ليبيا: خلافات حول دفع الملف السياسي نحو الانتخابات

25 سبتمبر 2022
تصل الأزمة بحسب آراء مراقبين إلى مرحلة انسداد يصعب معها إيجاد مخرج (Getty)
+ الخط -

لا يزال الملف الليبي السياسي عالقاً في مكانه، ولا تزال الانتخابات العامة هدفاً منشوداً لإنهاء الأزمة بين كل الأجسام السياسية المتخاصمة منذ عام 2014.

وقد وصلت الأزمة بحسب آراء مراقبين إلى مرحلة انسداد يصعب معها إيجادُ مخرجٍ، والذي تجسّده انتخابات عامة قد تكون خلاصاً وحلاً لخلافاتٍ سياسية بدأت قبل قرابة الـ8 سنوات. 

ومع صمت مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة خلال المدة الأخيرة عن أي مستجدات بشأن الانتخابات، وكذلك تأخر وصول المبعوث الأممي الجديد، عبد الله باثيلي، إلى ليبيا، وعدم اتضاح رؤيته، يشهد هذا الملف ركوداً لم يحرك سكونه سوى التصريحات الأخيرة لرئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، الذي أعلن فيه استعداد المجلس لأخذ زمام المبادرة وصياغة قاعدة دستورية تفضي إلى انتخابات. 

وعلى ما يبدو، فقد بدأت رغبة المجلس الرئاسي في التدخل تختمر وتتبلور في صورة أفكار جديدة لم يتم الإعلان عنها بعد، إلا أنها عرضت من قبل المنفي أمام قادة الدول الفاعلة في نيويورك، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ77 بنيويورك، حيث كشفت المتحدثة باسم المجلس الرئاسي، نجوى وهيبة، عن تقديم رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، أفكاراً لقادة دول فاعلة، دون أن تسميها، حول إمكانية مبادرته بصياغة قاعدة دستورية للانتخابات. 

وأوضحت وهيبة، في تصريح لتلفزيون ليبيا الأحرار، ليلة البارحة، أن "سبب طرح المنفي أفكاره "هو تعثر مجلسي النواب والدولة في الوصول إلى اتفاق حول قاعدة دستورية وفق جداول زمنية محددة، وانعكاسه سلباً على الوضع السياسي والاستقرار في البلاد". 

وتعليقاً على عزم المجلس الرئاسي التدخل لإصدار قاعدة دستورية، أكد عضو مجلس النواب، الصادق الكحيلي، رفض مجلس النواب تدخل المجلس الرئاسي في الشأن الدستوري وعدم وجود صلاحيات له في هذا الشأن، وقال مصرحا لــ"العربي الجديد"، إنه يعتقد "أن محاولة تدخله جاءت بإملاءات خارجية، وهي متقاربة جداً مع تصريحات السفير الأميركي، ونحن في مجلس النواب نرفض ذلك تماماً". 

واستطرد قائلاً إنه "من الجيد أن يتم تحديد جدول زمني لاتفاق المجلسين، لكن من الصعب فعل ذلك في ظل الظروف الراهنة، خاصة مع استمرار تمسك حكومة الوحدة الوطنية بالسلطة، ورفض تسليمها للحكومة المكلفة من مجلس النواب"، لكنه رجح أن ينعقد اجتماع بين رئيسي المجلسين، عقيلة صالح، وخالد المشري، (الاتفاق بين المجلسين في غضون شهر من الآن)، مضيفاً أن "الخلاف ليس كبيراً بين المجلسين، ويتمحور حول جزئية بسيطة يمكن الوصول لتوافق حولها". 

لكن عضو مجلس النواب، زياد دغيم، يشير إلى حديث "البعض عن وجود اتفاق بين المجلسين على عدم الاتفاق، بغية الاستمرار في السلطة، وذلك عبر وضع عراقيل أمام الانتخابات تتمثل في شروط الترشح للانتخابات الرئاسية". 

ويرى دغيم، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "ما يدعم هذا القول، أن المجلسين لا يريدان التوجه مرحلياً إلى الانتخابات البرلمانية (التي لا خلاف حولها) ويصران على تزامنها مع الرئاسية، وهذه مفارقة تدل على أن المجلسين يطمحان للاستمرار في السلطة". 

وحول تصريح المنفي بالتدخل في الشأن الدستوري، قال دغيم "أعتقد أن المنفي كان واضحاً في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فمن ناحية، اختصاص الرئاسي محدود، ولكن مسؤوليته الوطنية تحتم عليه محاولة وضع حل، ولهذا طلب من المجتمع الدولي عدم ترك المدة الزمنية مفتوحة أمام المجلسين من أجل الوصول لاتفاق على القاعدة الدستورية"، لكنه استدرك بالقول إن "حل المنفي يجب أن يأتي وفق تفسير ما لخارطة الطريق والاتفاق السياسي، وهذا التفسير يحتاج لدعم محلي ودولي". 

