؤول عدة أيام لدواع صحية، ولكن كلما طالت مدة غيابه، زاد احتمال أن تكون الموانع غير صحية". مضيفاً أن الدراما الحالية تسلط الضوء بوضوح على المخاطر التي يواجهها السياسيون والدبلوماسيون الصينيون في ظل المتطلبات الصارمة للقيادة في الحزب الشيوعي.
واستبعد يانغ أن يكون للأمر علاقة بعلاقة خارج الزواج، معتبراً ذلك "سبباً تافهاً" طالما أن غانغ هو أحد خيارات الرئيس الصيني في إدارته الجديدة، التي لم يمض على تشكيلها سوى أشهر قليلة، كما استبعد أن يكون قد تم القبض على المسؤول الصيني بتهمة الفساد، خصوصاً أنه مر نصف عام فقط منذ توليه منصب وزير الخارجية.
واستدرك، يانغ، أن الأهم من لغز الاختفاء هو ارتدادات ذلك على الحزب وتسليط الضوء مجدداً على المتطلبات الصارمة للمسؤولين الصينيين، سواء ما يتعلق بالإخلاص لشي وللحزب، لافتاً إلى أن مسألة العلاقات العاطفية تُستخدم في بعض الأحيان كذريعة لإسقاط المسؤولين من غير المحسوبين على الرئيس شي.
وأضاف يانغ أن الخاسر الأكبر في هذه القضية هو الرئيس الصيني نفسه، وذلك لأمرين: الأول، أنه في حال ثبت عزل غانغ لأي سبب كان، فذلك سوف يتسبب في أزمة ثقة داخل الحزب، وسيعطي انطباعاً للمسؤولين الصينيين بأن الولاء لشي غير كاف، وأنه لن يحمي أصدقاءه.
أما الأمر الثاني، بحسب يانغ، فهو ظهور التشكيلة القيادية الجديدة بصورة هشة أمام الرأي العام مما يعطي إشارات غير مرضية عن أداء الحكومة في الأشهر الأولى من بداية عملها.
ويُشار إلى أن اختفاء المسؤولين أمر شائع في الصين، وغالباً ما يتم الإعلان في وقت لاحق عن خضوعهم للتحقيق بسبب اتهامات مختلفة بالفساد وتلقي الرشى وانتهاك قواعد الحزب الصارمة، ومن ثم تجريدهم من مناصبهم وإيداعهم في السجن.