ويتابع دغيم قائلاً إن "الدعم الشعبي متوقع، لأن الشعب يتطلع فعلاً للانتخابات، ولن يضره كثيراً من يصدر تشريعاتها، خاصة مع انقسام القضاء أيضاً بين الأطراف السياسية، وخروجه من الفاعلية. وهنا يصبح الموقف الدولي هو الحاسم، وذلك من خلال تحقيق زخم يدعم أي تصور يذهب الرئاسي باتجاهه لإنجاز الانتخابات، في حال فشل المجلسين في الاتفاق خلال مدة محددة، وأعتقد أن هذه المدة لن تتجاوز شهرين على الأكثر". 

من جهة أخرى، يرى عضو مجلس الدولة، سعد بن شرادة، أن المشكلة الحقيقية ليست في القاعدة الدستورية، بل في صعوبة إجبار قوى على الأرض على الانصياع والاحتكام إليها، وقال متحدثا لـ"العربي الجديد"، إن "الكل يتحدث عن ضرورة إيجاد قاعدة دستورية وانتخابات، والمشكلة ليست في إيجاد أي صيغة ومبادرة للقاعدة، فنحن لن نعيد اختراع العجلة، المشكلة في إمكانية تطبيق القاعدة على الأرض، ولهذا من السهل على المنفي التحدث عن تدخل المجلس الرئاسي وصياغة القاعدة، لكن هل ستلقى القاعدة قبولاً على الأرض في ظل وجود 25 مليون قطعة سلاح في البلاد؟". 

وبحسب بن شرادة فإن "المشكلة ليست في القاعدة، بل في مادتين خلافيتين تخصان ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية". 

وفي إشارة على ما يبدو لخليفة حفتر، يذكر بن شرادة أن "هذه النقاط الخلافية تهم إحدى القوى الموجودة على الأرض والتي سيتم إقصاؤها أو منحها الفرصة للترشح. وموطن المعضلة في إمكانية قبول هذه القوة بشروط الترشح". 

ومن هذا المنطق، لا يرى بن شرادة وجود أي إمكانية للاتفاق على القاعدة الدستورية "بدون توافق دولي يضمن إجبار الجميع بالقوة على تطبيقها". ودون ذلك، يعتبر بن شرادة اتفاق المجلسين "مستحيلا". 

ويعتقد بن شرادة بوجود فرصة أخرى للحل، في حال تم السماح بـ"إجراء استفتاء شعبي على مشروع الدستور، متضمناً هذه المواد الخلافية، بحيث يترك للشعب تقرير من يترشح للانتخابات، ومن يتم إقصاؤه"، إلا أنه يرى أن "المجتمع الدولي لا يريد إصلاح الحال وبناء دولة ليبيا، ولهذا لا يرفض فكرة الاستفتاء على الدستور الذي قد يعيد على الأقل 50% من هيبة الدولة". على حد تعبيره. 

وإلى اليوم، لا يزال أمر الانتخابات رهين الاتفاق الغائب بين مجلسي النواب والدولة، حيث يستمر الخلاف بينهما حول شروط ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية لسباق الرئاسة. 

فيما زاد نشوء خلاف جديد حول السلطة التنفيذية، بدأ من فبراير/شباط الماضي، من تعميق الأزمة؛ حين كلف مجلس النواب حكومة جديدة برئاسة، فتحي باشاغا، قوبلت برفض من مجلس الدولة، وحكومة الوحدة الوطنية التي ما زالت تحظى بالاعتراف الدولي، وترفض تسليم السلطة إلا بعد إشرافها على الانتخابات. 

وعمقت كل هذه الخلافات قلق الشارع الليبي الذي خرج بعد طول غياب لشوارع أغلب المدن الليبية في يوليو/تموز الماضي، معبراً عن رفضه كل الأجسام السياسية الحالية، ومؤكداً على رغبته في تحميل المجلس الرئاسي أمر الانتخابات. كما تجلت رغبة الشارع في تجديد المناخ السياسي عندما قارب عدد الناخبين المسجلين لدى مفوضية الانتخابات 3 ملايين مسجل من أصل 6.8 ملايين ليبي. 

ومع رغبة المنفي التدخل، إلا أن المجتمع الدولي لم يتخذ على ما يبدو قراراً فاصلاً في الاعتماد على الرئاسي في أمر الانتخابات.  

وكان ممثلو فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، قد أعلنوا الجمعة عن دعمهم للمبعوث الأممي الجديد خلال ولايته لتعزيز الاستقرار السياسي والمصالحة بين الليبيين. 

وأكد ممثلو تلك الدول خلال اجتماعهم في 22 سبتمبر/أيلول على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعمهم الكامل لوساطة الأمم المتحدة الهادفة إلى وضع أساس دستوري للانتخابات. 

 

المساهمون